من مستلزمات العمل الإعلامي الناجح أن لا يطلق
العنان لمواده المبثّة (المرئية والمسموعة) أو مواده المقروءة أو
المعروضة إلى درجة لا تقرها الحرية المسؤولة في التعبير وبهذا فقط
يمكن المساهمة بتقديم تناول جيد لقضايا الناس التي تقف معرفة ماهية
حقوق الإنسان في أولوياتها.
ما مدى الترابط الوثيق الممكن خلقه ليواشج يبن
حقوق الإنسان والإعلاميات؟
مثل هذا السؤال يؤدي بالعقول نحو تصور تربط
حتماً بقضية الديمقراطية المنشودة دوماً كـ(حق) ممارسة أفضل، تنبع من
الحاجة القصوى لإجراء نهوض نفسي وتثقيفي شامل إذ إن هناك اتفاق أنه
بدون بيئة ديمقراطية لا يمكن أن تكون هناك حالة ازدهار للحياة
الإعلامية. ولعل العقبات السياسية اليوم تقف حائلاً أمام الكثير من
البرامج الإعلامية الطموحة ومن ذاك معاناة العمل الإعلامي بصورة عامة
من فروض تبعياته لبعض السلطات التي غالباً ما تحدد خطوات مسيراته كي
يكون بمواصفات كذا وكذا لما فيه صالح التوجهات السلبية لبعض السلطات
التي رغم امتلاكها لوسائل الإعلام الواسعة لكنها تخشى من وسائل إعلام
متواضعة ممكن أن تنقل الحقيقة عنها. ومما لا شك فيه أن حماية حقوق
الإنسان وتطبيق القوانين على الجميع في ظل تأثيرات دستورية يلتزم بها
عبر تشريعات نزيهة ستشكل قيادة واعية للرأي العام في البلد المعني،
وهذا ما سيزيد الثقة أكثر لدى المجتمع في تعامله مع وسائل الإعلام
ومع أجهزة الدولة ودوائرها المختلفة.
أكيد أن كل مجتمع وعلى المستوى الجماعي أو
الفردي يعرف طبيعة أحواله بدقة ويدرك ما يعتريه من تشنجات لمعرفة
حقوقه الإنسانية الكاملة، وبهذا الصدد فمن المفيد أن نعرف أن التقييم
الإيجابي للصحافة وتبعية الوسائل الإعلامية في كل بلد هي مسألة
طبيعية بقدر ما تأمل الجماهير تحقيقها فإن العديد من السلطات تتخوف
منها لأنها ومع الأسف الشديد تعيش الهواجس اللامبررة من الجمهور في
أحيان ليست قليلة. وعلى سبيل الاستشهاد السريع فإن التقرير السنوي
لمنظمة (صحفيون بلا حدود) قد رصد حرية الصحافة والإعلام في (139)
دولة خلال السنة المنصرمة 2002 من حيث القيود القانونية المفروضة
وتشدد أجهزة الرقابة والعقوبات المفروضة على الصحفيين دون وجه حق،
ومدى احتكار الدولة للصحف ووسائل الإعلام.
إن التركيز على قضايا حقوق الإنسان ونشر الوعي
لضرورة الالتزام بالتقاليد الديمقراطية الممكن خلقها مجدداً بما
يتناسب وظروف كل مجتمع يبعد حالة الاستغلال السلبي للأجهزة الإعلامية
وبالذات بعدما صارت تشهده الحياة الإعلامية من تطورات متلاحقة في
تقنياتها إذ أصبحت إجراءات سياسة التجريم التي تنص عليها العديد من
قوانين المطبوعات المدنية في بلدان عديدة مسألة تتنافى مع أبسط حقوق
التعبير عن الرأي عند الآخر.
إن مواكبة عالمية الثورة التكنولوجية في حقل
المعلوماتية والاتصال مع عالمية حركة حقوق الإنسان ينبغي أن تكون
هدفاً مهماً من أهداف كل مجتمع وكل دولة إذ لم يعد من المناسب قبول
حالات مصادرة الحقوق الأساسية للناس بحجة مقتضيات المصلحة العامة.
|