اقتصاد - مقالات اقتصادية

مثالب التأخير في اقرار الموازنة العامة

موازنة سنة 2022 أنموذجا

القانون مدار البحث أعلاه لايمكن أن يكون بديلاً عن قانون الموازنة العامة، وحتمية غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام سيؤدي الى نتائج وخيمة على الاقتصاد العراقي لاسيما وأن الكشوفات التي تصدر من دائرة المحاسبة بوزارة المالية في بداية السنة المالية من العام القادم لا يمكن أن تغطي جميع...

تتعدد التعاريف التي تناولت موضوع الموازنة العامة لكنها لاتخرج عن كونها خطة مفصلة للإيرادات العامة والنفقات العامة للسنة القادمة يحدد من خلالها ما تنوي الدولة القيام به في حدود إمكانياتها المادية.

فقد عرفت من الجانب المالي "هي البيان الذي يتم فيه تقدير ايرادات الدولة ونفقاتها خلال فترة مالية قادمة، عادة ما تكون سنة وتتطلب إجازة من السلطة التشريعية". فضلاً عن كونها "وثيقة تتضمن تقديراً لنفقات الدولة وإيراداتها خلال مدة قادمة غالباً ما تكون سنة واحدة ويتم هذا التقدير في ضوء الأهداف التي تسعى اليها السلطة السياسية“.

أما من الجانب القانوني فقد عرفت حسب قانون أصول المحاسبات رقم (28) لسنة 1940 المعدل "بأنها الجداول المتضمنة تخمين الواردات والمصروفات لسنة مالية واحدة تعيَن في قانون الميزانية"، وعرفت حسب قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل بأنها "خطة مالية تعبر عما تعتزم الدولة القيام به من برامج ومشروعات وتتضمن جداول تخطيطية لتخمين الايرادات وتقدير النفقات بشقيها الجارية والاستثمارية لسنة مالية واحدة".

وما يميز الموازنة العامة في العراق انها تشغل اهتمام غالبية الأفراد بتفاصيلها المختلفة، فاذا ما تأخر اقرار قانون الموازنة العامة سيدور الحديث عن أسباب ذلك التأخير وهل سيتم اقرار قانون الموازنة العامة من عدمه. وهنا يثار التساؤل عن أسباب عدم إقرار قانون الموازنة العامة لعام 2022 وهل سيتكرر سيناريو الأعوام 2014 و2020؟

وكما نعلم أن العراق قارب على انهاء السنة المالية بدون إقرار الموازنة العامة نتيجة للخلافات والنزاعات السياسية، وقد أقرت الحكومة قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية رقم (2) لسنة 2022 المنشور بجريدة الوقائع العراقية بالعدد (4681) في الرابع من تموز/ 2022.

بـــــوادر الأزمــة:

ان الاحداث الناتجة عن النزاع السياسي حول تشكيل الحكومة من جانب والخلاف بين الحكومة المركزية والاقليم والفوضى الناتجة حول قيام منظمة الاوبك بلاس بخفض انتاجها من النفط الخام الى مستويات قاربت 100 الف برميل يومياً بعد المطالبات برفع سقوف انتاجها، ومن ثم عودة التقلبات في أسعار النفط الخام سيؤدي الى صعوبة في تحديد سعر ثابت للنفط الخام في موازنة العام القادم، يضاف الى ذلك غياب الموازنة العامة لهذا العام والاكتفاء بقانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية المذكور آنفاً الذي انشئ له حساب خاص يسمى (دعم الامن الغذائي والتنمية والتحوط المالي وتخفيف الفقر) بتخصيص مالي قدره (25) ترليون دينار، توزعت في القانون على جدولين (أ) و (ب) متضمنة 24 مفردة لكل منهما، كما مدرج في الجدول أدناه:-

الجدول (أ)

ت

الجهة

المبلغ المخصص

مليون دينار

1

وزارة التجارة (تحسين وشراء مفردات البطاقة التموينية وشراء محصول الحنطة المحلية أولا ثم المستوردة والشلب والخزين الستراتيجي واستحقاقات الفلاحين للسنوات السابقة)

