نشرت جريدة الوسط البحرينية ندوة تناولت موضوع
قناة المستقلة التي اثارت تساؤلات كثيرة، وجاء في تقرير ندوة الوسط:
أثار برنامج المناظرات الطائفية الجدلي الذي
عرضته قناة (المستقلة) في شهر رمضان الكثير من اللغط وخلّف في نفوس
المسلمين غبنا وحزنا وربما شيئا من الضغينة، وكاد هذا البرنامج - إن
لم يكن فعلاً - أن يخرب بالفعل الكثير من الجهود المضنية التي قام
بها الكثير من الشخصيات الإسلامية البارزة في سبيل التقريب بين
المذاهب وهدم ما تمّ بناؤه وبذل في سبيله عبر سنين الكثير من
التضحيات.
وقد وجهت شخصيات إسلامية عديدة الكثير من
الانتقادات إلى هذا البرنامج ووصلت في أحيان إلى مستوى التشكيك في
هدف القناة نفسها، وفي سبيل معرفة الإفرازات الناجمة عن هذا البرنامج
والبحث عن أسس الحوار المذهبي الصحيح الذي يفضي الى الوحدة الإسلامية،
حاورنا في منتدى "الوسط" الذي يديره الزميل فهيم عبدالله كلا من:
الشيخ عبداللطيف الشيخ (اللجنة الشرعية في
جمعية الإصلاح الإسلامية).
والسيد حيدر الستري (اللجنة الثقافية في جمعية
التوعية الإسلامية)
والسيد محمود الموسوي (اللجنة الثقافية في
جمعية الرسالة الإسلامية).
ما تعليقكم على المناظرة الطائفية التي دارت
في قناة المستقلة خلال شهر رمضان؟
الشيخ: إن البرنامج الذي بثته قناة (المستقلة)
أوجد ضجة بين الناس، والبرنامج ذو جانبين، جانب ايجابي يتمثل في طرح
(المستقلة) الاطروحات الصريحة التى قد توصلنا إلى نقطة التقاء في بعض
المشتركات وإمكان معرفة ما يحمله الطرف الآخر من أفكار، وجانب سلبي
ويتمثل في عدم الالتزام بأسس الحوار الصحيح من بعض المشاركين
واعتمادهم أسلوب الإثارة، وهذه هي إحدى مشكلات وسائل الإعلام
والمتلقين في آن واحد إذ يسعيان معا إلى الإثارة، فالإثارة ليست
مذمومة إذا كانت وفق منهج علمي بعكس الإثارة التي تسبب الفرقة
والتشرذم في سبيل جذب عدد أكبر من المشاهدين.
أترى أنها أثرت سلبا على الوحدة الإسلامية؟
الشيخ: نعم... لقد خلف البرنامج الكثير من
السلبيات وأثر على الوحدة الإسلامية، ولكن علينا أن نعلم أن الوحدة
الإسلامية هي فريضة إذ يقول الله عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعاً
ولا تفرّقُوا..." (آل عمران 103) ويقوم المنهج النبوي أيضا على أساس
الوحدة الإسلامية... وعليه فإن من واجبنا أن نحقق هذه الوحدة عبر
آلياتها الصحيحة، فنعمل على أن نتخذ من العقلانية والموضوعية أساسا
للطرح لا الأساليب التي تفضي إلى الفرقة، فنتقيد بالأسس الصحيحة
للحوار وان يكون الطرح عقلانيا.
الموسوي: تعقيبا على ما طرحه الشيخ فإني أتفق
معه عموماً ولكن أود التعليق على هذه النقطة بطريقة أخرى، فلا شك في
كون الحوار الإسلامي ضرورة ولكن يجب أن يشمل الحوار مختلف الجوانب
وليس الجانب العقيدي فقط.
وأما فيما يتعلق ببرنامج (المستقلة) فإني
سأتناوله من عدة أبعاد، البعد الأول هو التوقيت حيث أثيرت عدة أسئلة
عن توقيت البرنامج من حيث ملاءمته للوضع الراهن الذي يتعرض فيه
المسلمون لهجوم من عدة جهات وحاجتهم إلى وحدة كبيرة... فهناك عدة
تحديات يجب على المسلمين اجتيازها كالتحديات التنموية والتقنية
وغيرها.
وأعتقد أننا بحاجة إلى حوارات إسلامية تتناول
الموضوعات السالفة الذكر إلى جانب الحوار العقيدي، وفي اعتقادي ان
توقيت الحوار العقيدي خاطئ ومرفوض في حال كونه مسيطرا على كل حياتنا
ومضرا بالجوانب الأخرى، واما البعد الثاني في برنامج (المستقلة) هو
أن الحوار لم يقم على أسس سليمة... فهو لم يتم الإعداد له إعدادا
جيدا وهذا ما اتضح من انفلات محاور اللقاء من زمام مدير البرنامج...
كما لوحظ غياب الضوابط الأخلاقية بين المتحاورين وتم الخلط فيه بين
الأمور الفكرية والشخصية وقد أضر ذلك بالحوار كثيرا... كما لم يتم
تسجيل وتثبيت الأمور المتفق عليها.
