اعتبرت وزارة الدفاع الأميركية ان الرئيس
العراقي صدام حسين هو الذي يتحمل مسؤولية كل قتيل يسقط في العراق
بسبب سياسته التي بررت التدخل الأميركي والبريطاني في هذا البلد.
وأوضحت الناطقة باسم البنتاغون فيكتوريا كلارك خلال مؤتمر صحافي يوم
الأربعاء 26/3/2003م "ان كل قتيل يسقط هو نتيجة مباشرة لسياسة صدام
حسين" مشددة على الجهود التي يبذلها الجيش الأميركي لتجنب وقوع ضحايا
مدنيين .
ان تشبث صدام حسين بالسلطة هو وأزلام حكمه في
العراق ولأكثر من 35 سنة من الحكم الارهابي الديكتاتوري هو السبب
الذي آلت اليه الأوضاع الراهنة في العراق من حرب كارثية مدمرة ذهب
ضحيتها الشعب العراقي وجيشه الذين يدافعون عن حفنة من المتولعين
بالحكم والسلطة وحب الرئاسة.
وكلنا يعرف بأن نظام البعث في العراق وخلال
حكمه في العراق حول بلاد الرافدين الى جهمورية الخوف لكل العراقيين ,
وأقحمهم حروبا متوالية لا ناقة لهم فيها ولا جمل , حصدت مئات الألوف
من أبناء الشعب العراقي من أجل أن يبقى صدام حسين وأسرته وأبنائه
وأزلامه على أريكة الحكم.
لقد طالبت الكثير من القادة الغربيين ودول
العالم وقادة الدول العربية صدام حسين بأن يتنحى عن السلطة ويذهب الى
خارج العراق ليجنب المنطقة والعراق حربا مدمرة , ولكنه لم ينصاع الى
منطق العقل ومنطق المنطق وأصر على منطق هارون الرشيد الحاكم العباسي
الذي قال لابنه المأمون : " يا بني لو نازعتني فيه لأخذت الذي فيه
عيناك".
لقد جاءت مبادرة الشيخ زايد آل نهيان رئيس
دولة الامارات العربية المتحدة دعوة صادقة لصدام حسين للتخلي عن
السلطة ليجنب العراق وشعبه كل هذه الضحايا والويلات , ولكنه لم ينصاع
ولم يصغي الى هذه الدعوات الصادقة , وحتى بعد أن أعطاه الرئيس
الأميركي مهلة 48ساعة لترك العراق هو وأبنائه , فانه لم يتخلى عن
الحكم وبقى يقاوم وجعل من الجيش العراقي والقوات المسلحة العراقية
بكافة قطاعاتها من الجيش النظامي الى الجيش الشعبي الى الحرس
الجمهوري وقوات فدائي صدام وغيرهم دروعا يتستر بها للدفاع عن حكمه
وظلمه وتسلطه باسم الدفاع عن العراق والجهاد في سبيل الله (...)
والغزو الأميركي.
ان السبب الوحيد للتدخل الأميركي في العراق
وشن الولايات المتحدة وبريطانيا وقوات التحالف الحرب على العراق هو
غطرسة صدام حسين وعدم تنحيه عن السلطة , وهو الذي يجب أن يدفع الثمن
غاليا بعد أن تقوم القوات الأميريكية والبريطانية ومعها قوات التحالف
بمحاصرة بغداد وقطع رأس الحية هناك , وأخذه اما أسيرا أو مطاردا أو
أن يقتل في بغداد أو سائر مدن العراق , واذا ما أسر هو أزلام نظامه
فانه سيحاكم معهم على أنهم مجرمي حرب كما كان مصير الديكاتور
اليوغسلافي سلويويدان ميسولويج الذي أطيح بنظام حكمه الديكتاتوري
وحوكم كمجرم حرب.