5.000.000

2

وزارة الكهرباء (تسديد المديونية الخارجية وديون استيراد وشراء الغاز والطاقة)

4.000.000

3

تخصيصات للاستيفاء بمتطلبات تحويل المحاضرين والاداريين والعقود كافة والاجراء وقراء المقاييس في الوزارات كافة وفق قرار 315 لسنة 2019 المعدل بقرار رقم 337 لسنة 2019 مع تعيين الاوائل وحملة الشهادات العليا من الخريجين

1.000.000

4

اعادة المفسوخة عقودهم من الاجهزة الامنية والعسكرية

300.000

 

الجدول (ب)

ت

الجهة

المبلغ المخصص

مليون دينار

1

تنمية الاقاليم للمحافظات غير المنتظمة في اقليم وتوزع حسب النسب السكانية والفقر لكل محافظة على ان تخصص 30% من تخصيصات محافظة بغداد الى امانة بغداد

8.000.000

2

وزارة العمل والشؤون الاجتماعية (شمول الحماية الاجتماعية وذوي الاحتياجات الخاصة على ان توزع وفق النسب السكانية للمحافظات) ومن ضمنها تمويل قانون الناجيات الايزيديات بمبلغ (خمسة وعشرين مليار دينار عراقي)

678.000

3

التعاقد مع حملة الشهادات (البكالوريوس والدبلوم) ولكافة الاختصاصات للعمل في دوائر المحافظة واداراتها المحلية للمحافظات غير المنتظمة في اقليم بواقع (1000) متعاقد لكل محافظة وبراتب شهري قدره ثلاثمائة الف دينار شهرياً للمتعاقد الواحد لمدة ثلاث سنوات لأغراض التدريب والتطوير

162.000

4

تخصيصات البترودولار وتوزع للمحافظات المنتجة أو المكررة للنفط وحسب نسبة الانتاج ويعتمد معدل الانتاج عام 2019 لاحتساب النسب بين المحافظات وللمحافظة الاختيار بين الانتاج أو التكرير

1.000.000

5

وزارة الزراعة

700.000

أ

بذور الحنطة والشعير والشلب والشعير العلفي والذرة الصفراء

150.000

ب

دعم الاسمدة

300.000

ج

دعم شراء الاعلاف

65.000

د

لمكافحة التصحر

5.000

هـ

دعم المبيدات

40.000

و

دعم الادوية البيطرية

25.000

ز

دعم منظومات الري والطائرات الزراعية

40.000

ح

تسديد مستحقات سابقة لبذور الحنطة والشعير العلفي وبذور الشلب والذرة الصفراء

75.000

6

وزارة النفط

500.000

أ

(تسديد كلف انتاج لشركة نفط البصرة)

400.000

ب

شركة نفط الشمال

100.000

7

وزارة الإعمار والإسكان / الهيأة العامة للطرق والجسور / مشاريع جديدة ومستمرة

500.000

8

وزارة الموارد المائية

100.000

9

وزارة التربية / صيانة الابنية المدرسية

125.000

10

تضاف الى الفقرة (1) من هذا الجدول وتوزع على المحافظات وفق النسب الاتية (20% الديوانية، 20% المثنى، 15% بابل، 15% ميسان، 15% واسط، 15% صلاح الدين)

500.000

11

صندوق اعادة اعمار المناطق المتضررة من الارهاب وصندوق اعمار ذي قار وتوزع كالاتي:-

750.000

أ

صندوق اعادة اعمار المناطق المتضررة من الارهاب وبضمنها شمال بابل

550.000

ب

صندوق اعمار ذي قار

200.000

12

قانون تعويض المتضررين جراء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الارهابية رقم 20 لسنة 2009 المعدل

300.000

13

مؤسسة الشهداء / منح وتحويلات مالية / شراء اراضي لبناء مجمعات سكنية / تكاليف فتح المقابر الجماعية