ويتعلق البعد الثالث بأسباب التفرق، فمع
اتفاقنا على أن الحوار السلبي بين المسلمين يؤدي إلى التفرقة فإن ما
يعمله الكثير من الدول الإسلامية من عدم السماح للشيعة بطرح أفكارهم
بطرائقهم المختلفة يؤدي أيضا إلى الفرقة... إذ ان ذلك يؤدي إلى شعور
الشيعة بأن حقهم مسلوب في طرح عقيدتهم وأن هذا المنع سيخلق أرضية
مناسبة لعدم التقاء أصحاب المذهبين، وهذا ما حصل فعلا حين كتب أحمد
أمين كلاما عن المذهب الشيعي ليس له في الواقع نصيب وقد اعتبره
الكثير مصدرا، إلا أن المفكر زكي أحمد انتقد ذلك عندما وقع في يده
كتاب "أصل الشيعة وأصولها" للمؤلف كاشف الغطاء.
وقد قرأ لكاتب شيعي ورد على الكاتب أحمد أمين
قائلا: إني اقتنعت بأن الشيعة فرقة من فرق المسلمين، وأما ما يحسب
للبرنامج فانه أوصل العقيدة الشيعية - على رغم النقص - إلى الكثير من
البلدان وتخطت بذلك العقبات التي وضعتها بعض الأنظمة.
الشيخ: تعقيبا على البعد الثالث الذي تحدث عنه
الموسوي فأقول إن الحديث عن العقيدة يجب إن يكون فيه اتفاق على
الأصول العامة سواء عند الشيعة أو السنة، فمنكر الضرورة لدى الفريقين
منكر للإسلام، أما إذا كنت تقصد المدارس العقائدية فهناك اختلاف بين
مختلف المشارب العقائدية وهذا أمر لا مانع من الاختلاف فيه إذا كان
مبنيا على أسس منطقية سليمة، وأما إذا كان هناك كتاب سنة يكتبون ما
يسيء إلى الشيعة فإن هناك في المقابل كتاب شيعة يسيئون إلى السنة.
الموسوي: ما أقصده هو أصل الفكرة فعندما يتم
منع فكرة معينة من الانتشار فان ذلك سيسبب مشكلة بين المذهبين سواء
كان ذلك من السنة للشيعة أو من الشيعة للسنة وما ذكرت من أمر الكاتب
أحمد أمين ما كان إلا مثالا فقط.
الستري: إن برنامج المناظرة كان يحاول إرجاع
الأمة إلى الوراء بعد تجاوزها هذه المرحلة وتجاوز الإنجازات التى تمت
على يد الكثير من مفكري الأمة من السنة والشيعة مثل الشيخ محمد عبده
والشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ شلتوت والشيخ القمي والعلماء
الذين باستطاعتنا أن نطلق عليهم ممثلي الفكر الإسلامي المعاصر... لكن
هذه المحاولة باءت بالفشل، ذلك أن وعي الأمة اكبر من أن ينزل إلى
مستوى هذا الفكر التفتيتي التجهيلي الذي أنتج بعض فقاعات ولكنها لم
تنل شيئا من وحدة الأمة وكان مصيرها الفشل.
الإقرار بالاختلاف مع المحبة
إذن ما الأسس الصحيحة للحوار المذهبي الذي
يفضي إلى الوحدة الإسلامية؟
الشيخ: إن أسس الحوار كثيرة، فأولها الوعي
بأسس الحوار أساسا لدى الناس على اختلاف مستوياتهم ابتداء من العلماء
إلى العامة، فمن الواجب التركيز عليه، على الصعيد الثقافي والتربوي
من خلال التركيز على الحوار القرآني، فهناك فرق بين الجدال والحوار
إذ أن القرآن يركز في مواقع كثيرة على الحوار، منها الحوار مع
الملائكة في جعل خليفة في الأرض وغير ذلك، وذلك لأن الإيمان قائم على
الإقناع المبني على الحوار، ونرى أن لقرآن يذكر الجدال في المواضع
غير المرضي عنها وكأنه يستنكر الجدال.
وهناك أسس يشترك فيها المحاور وموضوع الحوار،
فالأساس الأول هو أن تكون لدينا النية الصادقة للوصول إلى الحق وقد
لا نصل إلى الحق وهذا ليس بمشكلة وعليه فإن على المحاورين ان يغلبوا
نيتهم الصادقة نحو الله، ومن الأسس الصحيحة في الحوار أيضا النزول مع
المحاور وعدم تجريحه وقد علمنا القرآن هذا الأسلوب إذ يقول الله عز
وجل (... وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. قل لا تسألون عمّا
أجرمنا ولا نسأل عما تعملون...) (سبأ، 24 -25) إذ يشير المفسرون إلى
ان هذه الآية تعتبر الأساس في الحوارات.
وقد طرح القرآن قضية ثم قال تعالوا لنتحاور
فإما أن نكون على خطأ وأنتم على صواب واما أن تكونوا على خطأ ونحن
على صواب... ونسب إلى نفسه الإجرام عندما قال: "قل لا تسألون عما
أجرمنا" مع كونه الهادي المهدي، فالذي نستفيده من ذلك هو انه لا يمكن
أن يسمعك محاورك وأنت تشتمه وتوصمه بمختلف الأوصاف؟!
|