كما هو شأنه في الأعوام السابقة فقد شهد معرض
القاهرة للكتاب والناشرين الاخير
(27/1/2003) – ظاهرة مصادرة بعض العناوين والكتب – منها بحسب مدير
التسويق في (( دار الكتاب )) اللبنانية – أربعون نسخة من رواية
الكتاب الشهيد كاذنتذايش (زووبا اليوناني) احتجزت في الجمارك دونما
ذكر الأسباب ورفض السلطات المصدرية الإفراج عنها علماً أن رواية
الكتاب اليوناني الحاصل على جائزة نوبل في الآداب كان من المقرر
عرضها في اليوم الأول الافتتاح المعرض . وأكد السيد نبيل نوفل مدير
الدار اللبنانية في تصريح صحفي بأن عناوين آخرين للكاتب ميلان
كونديرة – هما (ملاحقة الكائن الذي يحتمل) و (الحياة في مكان آخر) قد
حجبا عن العرض أيضاً...
جديرة بالإشارة أنه قد تم حجب الكثير من
عناوين الكتب الشيعة عن المعرض المذكور في العام الماضي دون ذكر أية
أسباب لذلك .
هذا ورجح ناشرون مشاركون في المعرض أن تكون
السلطات المصدرية فضلت منع عناوين الكتب التي تعرضها عليها من الوصول
إلى المعرض تجانباً المشاكل – بزعمها قد ترتبت على عرضها فعمدت
إلى سحبها .
إلى ذلك ذكر ناشرون آخرون بأن رواية ( مخلوقات
الأشواق ) للكاتب المصري أدوار الخراط الحاصل على جائزة الدولة
التقديرية قد تمت مصادراتها ولم تعرض هذا بالإضافة إلى كتاب (بنات
إبليس) المثير للجدل للكاتبة المصرية الدكتورة نوال السعداوي .
من ناحية أخرى ناقش المشاركون في أولى ندوات
المعرض وهم دكتور فيصل الدرّاج (فلسطين) ودكتور محمد جابر الأنصاري (البحرين)
ودكتور سليمان العسكري (الكويت) ومحمد عودة وأحمد حمروش (مصر) ما
دعوه بظاهرات (انحسار مشروع التنوير العربي) حيث اتفقوا على ضرورة
إحياء مشروع حضاري عربي للتنوير والنهضة واختلفوا حول أسباب انكسار
وانحسار موجة التنوير؛ فمنهم من عزاء ذلك إلى تقاعس النظام المعتدلة
- على مر التاريخ - عن تنفيذ الإصلاح ومنهم من أرجع السبب إلى دور
الاستعمار الأوربي العسكري، وآخرون اعتبروا الأفكار السلفية هي مصدر
الخطر الراهن .
ففي البداية طرح الدكتور فيصل درّاج فكرة
جوهرية تفصح عن التحولات في مسار التنوير العربي، تتمثل في أن مشروع
التنوير ارتبط – سلباً وإيجاباً – بمشروع النهضة فكلما أزدهرت النهضة
أزدهر مشروع التنوير وكلما تراجعت النهضة ومنيت بالهزائم
والضربات تراجع مشروع التنوير ليتقدم بدلاً عنه مشروع تجريئي سلفي –
بحسب الدكتور درّاج _ .
كما برى الدكتور درّاج ((أن هزيمة 1967 كانت
أول ضربة تلقاها مشروع التنوير حيث سادت بعدها مفاهيم روج لها الغرب
الاستعماري عن الخصوصية وعادت مرة أخرى فكرة أن الشرق شرق والغرب غرب
وأنهما لا يلتقيان ومن الخصائص التي يتسم بها الغرب: العقل والعلم
الديمقراطي والبرلمان والدستور وغيرها من ركائز التنوير، أما الشرق
فإنه لا يعرف سوى نقيض هذه القيم وتلك المبادىء )).
وأضاف دكتور دراج : ((مطلوب من العرب
الآن السعي إلى فلسفة جديدة والدعوة إلى فلسفة تستلم لكل ماله صلة
بالمجتمع المدني وحقوق المواطنة والحريات العامة وحق الرأي والتعبير
والديمقراطية والدولة العصرية)).
بدورة تحدث الدكتور محمد جابر الانصاري
عن الازمة الراهنة في الواقع العربي وقال : ((ان المجتمعات العربية
تأخرت كثيراً في تبني الاصلاح والتطوير والتنوير وخصوصياً في ربع
القرن الأخير الذي شهد فيه العالم العربي أنظمة معتدلة - جمهورية أو
ملكية – كانت قبلها أنظمة ثورية ومدنية فانحسر هذا المد وتراجع –
وهذه الانظمة المعتدلة أتيحت لها فرصة الإصلاح والتطوير بدون مشاكل
كبيرة لكنها لم تنتهز الفرصة الساخنة في الإصلاح .
