غالباً ما تكون الغاية من اقتراف السلوك
العنيف ضد الآخر مدعاة لمبرر فعال به في نفسية المعنف، وهذا يعني
ضرورة الانتباه إلى أن لا يكون الإلتجاء إلى العنف إلا حين تقتضيه..
أمور الدفاع المشروع عن النفس.
في هذه المرحلة التاريخية التي تتسرب إلى
مقوماتها مبادئ العولمة، يتزايد الشعور الاجتماعي العام في كل بلد
تقريباً بأن العنف قد أمسى أحد نتائج السياسة المعاصرة التي تفرض
وتتحكم بقيادة العالم، كي يكون نابذاً للعنف الفردي من جهة، ولكن
يتقبل بتمرير فعل العنف الجماعي بذات الوقت بآن واحد، حين يكون كل
شيء خاضع لإرادة القوي الدولي. ففي أولى سنين التسعينيات التي بدأت
تنشر مبادئ العولمة المفضوحة في جانب دعوتها.. لتوحيد العالم ولكن
دون إقران ذلك بإعلان عالمي لمبادئها الحقيقية، فهذا ما زاد في
افتقار نهج العولمة للمزيد من التوضيح، وبقي السؤال الجوهري الممكن
إثارته كمدخل مناسب لمعرفة محور الخلفية الحقيقية كي يكون نهج العنف
أحد الإجراءات التي سنتهج بحق من سيقف أمام عجلة مسيرة العولمة، إذ
يلاحظ أن تدخلات السياسة الدولية الفضة في شؤون بلدان العالم النامي،
أمر يكاد أن يكون هناك اعتراف به فبمثل هذا الظرف الشائك في توجهاته،
حيث تختلط فيه مفاهيم مواضيع الساعة، حتى ليكاد أن لا يعرف التكتيك
في الاستراتيجية عند هذا الطرف الدولي، أو ذاك. فمبادئ الاستراتيجيات
الدولية التي تترجم بعض السلوكيات الحكومية لها فصول منها وبحسب
الوقائع الملموسة ما يتنافى مع إدعاءاتها النظرية والإعلامية. فيمكن
تسميتها بأنها كارثة الكوارث في عالم إدعاءات اليوم الذي يستنكر
العنف فيه لكنه يسمع ويشاهد أخباره المتصاعدة في بقاع عديدة من
العالم وبحياد اجتماعي عام تقريباً!.
إن العنف السياسي المعاصر أو التهديد به دولياً
حتى دون استباق لذلك، قد أثر على عمليات التنمية في العديد من بلدان
العالم، إذ لم يعد وارداً في استبطان مسألة العنف، أن يمارس العنف
ذاته ويعلن عن تأييد مبرراته لطرف دون آخر، فسيكولوجية العنف مقتصرة
أن يحدد شرعيتها الاضطرارية هذا الشخص أو تلك الجهة (وعلى المزاج)،
فأصعب شيء على الإنسان كـ(إنسان) أن يرى نفسه وقد تحول من منزلته
السوية، وانحدر إلى مستوى اللاسوية ومتحدياً بذلك نظيره في الخلق
الإنساني الآخر..
دون مسوغ قوي. فلو تم تناول السلوك العنيف في
الجزائر على سبيل المثال خلال فترة التسعينيات وتساءل أحد لم كان كل
هذا العنف الذي ذهب ضحيته حتى أناس من الأطفال والنساء والشيوخ، ممن
لا ناقة لهم ولا جمل في الأوضاع السياسية السائدة في الجزائر، تبين
أن مازاد الطينة بلة في المفاهيم أن من يحتسب نتائج ذلك العنف على
دين سمح كالإسلام وليس الذين يتصدرون اقتراف عمليات العنف باسم
الإسلام البريء منه فهل نحن أمام زمن تعيس لم تعد فيه المطالبة
بالعدل قضية مطلوبة؟!.
أن للعنف كما هو ملموس أشكالاً متعددة ففي
إحدى الإحصاءات الحديثة المستحصلة من بلدان عديدة، تبين أن نسبة من
النساء تتراوح بين (20%) و(50%) قد تعرضن للضرب من قبل الأزواج،
وكانت نسبة (18%) منهن – على سبيل المثال – قد احتجن إلى علاج
بالمستشفى نتيجة إصابات وتورمات أحدثتها تلك الاعتداءات. ويتم كل ذلك
رغم أن شعار (المرأة نصف المجتمع) يسمع في كل مكان من العالم!
أن من قصور النظرة إلى مسألة العنف، حين يتم
غض الحقيقة وتجميد إظهار مداها، ولا تسمية الحق فيها وتمييزه عن
الباطل ولعل من الفضائل المعنوية لمن يضع نفسه حكماً في تسييد
العدالة بين الآخرين، أن يتمتع بشعور التضامن الحق مع المظلومين،
فالعنف ليس مؤداه إحراز الانتصار على الآخر دائماً، إن مسألة تزييف
معنى مصطلح (العنف) بجمل مسمومة يعلوها شيء من النعومة تذكر حتماً
بالملمس الناعم للثعبان الذي لا يسلم لامسه، من لدغته القاتلة، أن
محاولة التثقيف بمسألة العنف ضد الأبرياء على خلفية فلسفة العنف يؤدي
حتماً بأن يكفر الإنسان بأخيه الإنسان، فالتطرف في العنف مسألة
مستنكرة وغير محبذة وينبغي أن يسبقها شيء من التسامح أو غض النظر
عنها إن أمكن وذلك ضمن مبادئ العفو عن المقدرة، الذي تحث عليه
المبادئ العظيمة في التعاملات عند البشر.
فإذاً ليس من المعقول أن يكون الخصم مستهدفاً
في حياته أمام الآخر حين يكون سبب الخصام تافهاً، فإن الحرية ينبغي
أن تكون تذكرة خضراء لمن يريد أن يمارسها بمسؤولية، فبذاك يمكن
محاصرة تنامي (العنف) كفلسفة وممارسة، فالعنف لا يتبدى من تلقاء ذاته،
بل أن المواقف العادلة المقرونة بالوعي الحقيقي لهذه المسألة، ممكن
أن تعطي أفضل النتائج لنقاط الالتقاء والتفاهم بين الخصوم والخصوم
المتوقعين.
|