تعهد مسؤولان كبيران في وزارة الخارجية بأن
الولايات المتحدة ستساعد في التشجيع على تطوير الديمقراطية في العالم
الإسلامي.
فقد قال كل من مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق
الأدنى وليام بيرنز ومساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية وحقوق
الإنسان والعمل لورن كراينر، إنه تم نبذ مقولة عفا عليها الزمن نبذاً
تاماً مفادها أن المسلمين عاجزون عن التعامل مع الديمقراطية. وجاءت
تصريحاتهما في السادس عشر من هذا الشهر في واشنطن العاصمة خلال مؤتمر
استغرق يومين عُقد برعاية مركز دراسة الإسلام والديمقراطية، وهو منظمة
مؤيدة للديمقراطية أُسست قبل أربع سنوات.
وأكد كل من بيرنز وكراينر في كلمتيهما في
المؤتمر على أنه لا يمكن فرض الشكل الذي تتخذه الديمقراطية من الخارج،
بل ينبغي أن يحدد ذلك أهل كل بلد بأنفسهم.
وقال بيرنز إن المسؤولين الأميركيين أعطوا
إلحاحية جديدة لمهمة تحقيق انفتاح الأنظمة السياسية في الشرق الأوسط.
وأضاف أن التشجيع على الديمقراطية في الشرق الأوسط يجب أن يتم "كجزء لا
يتجزأ من استراتيجية أوسع تسعى بنشاط مماثل إلى حل النزاع الفلسطيني
الإسرائيلي؛ وبناء عراق مستقر مزدهر وديمقراطي؛ وتحديث الاقتصادات في
المنطقة."
وأشار مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى
إلى أن عملية إحلال الديمقراطية، التي من الأفضل تحقيقها تدريجياً،
ينبغي أن تتخطى مجرد إجراء انتخابات بحيث تشمل "جميع العملية المؤلمة
الصعبة التدريجية وأحيانا الخطرة لبناء المؤسسات السليمة وإقامة حكم
القانون والمجتمعات المدنية النابضة بالحياة والنشاط."
وأكد على أنه في حين "لا يمكن تحقيق بقاء
واستدامة (العملية) عن طريق المواعظ أو الإرشادات أو المواصفات الآتية
من الخارج"، إلا أن هناك، مع ذلك، "الكثير مما يمكن للولايات المتحدة
وآخرين في الدول الديمقراطية أن تفعله للمساعدة في دعم الإصلاح النابع
محليا."
وذهب بيرنز، الذي التحق بالسلك الخارجي قبل واحد
وعشرين عاماً، إلى القول إن الولايات المتحدة لم تبد اهتماماً كافياً
طوال تلك الفترة "بأهمية تحقيق انفتاح بعض الأنظمة السياسية المتجمدة،
وخاصة في العالم العربي، على المدى الطويل." لكنه أضاف أن المسؤولين
الأميركيين أصبحوا يعتقدون الآن أن مثل هذه الجهود قد أصبحت تخدم غرضاً
يتجاوز دعم القيم الأميركية والحقوق الإنسانية الأساسية، إذ أصبحت "مسألة
مصالح أميركية عملية."
وأوضح ذلك بالقول إن "الاستقرار ليس ظاهرة
متحجرة غير متغيرة، والأنظمة السياسية التي لا تجد سبلاً للتكيف مع
مطامح شعوبها تصبح هشة قابلة للاحتراق."
وقال بيرنز، في سياق رفضه لفكرة ما وصفه بأنه "نوع
من الاستثنائية العربية أو المسلمة في ما يتعلق بهذا الأمر"، إن طبيعة
المجتمعات العربية الفريدة والتحديات التي تواجهها "لا تعني أنها عاجزة
عن (تحقيق) التغير الديمقراطي."
وأضاف: "إن افتراض غير هذا هو تحليل خاطئ وأساس
خطر لبناء سياسة عليه."
ولكن بيرنز أقر بأن بروز الأنظمة الديمقراطية في
العالم الإسلامي لن يجعل حصول الولايات المتحدة على ما تريده بالنسبة
لقضايا معينة أسهل. واستشهد بـ"رد تركيا المخيب للأمل" عند رفضها طلبات
الولايات المتحدة الخاصة بتمركز قواتها في قواعد عسكرية (على الأراضي
التركية) خلال الأزمة العراقية.
وأضاف أن المسؤولين، إبتداءً من الرئيس ومروراً
بالآخرين، يعتقدون رغم ذلك أن "من مصلحتنا بشكل كبير على المدى البعيد،
دعم التغير الديمقراطي."
وفي حين تعهد بيرنز بمنح الدول التي تقوم بتطوير
أشكالها الفريدة من الديمقراطية بأقصى المُهل والتفاوت الممكن، فإنه
قال إن هناك ثلاثة عناصر يعتبرها المسؤولون الأميركيون حاسمة.
ومضى إلى القول إن أولها هو أنه يجب على الدول
العربية أن تيسر قدرة مؤسسات المجتمع المدني المستقل، وبينها وسائل
الإعلام المستقلة ومنظمات المواطنين المؤيدة لأمور معينة والداعية
إليها والمنظمات النسائية، على القيام بدورها.
