تجتمع ظواهر – الاغتيال والقتل والانتحار – كأحد
أهم سمات هذا العصر المنعوت خطأً بعصر التقدم متناسين أن كنه مصطلح (التقدم)
أشمل من أن يقتصر فقط على مفهوم المنجزات العلمية والتكنولوجية
المحسوبة على شكليات الحضارة وليس على مضامينها.. فهوية القاتل الأنيق
الملبس والبادي كشخص حضاري ليس له من الحضارة شيء.. ويمكن أن يكون مظهر
إنزال الموت بالآخرين اللامستحقين للفناء سبباً لإعادة النظر في الكثير
من التوجهات لإقرار جديد يحمي الإنسان ويعرفه أكثر بنفسه وحق الناس
عليه.
في خبر تناقله الرأي العام العالمي وتحدث به عبر
أوساطه الاجتماعية استنكر فيه واقع حال الرجال المكسيكيين الذين
يفاخرون علناً بقتل نسائهم وأمام مرأى سلطات الشرطة المحلية والفدرالية
في المكسيك التي تغض الطرف عن اقتراف تلك الجرائم بتبرير غريب يقول إن
عمليات القتل تلك تقع ضمن حسابات العنف الأسري وينبغي عدم التوسع في
ذلك. وتحفل مدينة (كويداد خواريز) المكسيكية بوقوع عشرات من جرائم
القتل التي كانت ضحاياها من النساء التي تتستر عليها السلطات المكسيكية
المختصة ولا تهتم بكشف النقاب عن خلفيات هذه الجرائم. وتشير الأرقام
الرسمية إلى مقتل (269) فتاة خلال التسع سنوات الأخيرة في حين تؤكد
منظمات حقوق الإنسان أن العدد يفوق (300) فتاة وسرت شائعات عن أن
مرتكبي جرائم القتل هم رجال ذوو نفوذ في المكسيك. ولعل أبشع الجرائم
المقترفة يرجع إلى الرغبة في تسجيل ومشاهدة أفلام الجنس الإباحية التي
يدخل فيها عنصر إنزال عقوبة القتل بالمرأة بعد أداء الفعل الشائن معها
لغرض الإثارة وتسويق أشرطة الفيديو تبعاً لذلك بكميات كبيرة على
اعتبارها أفلام جنسية ذات مودة حديثة غير مسبوقة وطبيعي فإن أولئك
الفيتات غالباً ما يكن غير عليمات بوجود كاميرات خفية تصور أوضاعهن مع
الرجال ناهيكم عن عدم علمهن بأنهن سيكونن مقتولات بعد دقائق على يد
محترفي القتل مع أولئك الرجال الساديين الذين يقتلون النساء رغبة
بالتسلية إذ إن مجرد قتلهن يؤدي رواج الأشرطة الخاصة بعمليتي الأداء
الجنسي والجرمي في القتل بأعداد تصل إلى ملايين النسخ. وصلافة الرأي
السائد الآن في المكسيك معلن عنه رسمياً ومفاده باختصار: (إن النغمة
السائدة هي: أنهن نساء وفقيرات فلم كل هذا الاهتمام؟! هناك أخريات
سيحللن محلهن) (!!) فإذا ما علمنا أن (75%) من فقراء الكرة الأرضية هم
من النساء فلماذا تتفرد المكسيك بقتل النساء العفيفات وغير العفيفات
بآن واحد.. أما عن ظاهرة أعداد القتلى جراء الحروب الأهلية والدولية
المفتعلة فما يزال يكتنفها الكثير من الأسرار.
إن أكثر السلطات الحكومية لم تعد حيادية بتلك
الدرجة المتوقعة؛ فإرهاب الدولة المعنية ضد أبنائها قد فاق الحدود
وآليات الجريمة في بعض بلدان العالم الثالث أمسى من الأمور الاعتيادية
التي يتناقلها الناس في أكثر من بلد على كونها من المسلمات لحفظ ما
تبقى من النفوس.. فالعالم (المتقدم) اليوم إذ تسبب في إعاقة (4) ملايين
طفل بحسب إحصاء أدلى بتفاصيله (الدكتور عاطف عضيبات) مدير عام المركز
الأقليمي للأمن الإنساني التابع للمعهد الدبلوماسي في الأردن وبالتالي:
(إن الحروب تسببت في مقتل مليون طفل وفي إعاقة
أكثر من (4) ملايين طفل وتيتم (2) مليون طفل خلال العقد الأخير).
وبحسب التوقعات المتداولة بين المتابعين فإن
العديد من القتلى من ضحايا الحروب والسياسة بطريق الاغتيال ليس قليلاً
ابداً فحدث عنه ولا حرج رغم عدم وجود أرقام عنها نظراً لما يحيط ذلك من
إجراءات سرية وظروف غامضة وخصوصاً بعد فشل السلطات الإرهابية في انتزاع
اعترافات من بعض الواقعين تحت قبضتها.
أما صدمات الحياة أو عدم تحمل ظرف صعب معين، فهي
من أولى أسباب قتل النفس عبر الانتحار فعلى سبيل المثال أن إحصائية
رسمية نشرت في أواخر السنة الماضية 2002م في لندن وقامت وزارة الداخلية
البريطانية بالكشف عنها تقول (إن معدل الانتحار بين مساجين بريطانيا قد
ارتفع بنسبة بلغت (29%) خلال السنة الجارية مقارنة بالعام 2001م وبررت
الوزارة المذكورة هذه الحالة المزرية بسبب الأعداد الهائلة من المساجين
الذين يتزايد عددهم بسرعة رهيبة). على حد قولها.
أما عن إنزال عقوبة الإعدام بالمخالفين فهو
موضوع آخر لكنه يدخل في إطار خطة ترحيل البعض عن هذه الدنيا (!!) ففي
إحصائية أصدرتها الجهات الحكومية في المملكة العربية السعودية ذكرت
فيها أن الساحات العامة في السعودية شهدت إعدام (121) إنسان عام 2000م
فقط. |