من التقاليد والأعراف الاجتماعية الرائعة
والملتزم بها في أغلب بلدان الشرق وفي مقدمتها بلدان العالمين العربي
والإسلامي هو ما يتمتع به الابن البكر (الذكر) في العائلة من معاملة
ممتازة من قبل الأبوين والأقارب وأصدقاء العائلة ومحيطه الاجتماعي
الصغير. وليس من العجب في شيء إذا ما تم ربط ذلك بالانسجام مع الفطرة
الشرقية بصورة أكثر جلاءً في الفعاليات الاجتماعية الساعية لإعطاء كل
ذي حق معنوي حقه.
وفعلاً إذا ما تمت النظرة إلى ما يتمتع به الولد
البكر بالنسبة للأبوين (الأب والأم) من امتياز التوكيل المعنوي للتصرف
نيابة عنهما أثناء غيابهما عن البيت من حيث رعاية أخوانه وأخواته
الأصغر سناً حتى لوكان ذلك الولد الطفل لا يزيد عمراً على أخيه أو أخته
اللذان يليه بسنوات قليلة جداً لكن كبر سنه الضئيل عليهم كافٍ للإقرار
بأنه مسؤول عن شؤون أفراد البيت ممن هم أصغر منه سناً وهذه الحالة بقدر
ما تبدو بديهية جداً من حيث العلاقات المعنوية في العائلة إلا أن نجاح
الابن البكر لإدارة شؤون الأصغر منه في البيت ينطوي على فهم لمهمة
المسؤولية في أبسط أشكالها البدائية.
ومع أن المرء ليس على موعد كي يختار لنفسه أن
يكون أو لا يكون البكر بين بقية أولاد العائلة إلا أنه في حالة رزق
العائلة أولاً ببنت وليس ولد سيكون لها شيء من تدبير شؤون أفراد الأسرة
بحكم تركيبتها الأنثوية وضرورة أن لا تحتك بميحطها الخارجي بصورة ملفتة
للنظر فإن قيمومتها المعنوية على أخوتها الصغار الواقعة لا محالة ولو
لفترة محددة فيه من الموضوعية ما ينبغي عدم الإنشغال بغيره.
وعلى أية حال فإذا تقضي الضرورة مواصلة أفضل
للحياة المعنوية عند الولد البكر باعتباره شخص جامع لقيمومة أبويه على
بقية أفراد العائلة أثناء غيابهما عن المنزل فيه من الطمأنينة المؤكدة
أو شبه المؤكدة على أن العائلة في مأمن وسلامة من أي مكروه محتمل.
إن الانشغال في الحياة أمر لا مفر فيه إلا أن
الانشغال في الأعمال التي هي خالصة لله سبحانه وتعالى تجعل من المرء لا
يتردد في فعل الخير للآخرين إيثاراً من نفسه لصالح الآخرين فوضع لمسات
التعاون بين الناس تيقظ الضمير منذ الصغر على التمسك بطريق الحق الذي
قد لا يفهمه بعض الكبار ممن أبتليت بهم وبشرورهم وجشعهم وأنانيتهم
ساحات الخير فرغم أن هناك شيئاً من الفوضى التي تبدو مرسومة ومنفذة
أحياناً عند الآخرين لكن الابن الأكبر يتحمل أحياناً عبء العائلة
المعنوية أو المادية أو كليهما معاً أكثر من غيره فما بين أخوته حتى لو
كان يكبر الذي يليه بسنة واحدة ففي عمر الوعي يتنحى الوالد أحياناً عن
تدبير أي أمر معنوي أو مادي ويكله إلى ابنه الكبير كي يتصرف على ضوء
ضمان مصلحة العائلة ويلاحظ هذا الابن واقفاً حتى في عزاءات العائلة
كشخص أول في صف استقبال المعزين تالياً لوقفة والده كذا الحال في ظروف
إقامة الأفراح.
وفي حالة التحديات الشخصية والاجتماعية الطارئة
على الجميع يجد الولد الكبير في العائلة بعد أن يصبح شاباً أو رجلاً
وقد تخطى عمر لا بأس به من امتلاك الوعي وقيادة القيمومة العائلية أنه
مسؤول أمام الله قبل ضميره مسؤوليته أمام العائلة لحماية كل العائلة من
أي مكروه أو ضرر أو نقص معنوي أو مادي وتجربة الحياة التي تكسبه مقومات
القبول في الحد الإيجابي الأدنى منها فإن مقتضيات تجعل له من الحنكة ما
يجعل امتيازات التمتع بمركزه المعنوي في العائلة أكثر فهماً لدى
العائلة وأن كان أفرادها لا يجدون بداً من ذلك وبالذات في مراحل العمر
التي توصي لخلود الأبوين إلى الراحة. |