150.000

14

مؤسسة السجناء السياسيين والمفصولين السياسيين

100.000

15

قيادة قوات حرس الحدود

25.000

16

تخصص نسبة (50%) من ايرادات المنافذ الحدودية الى المحافظات بما فيها محافظات اقليم كوردستان الموجود فيها تلك المنافذ على أن تخصص تلك المبالغ لتقديم الخدمات للمحافظة أو انجاز مشاريع استثمارية أو تشغيلية أو تمويل المشاريع المستمرة في المحافظة أو اعمار المنافذ الحدودية في كل محافظة اعتباراً من 1/1/2022

 

17

وزارة الصحة / شراء ادوية مرضى السرطان ومرضى فقر الدم الوراثي

150.000

18

ديوان الرقابة المالية / برنامج التحول الرقمي والتدقيق الالكتروني

10.000

19

الاجهزة الامنية والعسكرية وتوزع بقرار من مجلس الوزراء

400.000

20

تنمية الاقاليم

500.000

أ

محافظة النجف الاشرف

250.000

ب

محافظة كربلاء المقدسة

200.000

ج

محافظة صلاح الدين / سامراء

50.000

21

وزارة الهجرة والمهجرين لإغاثة النازحين

50.000

 

 

ومما لا شك فيه، أن القانون مدار البحث أعلاه لايمكن أن يكون بديلاً عن قانون الموازنة العامة، وحتمية غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام سيؤدي الى نتائج وخيمة على الاقتصاد العراقي لاسيما وأن الكشوفات التي تصدر من دائرة المحاسبة بوزارة المالية في بداية السنة المالية من العام القادم لا يمكن أن تغطي جميع الايرادات العامة والنفقات العامة، فضلاً عن انعدام مبدأ "شفافية الموازنة العامة" بالإفصاح عن آليات جمع وإنفاق الأموال العامة. وبذلك سيرافق عدم اقرار قانون الموازنة العامة النتائج الآتية: -

1- تهميش دور الدولة الاقتصادي نتيجة الاعتماد شبه التام على الايرادات النفطية نتيجة للطبيعة الريعية للإقتصاد العراقي مع محدودية الايرادات غير النفطية جراء ضعف الايرادات الضريبية في العراق بسبب هشاشة النظام الضريبي وتقادم قوانيته، فضلاً عن كثرة الاعفاءات الضريبية وإتساع حجم التهرب الضريبي جراء الفساد الاداري والمالي مما جعل الاخير لا يشكل أسهامها في الايرادات العامة للموازنة العامة الا نسبة (8%) في أحسن حالاتها.

2- الزم قانون الادارة المالية الاتحادية رقم (6) لسنة 2019 المعدل السلطة التنفيذية في العراق إعتماد المادة (13) / ثالثاً (في حالة عدم اقرار مشروع قانون الموازنة العامة الاتحادية لسنة مالية معينة تعد البيانات المالية النهائية للسنة السابقة أساساً للبيانات المالية لهذه السنة وتقدم الى مجلس النواب لغرض إقرارها)، وهذا ما يجعل من بيانات السنة السابقة مصدراً لبيانات موازنة هذا العام، وبشكل عام لم يتطرق القانون الى الاختلاف الحاصل في اتجاهات كل من النفقات العامة والايرادات العامة بين السنوات المختلفة لاسيما وأن سلعة النفط الخام التي تبنى عليها ايرادات الموازنة العامة متذبذبة وتخضع للتحكم السعري من الخارج من ثم صعوبة التوقع في أسعار النفط الخام في ظل التغييرات الدولية العالمية.

3- تجاوز سقوف المصروفات لما يفوق نسبة 1/12 من اجمالي المصروفات الفعلية للنفقات الجارية التي اقرها قانون الادارة المالية الاتحادية المعدل في المادة (13) / أولاً، فضلاً عن التمويل وفق ما جاء به قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية بالصرف على فئات محددة، وهذا مدعاة لغياب الرقابة والمسائلة على المصروفات العامة وأن فرض القانون الاخير على ديوان الرقابة المالية تقديم تقرير فصلي بالانفاق.

4- ضعف الانضباط المالي إذ من المتوقع أن يشهد هذا العام هدر في المال العام نتيجة عدم متابعة حركة الانفاق العام.