وهناك قانون ثابت في حركة التاريخ وهو إما
الإصلاح وإما الثورة فإذا خشيت من الثورة فعليك ان تبدأ بإصلاح صادق
وتطوير حقيقي)) .
وأردف الانصاري يقول : (( النموذج البريطاني
لم تقم فيه ثورة ضد الملكية لانه شهد اصطلاحات وتطورات جذرية في
الفكر والمجتمع والتربية ......الخ لانك إذا لم تقم بالإصلاح فسوف
تتعرض للثورة وهذا ماحدث للملكية الفرنسية التي لم تبادر إلى إصلاح
نفسها مثل الكثير من الأنظمة العربية في الوقت الحاضر فنحن في العالم
العربي تأخرنا في إصلاح أنفسنا وعلينا أن ننتبه إلى ذلك ونبادر إلى
إصلاح حقيقي يتجاوز النظم السياسية وينفذ إلى جميع الناس .....)) .
ثم تحدث الأستاذ محمد عودة عن تاريخ التنوير
المصري، قائلاً: (إن بذوره بدأت منذ الحملة الفرنسية على مصر، التي
كانت استعماراً سافراً، وفي الوقت نفسه حملت إلى مصر أدوات وآليات
التنوير والتحديث، مثل المطبعة التي كان يشرف عليها مستشرق فرنسي
يجيد اللغة العربية، وكان يصحب مشايخ الأزهر إلى المطبعة ويشرح لهم
مزاياها في طبع كتب التراث والحفاظ على الدين، فيفتنون بها وبعد خروج
الحملة ومجيء محمد علي باشا، وتصميمه على إقامة دولة عصرية في مصر،
تصادف أن كان شيخ الأزهر حسن العطار شيخاً منفتحاً ومستنيراً، وعندما
أرسل محمد علي أول بعثة مصرية إلى فرنسا لاستيعاب أسس الحضارة
الأوروبية وعلومها ونقلها إلى مصر، رشح حسن العطار لمحمد علي شيخاً
أزهرياً من تلاميذه، وهو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي ليسافر مع البعثة،
فكان رفاعة الأب الأول والرائد الأول للتنوير المصري، وكان كتابه (تلخيص
الأبريز في شرح باريز) أول كتاب تنويري في العالم العربي، استوعب
الحضارة الأوربية والتنوير والتحديث، وتحدث عن الديمقراطية والمجتمع
المدني والمؤسسات والقانون والبرلمان والحريات).
وانتقل محمد عودة إلى منعطف آخر في مسار
التنوير، وهي حركة التجديد التي قادها السيد جمال الدين الأفغاني (الذي
جاء إلى مصر لنشر مبادئه العصرية، فالتفت حول نخبة من الشباب، تحولوا
إلى مريدين له ولأفكاره، وكان منهم الشيخ محمد عبده الذي عمل على
تجديد الفكر والخطاب الديني وتخليصه من الخرافات).
إلى ذلك، تطرق الدكتور سليمان العسكري رئيس
المجلس الوطني للثقافة والفنون في الكويت، إلى دور الصحافة في مسار
التنوير، قائلاً: (فمنذ بداية القرن العشرين، لعبت الصحافة دوراً
أساسياً في حركة التنوير داخل المجتمع العربي، وطرحت كل القضايا التي
كانت تطرح في الغرب، مثل الوضع السياسي والاجتماعي والتعليم
والديمقراطية والسلطة والحريات والتربية وحرية المرأة وغيرها...).
ومضى الدكتور العسكري يقول: (إن هذا الزخم
التنويري الذي كان قوياً في بداية القرن العشرين انتكس الآن، والسبب
في انتكاساته، وفي عدم تحويل مجتمعاتنا إلى مجتمعات حديثة، هو هيمنة
الاستعمار الإنجليزي والفرنسي الذي جاء من دول متقدم، لكنها عندما
احتلت بلادنا العربية أغلقت الطريق أمام أي مشروع للنهضة، ووقفت في
وجه التقدم العلمي).
أما الكاتب والمؤرخ المصري أحمد حمروش فقد عزا
سبب تلكؤ حركة التنوير إلى الفكر السلفي، قائلاً: (إن التخوف الأساسي
والخطر الأساسي مع مشروع التنوير الراهن، يأتي من سيادة الأفكار
السلفية التي تقتنع بقناع الدين وتطرح أفكاراً متخلفة ضد التنوير).
|