تبقى التقاليد والعادات الاجتماعية المتعارف
عليها محط التزام شريحة كبرى من الشباب مقابل شباب آخرين يكادون أن
يعلنوا شعار (التمرد) على كل ما هو مألوف بين الناس وأول ما يلاحظ
على الصنف الثاني من أولئك بأن طريقة عيشهم وموديلات لبسهم وحتى
تناول طعامهم أحياناً تختلف كلها عما يتبعه غيرهم وذلك كنوع من
التعبير عن درجة ما من التمرد الاجتماعي على ما يستسيغه الآخرون.
إن ملامح التمرد عادة ما تأخذ أشكالاً قد لا
يكون أحد منتبهاً لها تماماً فشباب يختارون أزياء يرتديها عادة
المسنون ممن تجاوزوا السبعين السنة من أعمارهم وشباب غربيون يشاكسون
الناس حين يرتدون معاطف الشتاء الطويلة في مواسم الصيف أما طريقة
موديلات الحلاقة الجارية عند الشباب المتمردين فتأخذ أشكالاً غريبة
أحياناً ولم يبق إلا وأن ترسم خارطة العالم على رؤوسهم سواء بعد
إزالة الشعر عنه أو حلق الشعر بإبقاء أجزاء منه تمثل يابسات الأرض
وتكاد الفتيات أن يشاركن في إبداء بعض التمرد في ملابسهن وتسريحات
الشعر وفي مصر يشهد المجتمع هناك حفلات الزواج في النهار وليس الليل
بين المتزوجين الشباب حتى تكاد أن تصبح هذه ظاهرة محبذة يستهدف منها
كسر كل مألوف وأن ذلك يتم بناءً طلب الفتيات أكثر من الفتيان
المتزوجين.
لو تم بحث ظاهرة التمرد لتبين أن جذورها تمتد
إلى أيام فروض السلطة المتمثلة في الأب داخل البيت أو المعلم داخل
المدرسة حتى إذا ما اجتمع عدد ممن تكبر في نفوسهم سمة التمرد على
العائلة والمجتمع تبدأ حالة من التقارب بين عدد من الشباب ليأسسوا
شلة الحارة أو الحي أو ربما المدينة فيتحول التمرد الفردي إلى تمرد
جماعي قد تصبح مواجهته من الأمور الصعبة. وطبيعي فإن أول ما يلازم
تمرد الشباب هو انتهاج السلوك العدواني كتلازم ضرر التدخين السلبي
وسرطان الرئة. وتساهم نشرات الأخبار التلفزيونية مساهمة مؤثرة سلباً
على منطلقات الشباب جراء احتوائها على عروض سلوكيات العنف عند الكبار
الذين لا تبدو أن بنيتهم إيقاف العنف فيما بينهم وبهذا الاستنتاج
تشير التقارير التي أزيح عن مضامينها الستار بـ(أن حرب البوسنة قد
أدت إلى وفاة أكثر من ربع مليون شخص بينهم 30 ألف طفل وما يزيد على
271 ألف جريح بينهم (4) آلاف طفل. وبلغ عدد المعوقين أكثر من 15 ألف
معوق بينهم 2220 طفلاً وهجرة زهاء (200) ألف شخص هرباً من الدمار
والحرب.).
إن العنف الدائر والنزاعات المسلحة التي
ينقلها الإعلام بكافة أجهزته وبالذات التلفزيون يفكر بها االأطفال
على كونها أموراً ممكن اتباعها دون أن يعوا خطورة تفكيرهم.
إن شبيبة اليوم تتبنى أفكاراً ليست على ما
يرام حيث تستسهل أحياناً عدد من التمردات المقيتة كالقيام بدور قاطع
الطرق على الناس مما يعتبر تحدياً للجميع إذ إن مجرد قبول أي طفل أن
يكون وسيلة للتمرد على عائلته أو مجتمعه معناه أنه قد استسهل السقوط
الأخلاقي عنده وفي تفكيره وبالذات بعد شعوره قد فقد صفة التكافؤ
البشري مع غيره من الشباب الأسوياء المربين لتربية حسنة، إن أكثر
اتباعات الأسر والمجتمعات مع الأولاد هي على شيء من الأريحية لكن
الثغرة السلبية إذا ما نفذت إلى سياج الشاب أو الشابة عن طريق الصدفة
أو الغفلة عن الأولاد فيعني ذلك انتظار ما لا تحمد عقباه وما يزيد
هذا الأمر تعقيداً حين تقرر عائلة ما غير محتاجة مالياً لتشغيل
أولادها أو بناتها في أعمال يكون مردودها الأخلاقي السلبي عليهم أكثر
بما لا يقارن مع الفوائد المالية الممكن أن يجنوها جراء العمل. لذلك
تحذر العوائل من التفريط بأطفالهم وإلحاقهم بالعمل لأسباب كمالية أو
توقعية، إذ أن بإلحاق الطفل بالعمل بعداً مضراً لا يحبذ اتباعه إلا
في ظل ظروف اقتصادية قاهرة ومع ضرورة الإشراف على ظروف عمله أول بأول
وبمعدل دائم حيث أن الطفل الذكي إذا ما عرف في كبره أن إلحاقه من قبل
الأهل بالعمل لأسباب غير اضطرارية كبديل عن المدرسة سيشكل لديه حقداً
مستديماً ضد عائلته وحتى مجتمعه فقد نقلت الأخبار منذ فترة وجيزة أن
زهاء 40 فندقاً أحرقها الشباب المسلمون في النيجر ظناً منهم أن خسوف
القمر هو غضب من الله على مسلمي نيجيريا وكان ذلك حسبما يبدو أن تلك
الفنادق أو أغلبها مم كانت تسمح بوقوع الفاحشة فيها لكن إحراق
الفنادق المذكورة سيمكن تلافي تكراره مستقبلاً إذ كان من الأفضل
الضغط هناك على حكومة النيجر كي تتخذ إجراءات صارمة توقف إدارات تلك
الفنادق عند حدود الحشمة.
وبأن تنتشر فيه استسهال إصدارات قرارات قضائية
صارمة ضد بعض الشباب الجائع في تركيا وقف الناس الأتراك مبهورين أمام
حكم قضائي حدد إنزال عقوبة (77) سنة في السجن على (3) شباب اتراك
بسبب سرقتهم لقميصين ودولار واحد.
وأخيراً فإن المنغصات التي يسببها الشبان
المتمردون على عوائلهم هي أكثر ألماً مما يعانيه أولئك الشبان أنفسهم
وهذا ما يستوجب بذل مراعاة مؤثرة لتقويم مسيرة الشبيبة المتمردة
وأعادتها إلى الطريق السوي الذي يتطلع إليه كل مجتمع طموح.
|