كان العيد وكانت الفرحة تملأ الدنيا ومظاهر
الفرح بادية على كل الوجوه، ولكن كانت هنالك قلوب وجلة وخائفة، أجل
قلوب ترتقب تخاف لحظة الفراق فالقمر غاب ليلة البارحة ولا نعلم هل
سيطل علينا هذه الليلة أم يتوارى للأبد. وجاء الليل وكانت السماء
ملبدة بالغيوم والرعد يملأ الدنيا ضجيجاً، وكلما سمعنا صوت الرعد زاد
خوفنا وترقبنا. ولا يزال الانتظار، وأشرقت شمس ذلك اليوم المشئوم
معلنة الفاجعة، معلنة غياب القمر إلى الأبد حينها أجهش العالم
بالبكاء والصياح وبدأت التساؤلات تزداد وتزداد هل مات القمر بصورة
طبيعية أم قتله الظلم والحقد؟ كيف يغيب عنا القمر ويتركنا فمن بعده
يضيء ليلنا الحالك المظلم ومن يرشدنا في سواد الليل البهيم من من؟
وجاءت لحظة الألم لحظة وداع الحبيب وأقبل
الناس لتشييع القمر إلى مثواه الأخير. حينها حمل النعش وكان للقمر
أحبة لطالما منع من زيارتهم ولكنه أوصى بأن يزورهم وهو على نعشه
متحدياً الظلم حتى وهو محمول إلى القبر. وسار النعش وأمواج المحبين
تحمله إلى قبره والكل يئن ويندب آه آه لرحيلك. وفجأة هبت الرياح
مصطحبة غيوم حالكة السواد تنذر بعاصفة هوجاء والكل يرتقب وينتظر. وما
هي إلا لحظات حتى هبت العاصفة وأخذت السماء تمطر بشدة والرياح تزداد
سرعة وقوة.وهـــــاج البحر وجاءت أمواج الحقد والكراهية واختطفت نعش
القمر، وكم حاولت أمواج الحب استعادته لكن دون جدوى فالظلم سيطر على
الموقف وهرب بالنعش بعيداً وتوارى القمر عن الأنظار وحاولت أمواج
المحبين اللحاق بهم إلى أن وصلت لهم وكانت هنالك الصاعقة. فالظلم نصب
حواجزه ويحاول دفن القمر في غير المكان المخصص فليس هذا هو المكان
الذي أوصى القمر بأن يدفن فيه. ومع أن الظلم يعرف ذلك ولكنه أبى إلا
أن يدفنه هناك رغم مقاومة المحبين لهم. وتم كل شيء على وجه السرعة
ودفن القمر وفر الحقد بعيداً وارتمى المحبون على قبر حبيبهم لاطمين
صدورهم ورؤوسهم غير مصدقين لما يجري وعلا مات التعجب والدهشة تملأهم
لماذا كل هذا! أمن العدل بأن يدفن القمر غصباً وإجباراً خلافاً
لوصيته ؟ هل من الإنصاف في حق القمر هذا؟ كيف نجازي المحسن بالإساءة
أين هي المبادئ والقيم والأخلاق ؟ أين ؟.
ولكن هكذا كان القمر طوال حياته يضيء ليلنا
الحالك رغم الغيوم الحاقدة ورغم كل ما يقال عنه ويدبر ضده، فكان
يستفيد من نوره المحب والمبغض، المصلح والمسيء و العالم والجاهل.
وإن غاب فلا يزال نوره يشع في سماء العدل
والحرية ولا نزال نستدل بنوره للحق والفضيلة، وإنه لم يمت حينما مات
بل مات قاتلوه ومبغضوه وهو من بدأ حياته في السماء.
وإن دفن القمر غصباً فإنه دفن في قلوب محبيه،
أجل في قلوبنا مثواه وقبره وما مات من خلف الصدق التقوى والرضى.
القطيف - الذكرى السنوية
الاولى لرحيل الامام الشيرازي قدس سره
|