مدى الفائدة المتحققة من إتباع موازنة عامة لثلاث سنوية مقبلة التي لم يشهدها العراق سابقاً وهل ستدعم هذه الموازنة الاستقرار المالي وستكون بداية جديدة لتغير اعداد الموازنة العامة من الاعتماد على موازنة لسنة واحدة أو الاعتماد على موازنات متوسطة المدى أشبه بالخطط التنموية القابلة للحل والاستبدال، والفارق بينهما...

ظهرت للعلن مسودة الموازنة العامة الاتحادية العراقية لسنة 2023، إذ وفق ما معلن يقدر اجمالي النفقات العامة اكثر من (197) تريليون دينار، وتقدر النفقات التشغيلية أكثر من (150) تريليون دينار أي نسبة (76,1%) وتقدر النفقات الاستثمارية اكثر من (47) تريليون دينار بنسبة ( 23,9%)، فيما تقدر الايرادات العامة اجمالي (134) تريليون دينار، تقدر الايرادات النفطية (117) تريليون دينار بنسبة (87,3%) على أساس سعر لتصدير النفط يقدر بـ (70) دولار وتقدر على أساس ذلك الصادرات النفطية بـ (3,5) مليون برميل يومياً، وتقدر الايرادات غير النفطية (17) تريليون بنسبة (12,6%)، كما يقدر العجز المالي (63) تريليون دينار يغطي من المبلغ المدور من وزارة المالية وحصة حوالات الخزينة في البنك المركزي وسندات وقروض داخلية، فضلاً عن مصادر أخرى.

وقد عرفت الموازنة العامة الاتحادية حسب قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 في المادة (1/ ثانياً) "خطة مالية تتضمن جداول تخطيطية لتخمين الايرادات وتقدير النفقات بشقيها الجارية والاستثمارية لسنة مالية واحدة تعين في قانون الموازنة العامة الاتحادية"، وفق ذلك حددت هذه المادة ان تقر الموازنة للسنة المالية لسنة واحدة ويسري مفعولها خلال السنة التي اقرت لها، فضلاً عما حدد القانون في الفقرة العاشرة من نفس المادة لفترة الحسابات الحكومية التي تبدأ في الاول من كانون الثاني وتنتهي في الحادي والثلاثون من كانون الأول. وأن اعداد مسودة قانون الموازنة لثلاث سنوات يمثل خروقاً للقانون سيقع آثرها السلبي على جميع مفاصل الدولة التي يمكن ايجازها بالآتي: -

1- احتمالية تعرض الاقتصاد الى عجز مالي كبير نتيجة توقع انخفاض اسعار النفط لاسيما في ظل الخسائر التي تكبدتها البنوك العالمية كبنوك دولة سويسرا، سيمول العجز المالي بالإقراض مما يعني اضافة ديون جديدة على العراق وعبء اضافي جديد للموازنات العامة اللاحقة.

2- الاعتماد على ثلاث سنوات لتحديد الموازنة والمؤاخذ على ذلك ان الموازنة العامة الاتحادية تعتمد على الايرادات النفطية بنسبة تتجاوز (90%) وتلك الايرادات تخضع لسعر تصدير النفط في الخارج، وأن التذبذب الذي يشهده النفط نتيجة استمرارية جائحة كورونا والحرب بين روسيا واوكرانيا.

3- تأجيل بعض المشاريع الاستثمارية المهمة أو ترحيلها الى مدة تتجاوز الثلاث سنوات.

4- سوف تتأزم المشاكل بين الحكومة المركزية والاقليم حول نقاط الخلاف في وقت خصصت الموازنة اموال للشركات النفطية العاملة في الاقليم وبهذا تكون هذه المادة مخالفة لقرار المحكمة الاتحادية، وكان المفروض ان يتم حل الموضوع بتحديد الصلاحيات بين الاثنين.

5- إنشاء (صندوق العراق للتنمية) بمبالغ ضئيلة لم تتجاوز مبلغ التريليون دينار، كما انه غير محدد التوجهات من هي الجهة التي ستقوم بإدارته ومهامه والجهة التي سيخصص لها وماهو دوره التنموي على المدى البعيد؟، العديد من التساؤلات التي تحتاج الى اجابة وافية في تعليمات تنفيذ الموازنة العامة.

6- هدر مالي كبير واستنزاف للأموال للموازنات العامة نتيجة وشيكة في ظل عدم وجود الحسابات الختامية التي تراقب عملية صرف الاموال ورشادة التحكم بالمصروفات التشغيلية والاستثمارية.

7- هناك فوضى في التعينات في القطاع العام، اذ تم استحدث عدد كبير من الدرجات الوظيفية في القطاع العام من العقود والمحاضرين واوائل الكليات وتعيين خريجي الشهادات العليا، مع تشتت في توزيعهم على الوزارات والهيئات سيؤدي الى انخفاض الانتاجية مما يشكل عبء مالي كبير سيضاهي العوائد الاخرى المتحققة.

8- لا يوجد اي توجه لتطوير القطاع الخاص الذي تراجع دوره الاقتصادي في البلد.

9- عدم اولويات الصرف لصندوق دعم المحافظات الاكثر فقراً، هل سيتم الاعتماد على آخر احصائية لوزارة التخطيط أم فقط المناطق المحررة، إذ أن هناك نقاط مبهمة تتطلب التوضيح في الموازنة العامة خاصة وان الموازنات اصبحت أكثر شفافية للجمهور.

لابد من طرح حلول من قبل السلطة التشريعية لاسيما وان السلطة التنفيذية قد اوفت بجميع التزاماتها في اعداد خطط للموازنات العامة متناغمة ومنسجمة مع البرنامج الحكومي والمنهاج الوزاري وعاكسة لرؤية الحكومة بما يرضي جميع الاطراف.

وتبقى النقطة المفصلية في مدى الفائدة المتحققة من إتباع موازنة عامة لثلاث سنوية مقبلة التي لم يشهدها العراق سابقاً وهل ستدعم هذه الموازنة الاستقرار المالي وستكون بداية جديدة لتغير اعداد الموازنة العامة من الاعتماد على موازنة لسنة واحدة أو الاعتماد على موازنات متوسطة المدى أشبه بالخطط التنموية القابلة للحل والاستبدال، والفارق بينهما ان الاخير لا يشكل قانون واجب التنفيذ ومحكم لجميع الامور ومسير لمفاصل الدولة.

وهنا نشير وبصراحة الى أن التغيير مطلوب في هذه المرحلة الحرجة وأن التعاطي مع الامور المتقلبة بجدية امر مرغوب ومجدي ولكن على أن يحسن ادارة الموازنات العامة وأن تعاد صياغتها لتتوافق مع رغبة الشعب وطموحاته.

* باحث في مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2023
www.fcdrs.com

اضف تعليق