والحديث الآن في الأروقة السياسية ليس عن
مرحلة الحرب الدائرة رحاها بين النظام العراقي والقوات الأميركية
والبريطانية التي دخلت العراق , تساندها قوات التحالف الأخرى , وانما
الحديث الآن هو مرحلة ما بعد نظام صدام , فان حماقة رأس النظام
العراقي جرت له ولحزبه ونظامه الانتهاء , حيث سوف يوارى رفاته الثرى
في المستقبل القريب على الرغم من كثرة الضحايا التي من الممكن أن
تلحق بالقوات التي هاجمت العراق من كل الجهات .
ان نظام صدام باصراره على البقاء ارتكب حماقة
تاريخية قد يبدو أن الله سبحانه وتعالى أراده أن يرتكبها لكي يتخلص
الشعب العراقي من نظامه الارهابي المخوف الذي حكم العراق بالحديد
والنار ومارس أبشع أنواع البطش والارهاب والبغي خلال أكثر من أربعة
عقود من الزمن .
ويبدو أن نهاية نظام صدام حسين قد أشرفت , وان
التفكير هو الان في عراق ما بعد صدام , حيث أن الولايات المتحدة
وبريطانيا تبحث الآن في عراق جديد اذ أن وزير الخارجية الأميركية
كولن باول صرح هذه الأيام في واشنطن بأن حاكما عسكريا سوف يتولى حكم
العراق حتى تسلم السلطة الى حكومة مدنية.
وبحث بوش وبلير مرحلة ما بعد صدام أثناء مأدبة
عشاء في كامب ديفيد يوم الخميس 27 مارس 2003م . حيث عقد الرئيس
الأميركي ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير قمتهما التي استمرت
يومين ابتدأت بتناول طعام العشاء بحثا خلاله في "المسائل الجيوسياسية"
التي سيواجهها العالم بعد الحرب في العراق , حسب ما أعلن مسؤول
بريطاني.
وبعد وصول توني بلير الى واشنطن توجه على
الفور الى كامب ديفيد المقر الريفي للرؤساء الأميركيين في ميريلاند
قرب واشنطن حيث أمضى ليلته هناك , وبدأ الرجلان يوم الخميس مؤتمرا
عبر الفيديوا استمر من 40 الى 60 دقيقة مع واشنطن ولندن والمقر العام
لقواتهما في الدوحة للبحث في الاستراتيجية المعتمدة لاجتياح العراق
منذ أكثر من أسبوع.
ثم بحث الزعيمان مجموعة واسعة من "المسائل
الجيوسياسية" المرتبطة بمرحلة ما بعد صدام والتي سبق وتطرقا اليها
باختصار أثناء تناول العشاء الذي استمر ساعتين في كامب ديفيد.
وبين المسائل التي بحثت في القمة الثنائية ,
دور الأمم المتحدة في اعادة اعمار العراق وقضية السلام في الشرق
الأوسط والعلاقات بين الغرب والعالم الاسلامي اضافة الى العلاقات بين
ضفتي الأطلسي.
ان قضية اعمار العراق وتنظيم برنامج النفط
مقابل الغذاء هي أحدى الأمور التي يمكن البحث حولها , ولكن المهم
للشعب العراقي هو النظام السياسي القادم في العراق الذي سيخلف نظام
الرئيس العراقي صدام حسين .
ان الشعب العراقي يطمح للتخلص من نظام صدام
الديكتاتوري الذي حكم بالحديد والنار وجر الويلات الى العراق خلال
أكثر من 35 عاما تتوجت بأكثر من أربع حروب مدمرة , ليعيش في ظل نظام
حر تعددي ديمقراطي يحترم الطوائف والقوميات ويعطي الحق للشعب العراقي
في القيام بالمشاركة في انتخابات حرة وتقرير مصيره بعيدا عن الوصاية
الأجنبية.
ان هناك أهمية جيوسياسية للعراق في تبادل
التأثير مع محيطه والعالم , ولذلك فنحن نحذر من أن تكون الولادة
الجديدة التي يوشك أن يشهدها العراق على غرار الولادة الأولى لدولة
العراق التي كانت مشوهة , على خلفية حرمان الأكثرية الشيعية من أبسط
حقوقها وعدم الاعتراف بحقوق الأقلية الكردية.
