لم تتعدى مشاهدتي لمشهد كهذا سوى مرتان فقط. فقد
كانت الاولى حينما عرضت فضائية ابو ظبي وتحديدا في ايام رمضان الفائت،
المسلسل التأريخي المروع (هولاكو). والثانية حينما تعرض كل الفضائيات
العربية هذه الايام (المقابر الجماعية للشعب العراقي) التي خلفها وراءه
اتعس حزب عرفته البشرية. الفرق بين المنظرين هو اننا العرب قد اتفقنا
من حيث لا ندري في المشهد الاول على بشاعته، بينما اختلفنا على المشهد
الثاني ونحن ندري، رغم ان الجماجم متناثرة كما هي في الحالتين !
اتفقت كلمة العرب مع العراقيين على انهم قد ظُلموا
من قبل هولاكو الذي دمّر بغداد واحرق كتبها ومسخ معالمها الأثرية. وما
هذا الا رد فعل طبيعي: فهولاكو البربري لم يقرّب عربيا ولم يهبه من مال
بغداد وخزينة المسلمين هبة ! بينما زاود بعض العرب على وطنية العراقيين
للعراق وللسبب ذاته (خزينة مال العراقيين) !
لم يكن لهولاكو البربري صحيفة تصدر من لندن، ولم
يكن له عضوا في البرلمان يدافع عنه، ولم يكن يُعقد وقتها مؤتمرا عروبيا
تحت رايته ويرأسه معن بشور. كما لم يكن له من شعب الشتات نصيب! وبعد
هذا كله فمن الطبيعي ان يخسر هولاكو معركته الانتخابية بين صفوف بعض
العرب من فلسطينيين ولبنانيين واردنيين ومصريين، بينما حصد صدام كل هذه
الاصوات ! مسكين هولاكو. وبعد كل تلك السنون العجاف وما تبعها من زمن
النفط والرخاء يُبعث هولاكو من جديد متقمصا شخصية "القائد الرمز"
ومتخفيا عن انصاره وصحفهم وفضائياتهم موهما اياهم انه "صدام" وليس
هولاكو المسكين. عرفوه من اول نظرة، لكن سايروه طمعا في فتات موائده !
فضيقوا على اهل القلعة الحصينة كأنهم اهل البلد، وعاملوا ملايين الوطن
من الجياع والمرضى كأنهم سبايا من بلاد فارس او الروم. فلم يتأخر عنهم
سيدهم المبجل بعطايا من مال المسلمين، واية عطايا (عملة استرلينية صعبة)
!
ساعدوه في طمر الالاف بملابسهم احياء واموات !
شيعوا لغة الخوف والبطش والارهاب ! اقاموا العزاء على فقده ! حزنوا على
خذله اياهم فوجهوا بنادقهم من جديد ضد شعب العراق ! توعدوا وارعدوا
فازبدوا فلم يجدوا جوابا غير اصوات المؤخرات العفنة ! طلبوه حيا وان
كان مطلوبا فحياتهم لن تستقيم بدونه، بل ليس لها معنى ولا سوق ولا
زبائن. احاطوه بهالة من التقديس والتبجيل فلم يصبح الصبح الا عن طريد
يبحث عن مأوى واتباع يبحثون عن مجد مفقود .. مفقود ..
لم اصدق ما ترى عيناي .. مقابر ومشانق، اوتاد وابار
اسيد، سحلا وقتلا وتدمير، ضمائر ميتة وعقول جرثومية خاسئة، بطون ملؤها
البغض والحقد والكراهية لشعب العراق ! حسبتها لاول وهلة جزءا ثانيا
لمسلسل هولاكو اتفقت كل الفضائيات لتقديمه للمشاهدين العرب كعربون محبة
وتواصل! لكن ما ان تم اعدام بعض السجناء العراقيين الابرياء بالديناميت
ومن حولهم بعض الحجّاب برتب عسكرية على اكتاف خاوية جبانة حتى فركت
عيناي المتورمتين من البكاء على المشهد الدرامي المؤثر كأنني في حلم
لاجد ان ما اراه حقيقة. تأكدت حينها ان ما اراه هو زمن صدام حسين، وان
هولاكو برئ من مثل تلك الاعمال. فلم يكن في زمنه نفط، بل لم يخطر على
باله تلك الطريقة البشعة في تصفية الخصوم السياسيين. ولو خطرت له لما
فعلها، ولسبب بسيط لانه هولاكو المسكين. ولو فعلها لما بقي لصدام حسين
شئ يُذكر به وتُسجل له براءة اختراعه.
فهنيئا لبعض الاصوات العربية تلك الفواجع العراقية
! وهنيئا للمؤتمرات القومية قائدها الرمز ! وهنيئا لصحف لندن تلك
الاطلالة المشرقة في تأريخ البعث ! وهنيئا.. لبعض دول الجوار فقد
أطاعوا رسول الله (ص) حينما قال "جارك ثم جارك ثم جارك".
إعلامي عراقي
www.geocities.com/riyadalhusaini |