- المغزى والنتيجة –
أن يكون هناك منتدى خاص بالفقراء فهذا ما يستحق
التأمل طويلاً أمام مستجدات ما يجول بالعقل البشري الذي يبدو أنه لا
يهمل أي من مماحكات الإنسان مع نظيره الإنسان الآخر.
ما تزال تايلند متأثرة بالأزمة الاقتصادية
السيئة التي ضربت عموم بلدان جنوب شرقي آسيا في مطلع التسعينيات من
القرن العشرين الماضي ورغم أن المدة قد بلغت عقد من السنين فإن تلك
الأزمة قد أثرت بصورة بالغة في خطط اقتصاد تايلند التي كانت تعد من
أسرع البلدان نمواً في العالم النامي وفي الوقت الذي تجاهد فيه تايلند
لاستعادة قوتها الاقتصادية يرى مفكرون تايلنديون أن قادة السياسة في
بلادهم لم يتعلموا كثيراً من هذه الأزمة ويتوقع هؤلاء المفكرون مزيداً
من فقدان تايلاند لخطوط وشكل هويتها في السوق العالمية فهناك حالة من
التذمر الاجتماعي جراء استغلال رجال الأعمال الجشعون.
وتؤكد مجموعة من المتضررين أطلقت على نفسها (منتدى
الفقراء) نتيجة لسوء علاقات السوق والتي تضم بين أعضاءها العديد من
المزارعين التايلنديين بأنه حاق الوقت كي تؤخذ حقوق الفلاحين الأساسية
بالحسبان وأن يحصل أطفالهم على مستقبل أفضل بعد أن أضطر الكثير من
الشباب إلى الهجرة من قراهم إلى العاصمة بانكوك بحثاً عن عمل موسمي في
البناء (مثلاً) أما الفتيات فيواجهن مصيراً مختلفاً إلا وهو بؤر
الدعارة المنتشرة في العاصمة إذ تستفحل مسألة الأنقسام الطبقي بصورة
حادة في إبراز التفاوت الفاحش بين الفقراء والأثرياء في ظل ظروف يسودها
عدم الاكتراث من الأوضاع العامة على المستويين الرسمي والاجتماعي.
ولعل مثال تايلند يصلح أن يكون موضوعاً لبلدان
أخرى تعيش أزمات مماثلة سواء في منطقة القارة الأسيوية أو غيرها ففي
البلدان النامية نجد أن نسبة (33.3%) ليس لديهم مياه شرب آمنة أو معقمة
صالحة للشرب أو الاغتسال و(25%) يفتقدون للسكن اللائق و(20%) يفتقرون
للخدمات الصحية الاعتيادية و(20%) من الأطفال لا يصلون لأكثر من الصف
الخامس الابتدائي. و(20%) من صغار الطلبة يعانون من سوء ونقص التغذية.
أما على مستوى بقية دول العالم فتبين بعض
الأرقام أن في تمركز رأس المال العالمي خللاً لا يمكن لأي خبير أن ينكر
تفاعلاته السلبية وتشير أرقام إحصاءات العولمة في العالم أن ثروات
(200) شخص الأغنى في العالم تبلغ نسبتها أكثر من دخل (41%) من سكان
العالمين مجتمعين وأن مساهمة سنوية منهم لو حددت بمساهمة قدرها (1%) من
ثرواتهم البالغة (8) بليون دولار أمريكي تكفي لسد الطلب العالمي كي
تكون الدراسة الابتدائية للجميع وما يزيد الأمر استمراراً بالتعقيد أن
إحصائية غربية نشرت مؤخراً أوضحت بالأرقام: (أن الدول الصناعية تمتلك
(97%) من كافة الامتيازات العالمية وأن الشركات الدولية عابرة القارات
تمتلك (90%) من امتيازات التقنية والإنتاج والتسويق وأن أكثر من (80%)
من أرباح إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في البلدان النامية تذهب
إلى (20%) دولة.
وبحسب وجهة نظر عدد من المسؤولين الدوليين
المشرفين على تكنولوجيا المعلومات ومن بينهم (جيمس ولفنسون) فإن تزويد
الشعوب الفقيرة بالتكنولوجيا الحديثة وتكنولوجيا المعلومات كفيل بعلاج
مشكلة الفقر باعتباره أكبر تحد يمكن أن يواجهه شعب ما ومع الإقرار أن
مشاكل الكون لا يمكن أن تحل بضربة عصا سحرية فإن بشارات بعض المسؤولين
الدوليين بالرغد الذي سيتحقق للبشرية عموماً ليس فيه أكثر من الدعاية
للاستهلاك المحلي والدولي. إذ بدون التكنولوجيا الحديثة اليوم لا يمكن
حل مشاكل الفقراء وتفاقمها هنا وهناك.
ومع استمرار الفجوة بين الطموح لمستقبل أفضل
للبشرية والعوائق التي يضعها البعض لتدني مستويات إدراك القائمين على
إصدار القرارات الإنسانية المناسبة فإن ظاهرة إغناء الأغنياء وإفقار
الفقراء ستبقى مستمرة مالم يتم تداركها على المستوى الدولي. |