ان من الضروري أن يكون النظام القادم في
العراق مستندا الى الأكثرية ويراعي حقوق جميع الأقليات , اذ أن حكم
الأقلية لن يكون حكما ديمقراطيا أبدا ولن يكون مصيره أفضل من مصير
نظام صدام الذي مارس ولا يزال يمارس القمع والارهاب ضد الأكثرية
وتجاهل حقوق الأقليات وسبب كل الويلات للشعب العراقي.
ولكن لا يتوقع الشعب العراقي من القوات
الأميركية والبريطانية أن تسلم له الحكم القادم في العراق على طبق من
ذهب , فهي الى جانب أن قادتها وزعمائها السياسيين في البيت الأبيض
وفي لندن قد صرحوا بأنهم جاؤا لتحرير الشعب العراقي من النظام
الشمولي في العراق , فان لهم مصالح كبرى في هذا البلد , وانهم يرغبون
لكي يبقى هذا البلد ضمن السيطرة الأميركية القادمة على منطقة الشرق
الأوسط .
الشعب العراقي والمعارضة العراقية لم يكونوا
بمستوى يؤهلهم للاطاحة بنظام صدام حسين , ولو أن الشعب العراقي كان
بامكانه اسقاط نظام البعث في العراق من خلال انتفاضته العارمة الكبرى
التي فجرها في شعبان من العام 1991م , الا أن التواطىء الأميركي مع
النظام واعطاء الادارة الأميركية الضوء الأخضر لنظام صدام بسحق
الانتفاضة الشعبية التي راح ضحيتها أكثر من 600 ألف قتيل من أبناء
الشعب العراقي في الجنوب والوسط والشمال هو الذي أجل انتصار الشعب
العراقي على النظام الارهابي الشمولي في العراق .
في الوقت الحاضر رأينا كيف تعامل الشعب
العراقي مع القوات الأميركية التي دخلت العراق من أجل اسقاط نظام
صدام حسين , حيث تعامل معها بحذر شديد , لأنه يتخوف من عدم حمايتها
له في أي عملية تغيير قادمة في العراق , لذلك فانه لم يقم في هذه
المرة بانتفاضة جديدة وانما بقى يراقب الأوضاع حتى تنقشع
الغيوم ليقوم باتخاذ الموقف المناسب .
في هذه المرة الادارة الأميركية والبريطانية
مصرة على اسقاط نظام صدام , وان نظام الرئيس العراقي قد قام في
الفترة من عام 1991م الى عام 2003م , باعاة ترتيب وضعه وقواته
المسلحة وتقوية الحرس الجمهوري والجيش الشعبي وقوات فدائي صدام ,
اضافة الى أنه استطاع أن يغري العشائر العراقية بالأموال الطائلة لكي
تقف الى جانب حكمه , وما نجده من استماته من القوات العراقية ومجموعة
كبيرة من أبناء الشعب العراقي الا نتيجة ما قام به النظام البعثي من
اعادة ترتيب أوراقه واعادة الروح الى القوات المسلحة وبقية القوات
الشبه نظامية وضخ الأموال لهم وانتهاج سياسة التطميع كما جاء في
بيانه حيث صرح بأن من يأسر جنديا أميركيا أو بريطانيا فله جائزة
مالية محددة ومن يقتل أو يأتي برأس جندي أميركي له كذا وكذا .. الخ
.., ولذلك فان القوات الأميركية والبريطانية التي هاجمت العراق تواجه
الآن مقاومة شرسة من قبل النظام العراقي .
ولكن التساؤل : لماذا تدافع هذه القوات وتدفع
الثمن غاليا ؟!!
