في ممارسة الطفل للعبة ما عامل مساعد على تطور
نموّه العقلي والجسدي وبالتالي رسم المعالم الأولى لشخصيته عند الكبر.
إن أول ما ينتبه إليه الطفل وهو في عمر صغير
أن هناك شرعية في ممارسته للعبة ما بيد أن مشاركة أمه له في اللعب هي
التي تشكل له بدايات ممارسة اللعب إذ مع مراحل بدء اشتداد عوده من
سنة إلى أخرى يلمس الطفل أن اللعب يكاد يكون قانوناً اجتماعياً عاماً
ويفهم رويداً رويداً في مراحل لاحقة من عمره الطفولي أن اللعب مع
أترابه هو لعب ولكن من نوع يختلف عن اللعب مع الأم الذي هو في حقيقته
يتعدى كونه لعباً إذ تسوده العديد من المداعبات والضمّات والقبلات
التي تكرم بها الأم طفلها. وحول هذه النقطة بالذات فإن أولى لبنات
التكوين النفسي للطفل تأتي من ملاعباته بما يترك أثراً حسناً لديه إذ
يتجلى في كل حركة من حركاته اكتشاف شيء جديد من العالم الذي يحيط به.
والطفل الذي يتعرف على لعبته المفضلة يشكر
أبويه دون أن يعرفا ذلك فهو يشكرهم بقلبه الصغير الممتن لهما، ولكن
عدم معرفته بمفردات اللغة أو حسن التعبير يشكل عنده عائقاً في
التلميح لذلك عبر نظراته واستحواذه بكفيه الصغيرين على لعبته.
وتقول إحدى نصائح الطفل بضرورة أن تلعب الأم
مع طفل مدة لا تقل عن عشر دقائق يومياً تلبية لحاجة روحية في نفسه.
والطفل المعروف عنه أنه لا يطيق مفارقة الأم له، فخلال فترات عيشهما
سوية تبدأ هذه الرابطة تتضاءل قليلاً في نفسه كلما اجتاز مرحلة من
الوعي بمحيطه العائلي أو الاجتماعي بين أقرانه من الأطفال الآخرين.
وإن من شروط صقل مواهب الطفل ونموه بشكل صحيح وسليم دون منغصات
تربوية هو الاهتمام بمنحه أكبر فسحة من اللعب البريء مع مشاركته في
أداء بعض الأعمال المنزلية البسيطة التي يمكن تعويده عليها تدريجياً.
إن تأمين احتياجات الطفل الجسمانية والتربوية
والنفسية يحقق للطفل حالة من توازنه النفسي وهذا ما يجعل ارتباط الأم
به أكثر من الأب بحكم تواجدها المستمر في البيت مع طفلها حيث تكون
مرشدة وحامية له في آن واحد وموجهة لتصرفاته ومنمية لطاقاته في
الحركة من أجل وضع اللبنات الناجحة الأولى لحياته التي تشكل ألعابه
المناسبة سبباً في أن يكون الطفل على أفضل سلوك مطلوب.
إن تشجيع الطفل على الاستمرار بسلوك إيجابي
وتحذيره بلطف عما سواه المتأتي أصلاً من ممارسته لبعض الألعاب مع
الإنصات جيداً لما يقوله وإفهامه بأسلوب سلس يفهمه يزرع لديه شيئاً
من التعويد على ممارسة الديمقراطية العائلية التي تقوده في الكبر أن
يعرف ما عليه وما على الآخرين وكيف يكون التواصل الشخصي مع المحيط
الاجتماعي ويكون بذاك قد تم الأخذ بيديه وتصحيح مسيرته، وجعله على
جادة الصواب فتشكيل سلوكية الطفل هي حالة فريدة تحتاج إلى جهد وصبر
كبير من الأبوين مع طفلهما.
والطفل الذي يقول لا أريد هذه اللعبة وأريد
هذه لا يفقه شيئاً أي منها ممكن أن تفيده فعلاً بسبب طراوة أفكاره
وعدم امتلاكه للتجربة لهذا تراه منذ البدايات يحاول تقليد الكبار في
الكثير من الأشياء. أما حين يقول (لا أريد أخي)، فهي غيرة طبيعية بين
الأخوة في العائلة الواحدة لذلك من الضروري جداً المساواة في التعامل
معهم وعلى نفس القدر من الاهتمام فحينما يأتي الأب بلعبة لهذا ينبغي
أن يجلب لعبة ثانية للطفل الآخر، وينبه علماء أميركيون إلى أن ذاكرة
الأطفال تنمو ببطء في عامهم الأول لكنها تبدأ بالنمو السريع اعتباراً
من بدئهم السنة الثانية من عمرهم إذ تبين لهم بالاستناد إلى عدة
تجارب أشارت إلى: (إن لبيولوجيا الجهاز العصبي دور في تعزيز الذاكرة
على مدى العام الثاني من عمر الأطفال).
