استطاعت السعودية بتدبير من مساعد وزير الخارجية، محمد بن نايف، (الذي أصبح وليا للعهد، إضافة الى وزير الداخلية)، وبمساعدة من الولايات المتحدة الامريكية، من شن حملة واسعة النطاق ضد تنظيم القاعدة والخلايا النائمة داخل المملكة، بعد عام 2004، والتي نشطت عبر عدة تفجيرات طالت المصالح الغربية والامن داخل السعودية، بعد خلاف حاد بين زعيم التنظيم (أسامة بن لادن) والنظام الحاكم في السعودية، وضعهم في خانة (الخونة) بالنسبة لقيادة التنظيم، بخلاف العلاقة القوية التي جمعتهم أيام الجهاد ضد الروس في أفغانستان، والدعم المالي والمعنوي الهائل من الحليف الرئيسي للولايات المتحدة الامريكية، السعودية، والتي قدمتها للجهاديين هناك، وفي مقدمتهم تنظيم القاعدة.
في وقتها، أسس محمد بن نايف، لجان المناصحة ذائعة الصيت في الخليج عموما وداخل المملكة على وجه الخصوص، كانت فكرة لجان المناصحة تقوم على إقامة مراكز لإعادة تأهيل "المقبوض عليهم في قضايا إرهابية وأصحاب الفكر المتطرف، حيث يتم إخضاعهم لدورات تعليمية تتضمن برامج شرعية ودعوية ونفسية واجتماعية وقانونية بهدف تخليصهم من الأفكار المتطرفة التي يحملونها، وبعد ذلك تقوم الجهات المعنية بالإفراج عن المتخرجين من الدورات ممن لم يتورطوا في قضايا التفجيرات بشكل مباشر". بحسب وجه النظر الرسمية.
بعد سنوات من العمل الاستخباري والأمني، الذي ادارت وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية، جزء كبير منه، استطاعت المملكة تحجيم دور الخلايا النائمة والحد من هجمات (الذئاب المنفردة)، من دون القضاء عليه تمام، سيما وانه توسع في اليمن والعراق وشمال افريقيا وبعض دول غرب اسيا... من دون ان تفلح (لجان المناصحة) او (معتقل غوانتنامو) او جهود مكافحة الإرهاب الدولي في الحد من عودة المعاد تأهيلهم الى حمل السلاح والقيام بالأعمال المتطرفة والتفجيرات الانتحارية، التي شهد العراق فيها اعلى معدل عالمي، نفذ على يد مواطنين يحملون الجنسية السعودية.
بعد ثورات الربيع العربي، التي انطلقت أواخر عام 2010، وما زالت... تحولت راية الإرهاب السوداء الى تنظيم أكثر دموية وعنفا، تنظيم داعش، الذي أعاد دورة العنف من بدايتها لكن بصورة أكثر قسوة واشد همجية.... ومع ان العمر الافتراضي للتنظيم لا يتعدى بضع سنوات لا يمكن مقارنتها بتاريخ التنظيم الام (القاعدة)، الا ان شعبية واسعة استطاع حصدها في حواضن الفكر المتطرف، والتي جاء في مقدمتها المملكة العربية السعودية.
قبل أشهر نفذ (شباب) يحملون الفكر المتطرف، وهم موالون لتنظيم (داعش) وليس (القاعدة) بعمليات انتحارية وهجمات مسلحة، (مشابهة لحادث سيهات الأخير)، طالت المواطنين الشيعة، لأنهم (كفار) بحسب اعتقادهم، الذي لم يأتي بصورة مفاجأة، وانما عبر تغذية فكرية درج عليها منذ صغر سنه، وحتى وقت تنفيذ العملية، لذا لا يفرق لديه كثيرا ان كان من اتباع تنظيم (القاعدة) او (داعش) المهم ان الطرفان ينسجمان معه في الفكر التكفيري المتطرف، تحت حماية كبار الامراء والشخصيات الدينية البارزة في النظام السعودية.
التطرف الذي انطلق من المذهب (الوهابي)، المتبع بالقوة في جميع التعاملات الدينية والاجتماعية والسياسية للملكة، وأصبح حاضنة للكثير من الحركات والمنظمات المتطرفة، لم يعد ينسجم وجهود مكافحة الإرهاب التي يدعي (النظام السعودي) العمل عليها داخليا، من خلال محمد بن نايف، وخارجيا مع (التحالف الدولي) بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، فمن ينتج التطرف لا يمكن ان يقضي عليه، ولا يمكن جمع الأبيض والأسود في خانة واحدة...
المملكة العربية السعودية بحاجة الى إعادة تقييم وإصلاح شاملة وحقيقية للفكر (الوهابي) المتطرف، الذي غرس في نفوس أجيال من الشباب عبر عقود من الزمن، خصوصا وان تنامي التطرف والإرهاب العالمي بات يهدد الجميع، والسعودية ليست بمنأى عن هذا الخطر، ان لم تكن في الواجهة، والهدوء لن يدوم طويلا مع تكرار الاعتداءات ضد الأقليات الدينية فيها، والتي تعامل معاملة (الدرجة الثانية) مع تنامي الاتهامات بالتقصير الحكومي، او غض الطرف عن توفير الحماية ومنع الاعتداءات، في مقابل احكام الإعدام والعقوبات القاصية التي يواجهها المعارضين او النشطاء تجاه أي فعل او حركة او مطلب بالإصلاح.
اضف تعليق