وثانيا، ينبغي على الدول العربية أن تقلّص من "الفساد
ومحاباة المقرّبين" في أنظمتها الحكومية وأن تعمل في سبيل إقامة حكم
القانون من خلال أنظمة قضائية مستقلة أكثر فعالية وسجون وقوات شرطة
أكثر إنسانية وتقيداً بالقوانين."
أما الأمر الثالث فلخصه بيرنز بأنه ينبغي على
القادة العرب أن يكافحوا في سبيل جعل الانتخابات "أكثر شمولية ونزاهة"
معتبراً إجراء انتخابات حرة منتظمة شرطاً ضرورياً، وإن يكن غير كاف
وحده، للديمقراطية.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية إنه مع التزام
الولايات المتحدة الآن بدفع عجلة عملية إحلال الديمقراطية "من الممكن
أن تصبح فترة الأزمة نقطة تحول يبدأ فيها الأمل بالحلول محل اليأس الذي
يتكاثر فيه المتطرفون الذين يستخدمون العنف."
وقد كرر مساعد وزير الخارجية لشؤون الديمقراطية
وحقوق الإنسان والعمل الكثير من هذه النقاط خلال حفل العشاء الذي أقامه
المركز. فقد ذكر أن دعم الإصلاح الديمقراطي في العالم الإسلامي قد "ارتفع
إلى مكان الصدارة في طروحاتنا" وأن ذلك يعود جزئياً على الأقل إلى
الهجمات الإرهابية على أهداف أميركية في 11 أيلول/سبتمبر، 2001.
ولكن كراينر أضاف أن "هذا التوجه ليس فقط نتيجة
لـ 11 أيلول/سبتمبر، إلا أن 11 أيلول/سبتمبر بلور العملية ودفع
بالمتشككين في حكومتنا إلى مكانهم الملائم. ولم يعد من الممكن الدفاع
عن، أو المحافظة على نفس الأسلوب الذي اعتمد طوال ثلاثة عقود في
التعامل مع العالم العربي بشكل خاص والعالم الإسلامي بشكل عام. لم تعد
هناك استثنائية شرق أوسطية بعد الآن."
وأضاف كراينر أن الكثيرين كانوا يشكون في عقود
سابقة بإمكانية تجذر الديمقراطية في أميركا اللاتينية أو شرق آسيا،
وهما منطقتان تعجان اليوم بعدد كبير من الحكومات الديمقراطية. وأضاف: "إن
المتشككين مخطئون هنا (أي في ما يتعلق بالعالم الإسلامي) كما كانوا
مخطئين في السابق."
وأشار كراينر إلى التقدم الذي تم تحقيقه أخيراً
نحو الانفتاح في عدة دول، من البحرين حيث لم تشارك النساء في العملية
الانتخابية وحسب وإنما ترشحن أيضاً في انتخابات العام الماضي، إلى قطر
التي أقرت دستوراً جديداً، إلى الأردن حيث من المقرر إجراء انتخابات
عامة في حزيران/يونيو القادم، و"حتى" المملكة العربية السعودية التي
اقترح ولي عهدها الأمير عبد الله إصلاحات لبلده وللعالم العربي أيضاً.
وقال كراينر لجمهور مستمعيه الذين كان معظمهم من
المسلمين: "إن لم تتذكروا سوى شيء واحد من كلمتي الليلة، تذكروا هذا:
إن الولايات المتحدة قد قامت، لعدة أسباب، بالالتزام بالحرية في
المنطقة، وسنبقى على التزامنا."
وأردف قائلا: "إن الولايات المتحدة تقف إلى
جانبكم قولاً والآن فعلاً، وسترون أعمالنا تعبر عن صدقنا."
وحين سئل كراينر في فترة محاورة قصيرة عما إذا
كانت الولايات المتحدة ستطبق نهج تأييد الديمقراطية في الدول الصديقة
كمصر علاوة على الدول التي وصفها الرئيس بوش بأنها "محور الشر" أجاب
بالقول: "ليس من الضروري أن تكون دولة في "محور الشر" كي تكون مؤهلاً
لسياسة ديمقراطيتنا الجديدة."
ومضى إلى القول إنه أصبح من الواضح بشكل متزايد
لواضعي السياسة الأميركة أن الوضع الراهن ليس مستقراً و"من الواضح أننا
لا نتحدث فقط عن العراق أو سوريا."
وأضاف: "إن الرسالة التي أبلغناها للسيد مبارك (أي
الرئيس المصري حسني مبارك) هي أن عليه هو وحكومته أن يبدآ التحرك بشأن
(إحلال) الديمقراطية، عليهما أن يبدآ إصلاح المؤسسات وعليهما أن يبدآ
بإطلاق سراح الأفراد السجناء."
وخلص المسؤول في وزارة الخارجية إلى القول: "إنه
يتلقى نفس الرسالة التي تتلقاها كل حكومة في الشرق الأوسط. وقد لا يكون
تلقاها قبل 11/9، إلا أنه يتلقاها الآن."
المصدر: نشرة واشنطن
|