يكاد يصبح القلق سمة هذا العصر وآفة القرن
الحادي والعشرين هذا إن لم يكن القلق قد استبد بالجميع دون استثناء
وكذلك يكاد أن يتساوى في القلق الأغنياء والفقراء والمتعلمون
والأميون نتيجة لتشابك وتعقيدات الحياة وشحة الفرص المتاحة للأخذ
بزمام انطلاقات افضل في الحياة مع أن وسائل العيش وصلت لحدود فيها
الكثير من التيسير التي كانت تبدو كـ(أحلام) لا يمكن الوصول إليها
عند أبناء الجيل السابق.
تتسم المرحلة الراهنة في حكم العالم بشيوع
ظاهرة القلق بين بني البشر فأي كان موقع الإنسان على جغرافية الكرة
الأرضية فهو لم يستطع الإفلات من شعوره الداخلي بأن خطراً ما على
مرمى حجر منه وربما يعود ذلك إلى انعدام وجود جهة حقيقية مؤهلة في
تسييد إنصاف الناس وتوفير فرص العدالة لهم كي يكونوا في مستوى
المبادئ السامية التي يدعيها الجميع ولا يلتزم بها المتنفذون في
مواقع المسؤوليات السياسية والاجتماعية... فالظروف المحيطة بكل مجتمع
في عالم اليوم ممكن وصفها بأنها غير مطمئنة إذ يغلب المجهول القادم
في الشعور على المنظور المقيم بيننا وبدرجات متفاوتة فهناك من الناس
من ينتابه شعور من التحسب على أشياء أو مقتنيات أو ممتلكات تعود له
نظراً لتأثر الإنسان بمحيطه حيث العالم منشد إلى أخبار كوارثه
المستمرة على الأفراد والجماعات بحيث يكاد الأمل في وقف هذه المهزلة
التي تعصف بحياة الشعوب بأسرها من سابع المستحيلات كما يقولون والفرد
ما أن يكاد يخرج من دوامة سماعه أخبار لمأساة إنسانية حتى يرى نفسه
أمام أخبار جديدة لمأساة إنسانية حديثة.
وأمام هول التفكير بالموت بسبب سخيف أو عن
طريق الصدفة، وإن كان الموت حق على البشر، لكن أن تذهب حياة الإنسان
هدراً لأي سبب غير موضوعي فتلك إحدى طامات العصر فكم من الناس ماتوا
وهم يحملون الأمل على كاهلهم ولعل الشعور بالوهن نتيجة عجز الإنسان
أن يخطو خطوة نحو مستقبله الذي يريده هو لأمر غير مفهوم في ظل عالم
يتقدم في كل شيء سوى معرفة الإنسان لذاته. فبين تنوع الرغبة لقضاء
يوم مسرور والموانع التي زرعها الآخر تضيع الفرص لكن الظفر بالتمتع
بحياة سعيدة هانئة أمر باقٍ متقد في النفوس وهذا ما يخفق الألم جراء
فقدان توازنات الحياة اليومية والتقليل من تأثيراتها السلبية على
النفس البشرية.
ففي داخل كيان الأسرة الواحدة يوجد دائماً
تهديد بأن الحوار باستعمال الرجل ليده مع زوجته وأولاده ليس مستبعداً
في أفضل الأحوال مع أن التواصل داخل العائلة مطلوب من كل الأفراد دون
أي امتياز لأحد إذ ان الرابطة الأسرية أقدس من أن تنال منها القرارات
الممكن أن تفسخ أية علاقة أخرى. ولعل أصعب ما يلاقيه الفرد من مظلمة
حين يجبر أن يكون تحت سطوة ظرف قاس دون ذنب اقترفه ضد أحد والمعاناة
اليومية بهذا الصدد تغذيها سلوكيات الجهال ممن شاء الزمن أن تكون لهم
القيمومة القاسية على الآخرين سواء داخل الأسرة أو خارجها.
إن تدمير الحياة المعنوية بأكملها هو مبدأ
حديث لدى بعض الناس وبالذات منهم أولئك المتبجحون بامتلاك حق وضع
الآخرين على محك صعب فالعالم اليوم الذي يعاني من تهديد يطال زهاء
(180) مليون شخص ضمن صفوف العاطلين عن العمل بحسبما ذكر ذلك مكتب
العمل الدولي في تقرير صدر يوم 24 كانون الثاني الماضي 2003م عن سنة
2002م المنصرمة. إن البطالة اليوم بكل ما تحمله من نتائج سلبية على
العاطلين عن العمل تدفع شرائح اجتماعية (عوائل وافراد) للتنازل أمام
آليات المتنفذين الذين لا هم لهم سواء تأمين مصالحهم المعنوية
والمادية على حساب كرامات وحقوق الآخرين وهذا ما يؤدي إلى مزيد من
الإصابة بحالات القلق والإقلاق للمجتمعات والأفراد بوقت واحد مما
يقتضي بحث موضوع القلق في الأسرة الواحدة ثم دراسة على المستوى
الاجتماعي العام من أجل أن يشعر الإنسان بصورة طبيعية بمعنى إنسانية
وجوده.
|