لماذا تلجأ الجماعات المسلحة في بلداننا الى الرموز الاسلامية اعلاما، ورايات، وشخصيات، ترفعها خلفها كشعار يكشف عن طبيعة انتمائها، اكثر مما يكشف عن التوجه الفعلي لمطابقة الواقع مع الرمز؟ او لإحلال مايمثله هذا الرمز مكان الواقع كهدف لتغييره؟
السبب برأي الكاتب يعود الى ما تمتلكه تلك الرموز من شحنة عاطفية، تسهّل على تلك الجماعات استقطاب الانصار والاتباع، وهو استقطاب لا يقوم عادة على الافكار ومدى عقلانيتها، ومطابقتها لما تحمله تلك الرموز، وما تعنيه في حقيقة الامر. انه استقطاب يقوم على العاطفة المجردة والتي كثيرا ما تختزن الغضب والتسرع في الاحكام وابتسار الحقيقة دون وعي من القائمين على ذلك، ودون وعي في احيان كثيرة من الجماهير المسلمة.
واعترف ان الكثير من الجماعات المسلحة ذات الطابع الثوري، يمينية او يسارية في بلدان كثيرة من العالم، والتي ظهرت في بدايات القرن المنصرم، وحتى السبعينات منه، قد دأبت هي الاخرى على هذه الطريقة من التحشيد العاطفي لاستقطاب المؤيدين والمناصرين لها.
يمكن تأشير ملاحظة عامة على هذا الاستخدام والذي تشترك فيه تلك الجماعات، وهذه الملاحظة هي انها (هذه الجماعات) تفتقر الى الحد الادنى من المنهج الفكري الرصين والمتكامل والذي يمكن ان يفيد في تشخيص مشاكل مجتمعاتها ووضع الحلول المناسبة لها. وهذا يكاد ينطبق على جميع تلك الحركات، التي ساهمت في تفكك النسيج المجتمعي لأوساطها، ولم تتقدم خطوة واحدة تجاه الحلول المفترضة.
في مجتمعاتنا المسلمة، وبعد ظهور التنظيمات والجماعات المسلحة، والتي انضوت تحت شعار كبير هو (الاسلام) لم يقف الامر عند حد تفكيك النسيج الاجتماعي، بل انها وبسبب اعمالها العدائية ضد الجميع قد استقطبت اعداء للإسلام نفسه، كدين لا يقبل بتلك الاعمال في صميم رسالته التوحيدية، وهذا ما نشهده بوضوح من خلال حمولات العلاقة بين الاسلام والغرب، في تمثلات متقاطعة كثيرة.
وحتى بالنسبة للكثيرين من المسلمين، احدثت تلك الاعمال شرخا في التصور العام لهم تجاه دينهم الذي يدينون به، مما خلق هذا التأزم والتوتر في نظرتهم الى انفسهم والى الاخر المختلف عنهم، وهو ما يتجسد على اكثر من صعيد.
آخر الفصول في هذا الاستخدام الفج للرموز الاسلامية هو ما اظهره الشريط المصور والذي بثته احدى الجماعات المسلحة والتي عرّفت نفسها ب (فرق الموت) وهي تضع خلفها شعار (لبيك ياحسين) بعد اختطافها عددا من العمال الاتراك، الذين يعملون في مجموعة صناعية تعمل خصوصا في قطاع البناء والاشغال العامة وكذلك في الطاقة والسياحة، مطالبة عبر مسلحيها الملثمين، (ايقاف تدفق المسلحين عبر تركيا ، وتصدير نفط كردستان عبر ميناء (جيهان) والاراضي التركية، بالإضافة الى رفع الحصار عن مناطق سورية تسيطر عليها جماعة (جيش الفتح) التابعة للحكومة التركية، وقد هددت بسحق المصالح التركية في البلاد في حال عدم الاستجابة لتلك المطالب.
المطالب التي طرحتها المجموعة هي مطالب سياسية لا علاقة لها من قريب او بعيد باللافتة المعلقة خلف المسلحين (لبيك ياحسين) تكشف عن طبيعة الجهة التي تقف خلفهم، وتستعملهم بيدقا من البيادق الكثيرة في لعبة الاستحواذ والسيطرة على المشهد السياسي والامني والاقتصادي في العراق.
وهو ما حدى بالمرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني الى ادانة هذا العمل ووصفه عبر بيانه بانه (غير اخلاقي وعلى خلاف الضوابط الشرعية والقانونية وهو مدان ومستنكر جداً) لان (هذه الممارسات التي تسيء الى صورة الدين الاسلامي الحنيف ومذهب أهل البيت عليهم السلام).
استخدام العنف والارهاب لتحقيق مطالب سياسية، كان قد حرمه الاسلام، وائمة اهل البيت (عليهم السلام) تحريما شديدا، يلفت انظارنا اليه المرجع الديني الراحل الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي في كتابه (السلم والسلام) حيث يقول:
(ظاهرة العنف والإرهاب محرمة شرعاً، ومن مصاديقها القتل والغدر والاختطاف والتفجير والتخريب وما أشبه). واذا اراد المسلمون القيام بعمل رادع ضدهم، فان الردع لا يتعلق بالعنف المجرد وحده ولا يعد وسيلة ناجعة لذلك، فهناك حسب تعبيره الامام الشيرازي: (أن وسائل استخدام الردع كثيرة، ومن أهمها القوة السياسية والإعلامية والدولية والدبلوماسية).
ثم هو يصف تلك الجماعات والتي كانت موجودة في زمنه، او وهو يفترض ظهورها دائما، وكما هو الواقع الحالي، يصفها بمنتهى الصراحة بقوله: (هؤلاء لا يمثلون الإسلام وهو بريء منهم، لأنهم خارجون عن سيرة الرسول الأعظم وسيرة أهل بيته الطاهرين وما نزل به القرآن الحكيم).
اضف تعليق