في معركة بدر، وبعد أن انتصر المسلمون استطاعوا من اسر سبعين قرشياً، لم يكن المسلمون مثل باقي الممالك، فلم تكن وضعهم فكرة بالسجون مطروحة، ولم تكن فكرة تعذيبهم موجودة في قاموس الدولة المحمدية، أو هناك مساعي لقطع رؤوسهم، بل طلب من كل واحد منهم تعليم القراءة والكتابة لعشر مسلمين، بالمقابل يطلق سراحه، فالإسلام دين انساني أولا، وهو جاء ليكرم الإنسان، ويرفع عنه قيود الجهل والتعصب، الإسلام يرفض العنصرية والغطرسة والعنف، وهو يدعو للتسامح والتعامل بأخلاقيات راقية حتى مع الأعداء، فالتعالي على الآخرين مرفوض، ومن هذه النقطة نلحظ افتراق الدين الإسلامي المحمدي، عن سلوكيات التطرف الذي يمارسه الوهابية وتنظيم القاعدة والإخوان والدواعش، المبني على إلغاء الآخر واستخدام العنف للسيطرة وفرض رؤيتهم.
● تشابه مدرسة الصهاينة مع مدارس الإسلام المتطرف
عرفنا منذ الصغر أن الصهاينة عصابات متطرفة، مجموعة من البشر نزعت الرحمة من قلوبهم، استخدمت العنف ضد الفلسطينيين لفرض رؤيتهم، بعيد عن أي قيم إنسانية أو أخلاقية، وكان إعلامنا العربي ومدارسنا والنخب كلها تتحدث بهذه الحقيقة، حيث تم تعرية السلوك الشاذ للصهاينة، هذه الحقيقة كانت عامة لكل المجتمع العربي يدركها ويعلن البراءة من فاعلها.
لكن الغريب أن نجد استنساخ كامل لسلوك الصهاينة داخل الجماعات الوهابية المتطرفة، فقط تصبغ سلوكها العنيف بنصوص شاذة، الموجودة في صحاح مدرسة المذاهب الأربعة، أو فتوى من شيخ وهابي منحرف، فكل ما يجري ضد قيمنا الإنسانية، من ذبح الإنسان وتهجير وسبي للنساء فهو يعتبر في فكر الوهابية والقاعدة والإخوان والدواعش، عمل جهادي فيه طاعة لله، وإذا قام رجل وهابي بتفجير نفسه في سوق للخضار، بهدف قتل الأطفال والنساء والرجال في أحياء الشيعة، يعتبر عمل صالح بنظر مدرسة الدم والذبح.
المصيبة الأكبر هو الصمت العجيب للمنابر العربية، وعدم تجريم من يفعل هذه الجرائم، فالأزهر مثلا يرفض تكفير داعش، مع أن أفعالها خروج من الإسلام، والمصيبة أنها تدعي بان كل سلوكها الإجرامي من صميم الإسلام، أي أنها خنجر موجه ضد الإسلام بغرض التشويه والتمزيق.
وهذا يتم عبر فتاوى تنطلق من مشايخ السعودية وقطر وفي العلن، من دون أي خجل، لكن الأغرب أن تخرس السن ففقهاء وشيوخ الدول العربية، التي يمكن تسميتها بالإسلام المعتدل، فالأزهر يصمت، ومنابر تونس والمغرب والأردن والسودان وفلسطين كلها تسكت عن تجريم وإعلان البراءة من القاعدة وداعش.
● الصحاح الأربعة وهالة التقديس
يستند الفكر المتطرف الى أحاديث موضوعة وشاذة وضعيفة، موجود في صحاح المذاهب الأربعة، حيث تعاني المذاهب السنية من غلق باب الاجتهاد منذ زمن الدولة العباسية، حيث تم فرض المذاهب الأربعة والصحاح الأربعة على المجتمع السني، مع رفض لأي مراجعة أو نقد لهذا الإرث، حيث اعتبر الإرث مقدس كالقرآن، كتب كاملة وتامة ولا يجوز النقاش فيها، وإلا اعتبر خروج عن الإجماع وعن فقه المذاهب الأربعة، مما جعلها ارث ثقيل لما تحتويه من تناقضات وبعض ما فرضته السياسة في ذلك العهد.
