الحرب ضد الإرهاب، وتحديدا ضد تنظيم "داعش"، تمثل تحديا كبيرا للمجتمع الدولي، فالتهديد الإرهابي المتوقع من المتطرفين، قد يطال، وبقوة، اغلب دول العالم، حتى التي ظنت انها بمأمن جغرافي او أمني او سياسي عن ضربات تلك لجماعات المسلحة...
والامر وهو على هذا الحال، دائما ما تطلب جهودا دولية شاملة لاحتواء توسع التنظيم، قبل سنوات من الان، الا ان الخلافات والصراعات والمصالح، غالبا ما مثلت حجر الزاوية في فشل "المجتمع الدولي" والقوى الكبرى في العالم من التوافق لحل الازمة التي هددت الامن والسلم العالميان في بداياتها، عندما أصبحت سوريا وشمال افريقيا مرتعا لتفريخ الجماعات الإرهابية، إضافة الى تراخيهم في مساندة العراق ومنع خسارته لأكثر من ثلث مساحته الجغرافية لصالح تنظيم داعش.
ما يحدث الان في سوريا يشكل "زحاما مروريا" للقوى الكبرى عالميا، والدول المؤثرة في منطقة الشرق الأوسط عموما... وسوريا خصوصا، الكل يحاول حل الازمة فيها على طريقته الخاصة، روسيا تدخلت لمنع انهيار الأسد ونظامه... ومن قبلها ايران ومن يعينها على ذلك... اوربا تحاول البحث عن "منطقة امنة" لنفسها في سوريا قبل اللاجئين اليها... تركيا تصارع للحفاظ على مسلحي (المعارضة) من دعمتهم منذ سنوات امام ضربات الدب الروسي، ومنع تقدم الاكراد في سوريا، الخليج يحاول إنعاش خطوطه وعملياته في سوريا أيضا... اما الولايات المتحدة الامريكية فهي بطبيعة الحال تساير الجميع في ذلك... لكن خطوتها لوحدها.
قد تنجح التحالفات بين روسيا وامريكا وربما بعض الدول العربية والاوربية في تحقيق نجاح ضد التنظيمات المتطرفة النشطة في سوريا، إضافة الى العراق، سيما تنظيم "داعش"، التهديد رقم واحد عالميا... لكن "هامش" الصراع للمحاور المتنافسة داخل سوريا وخارجها في الشرق الأوسط، قد يعطي انطباعا اخر، لا يعطي الصورة ذاتها حول إمكانية حسم المعركة في سوريا والعراق ضد الإرهاب قريبا.
هناك خط طويل من الصراعات الثانوية بين الأنظمة والحكومات المختلفة القريبة من الازمة في كلا البلدين... هذا الصراع يمكن ان يعرقل طويلا أي مستقبل يمكن ان نرى فيه جهودا مثمرة لمكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، فما ان تنتهي ازمة في بلد ما حتى تندلع في أخرى، وغالبا ما ترى دولا متنافسة للهيمنة وفرض النفوذ حاضرة بقوة للتلاعب بأطراف النزاع ودعم جهات ساندة لها على حساب الأخرى، والامثلة كثرية على ذلك في اليمن ولبنان والبحرين وليبيا ومصر وغيرها.
عندما تحدثت الولايات المتحدة الامريكية عن إمكانية ان يجذب التدخل الروسي في سوريا المزيد من الجهاديين المتطرفين في سوريا، ليس بالضرورة ان يكون التفسير المنطقي لكلامها انها على طرف النقيض من التدخل الروسي، فالقراءة الأخرى يمكن ان تشير الى ذات "الصراعات الثانوية" للقوى المتنافسة في سوريا، والتي عبر عنها قبل أشهر، نائب الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بـ(الحلفاء) ممن يدعمون جهات إرهابية لغرض التسريع بإسقاط نظام الأسد، حتى انه (بايدن) اعتذر عن هذه التصريحات لاحقا بحجة انها لم تفسر بالشكل الصحيح.
اعتقد ان الولايات المتحدة الامريكية، تسعى منذ البداية لاحتواء هذه الصراعات وحصرها في خانة التأثير المحدود، سيما وأنها لا يمكن ان تعادي الجميع، بحسب ما درج عليه الرئيس الأمريكي، أوباما، في المنطقة، وهذا الاحتواء يمكن ان يساهم بشكل كبير في تقليل فرص نجاح المتطرفين من الاستفادة من الدعم الذي يتلقاه من أطراف مختلفة، وبالتالي تحقيقي نجاحات مهمة ضد الإرهاب العالمي.
اضف تعليق