قبل عام ونصف من الان، ومع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف العراقي، كانت ارتال من العجلات المسلحة تسليحا جيدا، والمحملة بالمئات من المقاتلين، تعبر، (من دون ان يعترضها أحد)، الحدود بين العراق وسوريا، قادمة من محافظة الرقة ودير الزور السوريتان، اللتان استولى عليهما تنظيم داعش، في وقت سابق، وجعل منها (الرقة) مقرا للخلافة الإسلامية... كانت وجه المسلحين محافظة (الموصل) ذات الكثافة السكانية الأكبر، بعد العاصمة بغداد (2) مليون نسمة تقريبا، التي يسكنها غالبية من السنة، إضافة الى القوميات والأديان الأخرى.
وقد تمكن عناصر التنظيم، من الدخول الى المدينة، بسهولة، ومن دون مقاومة تذكر، بعد ان انسحبت جميع الفرق العسكرية المكلفة بحمايتها قبل الموعد بساعات، ما جعل الكثير من الشبه والفرضيات تحوم حول سقوط مدينة الموصل خلال ساعات، وعلى يد بضع مئات من المقاتلين المتطرفين... طبعا الهجمات التي شنها التنظيم في 9/6 من العام الماضي، لم تقتصر على مدينة الموصل شمالا، بل امتد الى خمس محافظات عراقية أخرى في الوسط والغرب والشرق، إضافة الى الشمال، وقد خطب زعيم التنظيم بعدها بوقت قصير من على منبر الجامع الكبير في الموصل، ليعلن قيام (الخلافة) واطلق اسم (الدولة) على تنظيمه، بعد ان اصبح الملايين من المدنيين، في كلا البلدين، بحكم الخاضعين الى حكم زعيم التنظيم (البغدادي).
الولايات المتحدة الامريكية اعتبرت ان هزيمة الجيش العراق في الموصل وانسحابه الفوضوي منها جاء نتيجة للخلافات التي عصفت بالمكونات السياسية التي قادت الى انهيار معنويات الجيش العراقي الجديد المدرب من قبلها على مدى عشر سنوات، بمبلغ تجاوز الـ(25) مليار دولار امريكي، واشترطت لمساعدة الحكومة العراقية، حل هذه الخلافات واختيار بديل مناسب يحل محل رئيس الوزراء السابق.
قبل ان تبدأ الولايات المتحدة الامريكية بضرب اهداف التنظيم في العراق بعد إقامة (التحالف الدولي)، كان هناك عشرات الالاف من المقاتلين الشيعة، الذين عرفوا لاحقا بقوات (الحشد الشعبي) يتقدمون صوب المناطق التي سيطر عليها عناصر تنظيم داعش، بعد فتوى (الجهاد الكفائي) التي أطلقتها المرجعية الدينية في النجف، سيما وان تقدم المتطرفين وسط البلاد، هدد مدينة كربلاء والنجف المقدستين لدى مئات الملايين من المسلمين في العالم، إضافة الى التهديد الذي فرضه مسلحو التنظيم على العاصمة بغداد بعد ان حاصر مناطق حزام بغداد.
الحماسة التي دفعت الالاف من المقاتلين المتطوعين ضد تنظيم داعش، حققت بفترة قياسية انتصارات مهمة في محافظة بابل وصلاح الدين وديالى، إضافة الى تامين حزام بغداد بالكامل... الا ان النقص الكبير في التسليح، (مقارنة بالأسلحة التي يملكها عناصر داعش)، والعتاد، والاسناد الجوي، فضلا عن التنسيق بين القوات المقاتلة وطائرات التحالف الدولي، جعل الجميع يدور في دوامة الاتهامات المتبادلة، واضعف الحماسة التي شكلت حجر الزاوية في الانتصارات السابقة، خصوصا وان الرغبة الامريكية في دعم القوات الأمنية والمتطوعين ضد داعش ما زالت ضعيفة.
روسيا ضربت مثالا مغايرا للمثال الأمريكي، بعد ان قدمت الدعم لحليفها النظام السوري ضد التنظيمات المتطرفة والقوى المسلحة الأخرى... فمنذ أكثر من أسبوع لم تهدأ الطائرات الروسية عن ضرب اهداف تابعة للجماعات المسلحة التي تقاتل النظام السوري، مراكز قيادة وتمويل ومخازن أسلحة وقيادات...الخ، كما انها أطلقت سلسلة من صواريخ كروز بعيدة المدى من بحر قزوين تجاوز مداها (1500) كم، إضافة الى استعدادها لدعم هجوم بري كبير يعتزم الجيش السوري القيام به لاسترداد الأراضي القريبة من محافظة اللاذقية والتقدم الى وسط البلاد.
وقد أرسلت روسيا الى جانب تدخلها العسكري، رسائل سياسية الى دول معينة تحاول منذ سنين اسقاط حليفها الأسد، ولعل أهم تلك الدول تركيا التي خرقت الطائرات الروسية اجوائها في أكثر من مناسبة خلال الأيام الماضية.
لعل هذا المثال الروسي... أصبح عاملا مشجعا للحكومة العراقية والفصائل المسلحة التي تقاتل تنظيم داعش، للانجذاب نحو روسيا وحلفائها في (التحالف الرباعي)، بدلا من ضياع الوقت والجهد مع (التحالف الدولي) ... وقد توضح الأيام القادمة طبيعة ما يمكن ان تقدمه روسيا للعراق في الحرب ضد الإرهاب، والتي قد تساهم في تعجيل الانتصارات في محافظة الانبار، التي شارفت المعركة فيها على نهاياتها، وربما المساعدة في الاعداد للحملة العسكرية القادمة لتحرير الموصل، والتي تأخرت عن موعدها كثيرا... وبهذا يمكن ان تكون روسيا شريكا حقيقيا للعراق في مكافحة الإرهاب وطرد داعش من المناطق التي سيطر عليها.
اضف تعليق