يرفض شيوخ وعلماء المذاهب الأربعة السنية، ومدارس ومعاهد وجامعات الفقه في الدول العربية إي تنقيح لصحاحها، من تلك الأحاديث الشاذة والموضوعة، التي تشرع التطرف والقتل والانحراف، وكذلك يرفضون تكفير تنظيم القاعدة وتنظيم داعش وجبهة النصرة، مع كل الجرائم التي قاموا بها، بل هنالك فئة مؤيدة لهم بالقول، والدليل أن المقاتلين الواصلين للعراق وسوريا، هم من مصر والسعودية وقطر وتونس وليبيا والجزائر والمغرب والأردن وفلسطين، والسبب إن صحاحهم وكتب الفتاوى لابن تيمية وتلاميذ السوء، منتشرة بشكل كبير بين الناس، مما أسس مجتمع يقبل بالانحراف المستند للأفكار الدسيسة على الإسلام.
● إيرادات نفط الخليج قتلت مشروع الوحدة الإسلامية
في بدايات القرن الماضي كانت هنالك جهود كبيرة لعلماء الأمة، من اجل تقريب المذاهب، وتوحيد الأمة في وجه التحديات العالمية، وكان ثمرة ذلك اعتراف الأزهر بمذهب الجعفري واعتباره المذهب الخامس، وكان هناك تزاور بين علماء النجف والأزهر، الى أن اكتشف النفط في السعودية ودويلات الخليج، حيث كرست إيرادات النفط في سبيل نشر الفكر الوهابي التكفيري، وكان هنالك دعم لكل فرقة متطرفة منحرفة، بغية تمزيق المجتمعات، وتوسيع الخلافات، مما جعل مشروع الوحدة يموت.
هذه حقيقة توضح أن هنالك خط داخل الأمة، غارق في الخيانة والخضوع للشيطان، ولا يهمه حتى لو قتل كل المسلمين ودمرت كل مدن الإسلام، بل الأهم عنده بقائه وحدة، واستمرار سطوته وتحقيق أحلام التوسع، ويبقى الأكثر أهمية عندهم هو تحقيق رضا الأسياد (القوى العالمية والصهيونية).
مما شكل دعما كبيرا لاستمرار حياة الجماعات المتطرفة، والتي عاثت فسادا في بلدان العرب، خصوصا في العقدين الأخيرين، حيث برز الفعل الإجرامي لشواذ الخلق، من المنتمين لخلايا الإرهاب الوهابي.
وهكذا كرست المليارات لنشر أفكار تكفيرية، عبر قنوات تلفازية وإذاعات ومؤسسات إعلامية، تبث سمومها الى بيوت الناس، وتدعم القاعدة والداعش والجماعات التكفيرية الأخرى، وتطبع سنويا ملايين النسخ من كتب ابن تيمية وفتاوى شيوخ الوهابية، وتوزع مجانا في موسم الحج لنشر الأفكار التكفيرية، مع تنفيذ خطط فتح مدارس وجوامع ومعاهد في مختلف البلدان، لتدرس تعاليم الدين الوهابي وأفكار إلغاء الآخر.
لو توقف الدعم السعودي للجماعات التكفيرية، لماتت الفتنة، ولو انتهى الدعم السعودي، لما انتشر الفكر التكفيري، هذا الأمر يجب أن تنتبه له الأمة.
● كيف يمكن أن تموت الفتنة
الوهابية وأذنابها من القاعدة وداعش والنصرة، وإخوتها من الإخوان والسلفية، هي فتنة الألفية الثالثة، حيث كرسوا وجودهم لخدمة الصهيونية والقوى العالمية، أنهم سبب مصائب الأمة الإسلامية، ولكي تموت الفتنة نحتاج لأمرين أساسيين:
أولا: الأمة لا تملك خيارات تمكنها من أجبار السعودية على وقف شرها، فانتظار ثورة في الجزيرة العربية أمر صعب وبعيد، بسبب الحماية الصهيونية والأمريكية للحكم السعودي، لكن كي تموت الفتنة نحتاج أن يتوقف نفط الخليج عن دعم الإرهاب والتكفير، وهذا الأمر يتوقف على مقاطعة عربية للسعودية، مع رفع مطالب للأمم المتحدة للوصاية على السعودية، هذا الموقف يحتاج لضغط جماهيري على الحكومات، هو حل خيالي الان، لكن من الممكن أن يتحول لحقيقة لو صار هنالك وعي كبير للأمة.
ثانيا: إعادة النظر في تراث المذاهب الأربعة وفتح باب النقد للفقه والأفكار الموروثة، ورفع التقديس عن الصحاح، وتنظيفها من الأحاديث الموضوعة والضعيفة والشاذة، أي تنقيح تراث الأمة مما وضع فيه من قبل السلطة الأموية والعباسية، التي هما من قولب شكل مصادر الفقه والحديث والعقيدة للمذاهب الأربعة، بما يتناسب مع نظام الحكم في ذلك الوقت.
اضف تعليق