5- استمرار الاختلال في هيكل النفقات العامة نتيجة غلبة النفقات التشغيلية على النفقات الاستثمارية إذ تم توزيع الانفاق حسب ماهو مخصص في جداول القانون المذكور آنفاً وليس حسب الحاجة الفعلية للوزارات والقطاعات مع شمول ثلاث محافظات بتنمية الاقاليم حصراً، فضلاً عن تأجيل بعض المشاريع الاستثمارية الاستراتيجية ذات الجدوى الاقتصادية للعام القادم وهذا من شأنه أن يؤدي الى التأثير سلباً في المشاريع التنموية

6- عدم التعرف على العجز المخطط في الموازنة العامة، فالعجز يعني تجاوز التخصيصات المالية المحددة للانفاق على الايرادات، ومن عدم معرفة مقدار الفوائض المالية في هذا العام.

7- عدم تحديد سعر الصرف الرسمي في الموازنة العامة في هذا العام سيؤدي الى الاحتكام الى سعر الصرف للعام السابق.

8- من المتوقع استمرار تعثر ديوان الرقابة المالية الاتحادي في إنجاز الحسابات الختامية للميزانية المتأخرة منذ عام 2014.

9- التأخر في تسديد التزامات وتعهدات الحكومة تجاه الجهات المدينة مثل الديون القابلة للسداد جراء الاقتراض، وقد أكتفى القانون بالإشارة الى الاستمرار بالاقتراض من الداخل والخارج لتمويل المشروعات التنموية المستمرة والممولة من القروض المصادق عليها في قوانين الموازنات السابقة دون الدخول بتعاقد جديد، فضلاً عن التأخر في تسديد التزامات الحكومة للشركات والمقاولين.

مــن يحـل الازمــــة؟

ونحن على أعتاب نهاية السنة المالية الحالية وبداية سنة مالية جديدة لا بد أن تكلل رؤية الحكومة في إعداد ستراتيجية واضحة للموازنة العامة تعتمد على أسس قانون الادارة المالية الاتحادية مع الالتزام بمبدأ شفافية الموازنة العامة.

وتقع على السلطة التشريعية المتابعة والرقابة على عملية سير قانون الدعم المذكور سابقاً في ظل غياب قانون الموازنة العامة لهذا العام. ولابد من الإشارة الى هذا القانون الذي خرج من رحم قانون الموازنة العامة قد سلط الضوء على نجاح وزارة المالية في إيجاد حلول لعدم اقرار قانون الموازنة العامة أسهمت في تسيير جميع مفاصل الدولة.

ونقترح من أجل تجاوز مثالب عدم اقرار الموازنة العامة وحل الازمة الراهنـة تحقيق الآتـي: -

1- أن يحدد سقف زمني يلزم الوزارات العمل بالمادة (2)/ ثالثاً من قانون اصول المحاسبات المذكور آنفاً بتحضير تخمينات لمصروفاتها وايراداتها وارسالها الى وزارة المالية قبل نهاية شهر تموز من كل سنة وتقوم الاخير بتسليم الموازنة الى السلطة التشريعية والاقرار قبل نهاية السنة المالية ليتم التنفيذ في بداية السنة المالية القادمة.

2- الاستمرار بالعمل على تغيير أسلوب إعداد الموازنة من موازنة البنود الى موازنة البرامج والاداء القائمة على خطط وبرامج استثمارية ذات جدوى اقتصادية من أجل ضمان الرقابة والمتابعة.

3- الاستفادة من الفوائض المالية الناتجة عن تزايد الايرادات النفطية في ظل الارتفاع في أسعار النفط الخام عالمياً في هذه السنة في جانبين: -

أ‌- رسم ستراتيجية لموازنة العام القادم تهدف الى تحقيق الاهداف التنموية ومعالجة حالات البطالة والفقر وتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي للبلد.

ب‌- استحداث صندوق الثروة السيادي الذي يسهم في استثمار الفوائض المالية الناجمة عن الارتفاع في أسعار النفط في تنمية القطاعات الحقيقية في البلد.

* مركز الفرات للتنمية والدراسات الإستراتيجية/2004-Ⓒ2022
www.fcdrs.com

اضف تعليق