من اسوء ما يمر به العالم في مواجهة "التعقيدات السياسية"، والتي تتطلب سرعة في الحركة والتوحد في مجابتها من قبل المجتمع الدولي، هو الإهمال والنسيان في ادراج أصحاب القرار الاممي والقوى الكبرى، والتي بدورها كانت سببا مباشرا في بروز الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية التي استغلت الخلافات السياسية والأوضاع الأمنية المرتبكة، لإقامة ملاذات امنة، واعداد الموالين والخلايا النائمة.
على سبيل المثال، هناك توقعات متسارعة باستغلال تنظيم "داعش" لسوء الأوضاع السياسية والأمنية في ليبيا واستغلالها لصالح التنظيم في مقابل الخسائر التي مني بها في العراق وسوريا، وهي انتقاله مهمة للتنظيم ان تمكن من فتح بوابة شمال افريقيا وبالتالي الخطر المتطرف نحو افريقيا واوربا، وهي تكهنات سبق الحديث عنها اثناء وبعد رحيل "القذافي" بعد ان اتفق الجميع على اسقاط نظامه المستبد واختلفوا في البدائل السياسية التي من المفترض ان ترشح كبديل سياسي.
ليبيا التي انقسمت الى حكومتين، ولا يفصلها عن الساحل الأوربي سوى البحر، كانت ولا زالت الهاجس الغربي الأهم في تصدير الإرهاب اليها، ومع هذا ما زالت جميع الجهود الدبلوماسية في الدفع باتجاه حكومة وحدة وطنية تذهب ادراج الرياح، حتى مع الضغوط التي مارسها مجلس الامن الدولي، وفي هذا الاثناء تجد تحركات غير مسبوقة لتنظيم "داعش" في السيطرة على المدن واحدة تلو الأخرى، خصوصا قرب ابار ومصافي النفط، فضلا عن تجنيد المزيد من العناصر والموالين اليه.
ويبدو ان التوقعات الأمنية تعتمد على فرنسا، مع انباء غير مؤكدة بشأن تعاون عسكري واستخباري بينها وبين الجزائر لمنع تحقيق التنظيم المزيد من النجاحات في ليبيا الضعيفة والمنقسمة، الى جانب دول جوار تعاني الكثير من المشاكل ولا يمكن الاعتماد عليها كشريك فعلي في مواجهة تمدد داعش في شمال افريقيا.
على الجانب الاخر، وفي شبه الجزيرة العربية، وتحديدا في اليمن التي تعاني هي الأخرى من انتكاسات سياسية وامنية كبيرة، ربما مهدت الطريق لحرية الحركة في الخليج بالقرب من منابع النفط وحركة مروره العالمية، حيث ينشط تنظيم القاعدة مستغلا "عاصفة الحزم" السعودية والانقسام بين حكومة "هادي" التي تحاول المملكة فرضها تحت قصف "التحالف العربي" وبين أطراف سياسية داخلية ترفض استمرار هذه الحكومة وتنادي بحكومة "وحدة وطنية" تشترك فيها كل الأطراف.
وبعيدا عن التجاذبات السياسية (الداخلية والخارجية) التي تحيط بهذا الخلاف، فان تداعيات الأوضاع في اليمن لا تقل خطورة على منطقة الشرق الأوسط، من الأوضاع المضطربة في ليبيا، والأخطر من ذلك ان الأفق بحل سياسي قريب او محتمل تكاد تكون معدومة.
وفي الوقت الذي يحقق فيه "التحالف الدولي" الى جانب القوات العراقية النجاح ضد تنظيم داعش، الى جانب ما تحقق من نجاحات ضد التنظيم في سوريا، فان القلق ينتاب المراقبين للتطورات الميدانية الأخيرة، والتي تحسب لتنظيم داعش في ليبيا، فضلا عن تحركات تنظيم القاعدة في اليمن، وكلاهما استغل حالة الارباك الأمني والفوضى السياسية في كلا البلدين لصالح تحقيقهما المزيد من المكاسب الميدانية.
ان محاصرة التنظيمات الإرهابية في العراق وسوريا والقضاء عليها، لا يعني اهمال باقي المناطق المرشحة لتكون بديلا عن العراق وسوريا، فللتنظيمات المتطرفة القدرة على إعادة ترتيب اوراقها والانتشار في مناطق جديدة مستغلة أي خلل أمنى او سياسي فيها، وهو ما حدث بعد ان تمكن تنظيم داعش الانتقال الى سوريا بعد احداث الربيع العربي عام 2011 بعد ان تعرض لضربات قاسية في العراق قبل هذا التاريخ.
المجتمع الدولي مطالب بشدة لإعادة فتح هذان الملفان، سواء على الصعيد الأمني او السياسي وعدم ترك الأمور على عواهنها لمنع أي تداعيات يمكن ان تفتح جبهة جديدة للإرهاب العالمي قد تستغرق المزيد من الوقت والجهد من اجل القضاء عليها.
اضف تعليق