هل أن الرئيس العراقي صدام حسين وعشيرته
وأبنائه وأزلام حكمه يستحقون كل هذا الفداء والتضحية ؟!! .. وهم
الذين تعاملوا وتحالفوا مع القوات البريطانية والأميركية والسياسيين
الأميركان في حقبة الثمانينات وكانت هناك اتفاقات كبرى ضمن سياسة
التخادم السياسي التي تقضي بأن يقوم النظام العراقي بالهجوم على
جارته ايران لاسقاط نظامها الفتي , على أن تقوم الولايات المتحدة
الأميركية والدول الغربية ودول الجوار بدعمه ماليا وعسكريا ؟!!
أليس الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا
وبريطانيا هم الذين سلحوا النظام العراقي بأفضل أنواع الأسلحة ؟!! ..
وأمدوه بالأسلحة الكيماوية وزودوه بالمواد الأولية لصناعة الأسلحة
الميكروبية والبيولوجية وأسلحة الدمار الشامل ؟!!
اذن فلماذا يقف الجيش العراقي وبقية القوات
النظامية والشبه نظامية من المليشيات الشعبية للدفاع عن صدام
وأسرته وحاشيته, وهم الذين كانوا مجبرين في عقد الثمانينات للتعاون
مع القوات الأميركية والغربية في العدوان على ايران وشن حرب استمرت
لأكثر من 8 سنوات , راح ضحيتها مئات الألوف من كلا الشعبين ؟!!
ان الجيش العراقي وبقية أفراد القوات المسلحة
العراقية ومعهم أبناء ورؤساء العشائر يدافعون عن حفنة من الناس الذين
هم كانوا عملاء مطيعين للأمريكان وللأجنبي , وهؤلاء العملاء البعثيين
لم يقبلوا بأن يستمروا في الطاعة العمياء لأسيادهم , لذلك فان
أسيادهم يريدون اليوم التخلص منهم والمجيء بنظام يخدمهم أكثر مما
خدمهم النظام العراقي , كما أن صدام ونظامه أصبح ورقة سياسية محروقة
في العالم ومنطقة الشرق الأوسط وعند دول الجوار ولابد من استبداله
بنظام مقبول من قبل دول الجوار خصوصا الدول الخليجية .
ان نظام صدام زائل لا محالة رغم المقاومة التي
يبديها هو وأركان حكومته وما يفرضونه على القوات المسلحة العراقية
وغيرها من القوات للدفاع عنهم , فانهم في آخر المطاف يجب أن يرحلوا
وان اسقاطهم حتمي من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا , لذلك فان
مقاومة صدام وأركان نظامه وتحميل الشعب العراقي وجيشه الضحايا ما هي
الا سياسة حمقاء , على الشعب العراقي وقواته المسلحة أن يفهموها , اذ
أن صدام لا يدافع عن عروبة العراق ولا قوميته ولا وحدة أراضيه بمقدار
ما يحارب من أجل بقائه في السلطة والتحكم على العراق.
لذلك فان معركة الرهان هذه معركة خاسرة يتحمل
أعباءها الشعب العراقي باراقة دماء أبريائه من المدنيين والعسكريين ,
ويا ليت أن صدام يحارب الغزو والاستعمار والسيطرة على العراق لقلنا
أنه بطل وطني يدافع عن شرف الأمة وكرامتها أمام الاستعمار الجديد ,
حيث أنه هو السبب الرئيسي في مجيء القوات الأجنبية الى المنطقة وهو
السبب في العدوان على العراق لأنه مارس في الماضي سياسات خاطئة
وحماقات جرت الويلات الى شعبه واستباحت سياساته وتشبثه بالسلطة أرض
العراق للقوات الغازية للعراق .
ان صدام حسين وأركان حكمه هم الذين يتحملون
مسؤولية ما آل اليه العراق , وان عليه اما أن يتنحى عن السلطة أو أن
يستقبل مصيره الحتمي وهو الموت أو المحاكمة في المحاكم الدولية كمجرم
حرب بحق شعبه وبحق الانسانية .
|