والتعامل مع الطفل يحتاج إلى قدرات ومهارات
عالية عند الأم كي تفهم ما يفكر به طفلها وتلك أهم قاعدة أساسية يمكن
الركون إليها لتربية أفضل للطفل. إن جميع حواس الطفل مستعدة للتلقي
ودرجة استيعاب الطفل لحاجة يراد أن يتعلمها يفضل أن تصاحب ذلك في
نفسه مشاعر حب الآخرين فهذا الحب بين الطفل وأمه يخلق لديه المعجزات
التي تخلق منه طفلاً ذا شأن، فمثلاً إذا تم تعويد الطفل على إدراك
مفهوم التقاسم أو المشاركة مع بقية الأطفال المحيطين به فإن أنانية
الـ(أنا) ستكون ضعيفة لديه في الكبر وهذا ما سيخلق منه إنساناً أكثر
إيثاراً في تعاملاته الإنسانية وهو في عمر الوعي.
والطفل مهما ازداد الاهتمام به يعاني من حالة
اغتراب مع ذاته حين يكون جسده الصغير في متناول بعض الأغراب عنه لذلك
يرى أنه يستنفر من إجلاسه أمام الحلاق كي يقص شعره لأول مرة لأنه لم
يسبق له أن تعرف على شخص الحلاق الذي يبرز أمامه فجأة وبيده المقص إذ
ربما ينتابه شعور من أن الحلاق سيمارس معه لعبة يكون رأسه أرضية لتلك
اللعبة فهو لم يدرك بعد أن قص شعره بمقص الحلاق أمر ضروري لأناقته.
لكن سرعان ما يدرك الطفل أن الأطفال الذين يكبروه سناً قليلاً أو
كثيراً يمارسون ألعاباً غير التي يمارسها هو وهي ألعاب ترمز للعنف أو
ممارسة العنف، فمثلاً أن مسدسات ورشاشات الأطفال الحديثة تجعل الطفل
يحلّق بخياله عالياً لعمل شيء ما يمدح عليه، كأن يبدو بطلاً - مثلاً
- عند إطلاقه عدداً من الطلقات البلاستيكية من رشاشه.
وحيث أن الأماكن المخصصة للعب الأطفال تلعب
دوراً إيجابياً وسلبياً لممارسة لعبة ما فإن ممارسة بعض الألعاب في
الطرق العامة قد تترك تأثيراً مزعجاً على المارة مما يوجه ضربات
لركائز التربية الصحيحة للطفل السلمي.
إن عالم اليوم لم يعد يعاقب الأشرار كما يجب،
والطفل الذي لا يمنعه أحد من مشاهدة برامج التلفزيون يشاهد حتماً
أفلام العنف السياسي السلبي فالصهيوني الذي يقتل الطفل الفلسطيني
بإطلاق رصاص متوالي من رشاشه تجعل الطفل خارج أرض فلسطين المحتلة
يفكر أثناء محاكاة نفسه هل يترك القاتل حراً وهذا يقوده إلى التفتيش
عن السبب في عملية القتل التي يشاهدها فيتوصل بعد جهد وهو يخطو أولى
الخطوات لكسب وعيه أنه صراع بين الخير والشر وأهل الخير يدفعون الثمن
غالياً دوماً، لكن أهل الشر لا يتراجعون خطوة واحدة إلى الوراء ولا
يعترفون حتى عند وقوع جرائمهم المنكرة. لذا توجب على كبار العائلة
الأب والأم أن لا يسمحوا بشراء أو ممارسة الألعاب العنفية ويفضل أن
يبقوا الأطفال متضامنين في الصغر مع إخوانهم فالأطفال ضحايا عنف
الكبار في العالم.
إن تدريب الأطفال على الكياسة وفن إجادة
اللباقة وتعليم الطفل الابتسامة المقرونة باحترام الكبار وأصول
التواضع المشفوع بشيء من ضرورة تمالك الأعصاب مع الغير ومحبته للخير
وأهل الخير، هو من مقومات التربية الصحيحة.
|