هنالك تفسير آخر يمكن ان نضعه ضمن المبررات لازدياد هذه الحالات، وهو سهولة حيازة الأسلحة الفردية دون تنظيم ذلك بقانون، اذ يعاني الشارع اليوم من خلل في تطبيق اللوائح القانونية وفقدان الصوت الأعلى لسلطة الدولة التي يتوجب عليها ان تكون الحارس الأمين والوحيد على حياة الافراد...
لا تستغرب عند الخروج من بيتك ومشاهدة جثة هامدة على أحد جانبي الطريق او في احدى الساحات العامة، او في زقاق من الازقة، ففي الشهر الماضي والحالي حصل تزايد ملحوظ بحالات قتل الأشخاص دون معرفة الجناة والأسباب التي أدت الى القتل، وقد تزداد شراسة العنف المتجول هذا الذي ادخل السلم المجتمعي في دوامة القلق وعدم الاستقرار، فكيف الخلاص؟
قبل أيام من كتابة هذا المقال تناقلت العامة اخبار وجود جثة أحد الأشخاص على طريق العودة من كربلاء بتجاه بابل، وفي اليوميين التاليين، وقريب من المكان نفسه، وجدت جثة لامرأة غيرت ملامحها طريقة القتل الوحشية ولم يتم العثور على دليل يؤكد هويتها ليتم تسلمها الى ذويها.
ويستمر مسلسل الاحداث وصولا الى الحلقة الأخيرة التي قتل فيها التدريسي بكلية الطب بجامعة بابل خلال ذهابه الى العاصمة بغداد، اذ وجد مضرج بالدماء، وكما في كل مرة ترجح القوات الأمنية سبب المقتل الى نزاع عشائري، او خلافات شخصية عائلية دون التعرض الى الخلل الكبير الذي تعيشه المنظومة الأمنية لا سيما في الفترات الأخيرة.
الجرائم التي تحصل تتنقل بين المدن العراقية بصورة عامة، وتتوزع عليها يكاد بالتساوي، ولا يقتصر الامر على مدينة دون غيرها، ما يعني ان الجميع يعيشون بمستوى أمني متدن لا يمكن الاعتماد عليه في حفظ حياة الافراد ودرئ المخاطر عنهم، فعلى الرغم من اعداد القوات الأمنية المتزايد، الا انه غير قادر على منع الجريمة من الوقوع او الوصول الى الخيوط المؤدية الى مرتكبيها ومحاسبتهم.
بعد التدقيق في بعض الأسباب المعلنة وراء الحوادث المتكررة والتي تصل فيها الأجهزة الأمنية المختصة الى نتائج تحقيق، نجد اغلب الأسباب تافهة، ولا تسحق القدوم على هذا الفعل المشين، فقد يكون الخلاف يتعلق بعدم تسديد قسط من المال في ذمة أحد الأطراف، او خلاف عائلي لا يستحق الذكر مطلقا لكنه استطاع ان يكون سببا لفقدان حياة أحد الأشخاص وكهذا.
التفسير الدقيق لهذه الظاهرة او انتشار العنف بهذه الشاكلة، هو ترهل النظام الأمني وضعفه الى درجة غياب الأساليب الحديثة، لملاحقة الافراد مرتكبي الجرائم على اختلاف اصنافهم، من الرجال والنساء، وكذلك بعض الحالات التي يقوم بها الشباب والاحداث دون معرفة عواقب الاقدام على مثل هذه الجرائم.
وهنالك تفسير آخر يمكن ان نضعه ضمن المبررات لازدياد هذه الحالات، وهو سهولة حيازة الأسلحة الفردية دون تنظيم ذلك بقانون، اذ يعاني الشارع اليوم من خلل في تطبيق اللوائح القانونية وفقدان الصوت الأعلى لسلطة الدولة التي يتوجب عليها ان تكون الحارس الأمين والوحيد على حياة الافراد.
لان فقدان الامن في مجتمع من المجتمعات سيؤدي الى انهيار المجتمع بكامله، فلك ان تتصور ان افراد يعيشون في بلدة ما، ولا يعرفون متى يمد القدر يده ليخطف أحدهم، وبذلك يكون العنف قد نمى كالأشجار ساعد على غرسها التجاهل الحكومي لمثل هذه الحالات واعطاءها المجال على الانتشار بشكل أوسع.
ويعزو مختصون ان أحد الأسباب المؤدية لمثل هذه الافعال هو الازمات العالمية الصحية والاقتصادية التي ولدت أوضاع استثنائية في كل شيء، اذ وجد الفرد نفسه محاصر بكمية من المتطلبات والقيود وعليه في الوقت نفسه تجاوزها دون جدوى، فالأوضاع الاجتماعية برمتها لا تساعده على عبور المرحلة دون المرور بحالة الضغط النفسي.
ذلك يشير الى وجود مرض او خلل أصاب النظام الاجتماعي نتيجة فقدان الشعور بالاستقرار الاقتصادي، في ظل تخلي الدولة او الجهات المعنية عن مسؤوليتها تجاه المواطنين، فيما يخص خلق فرص عمل محترمة تؤمن المصروفات اليومية، وبالتالي فان من السهل وقوع الافراد الذين يعيشون تحت هذه الضغوط في حبائل الجريمة مهما كانت النتائج وخيمة، فليس لهم ما يخسرونه سوى حياتهم الرخيصة من وجهة نظرهم.
الخسائر المادية التي لحقت بالمجتمعات التي تعرضت الى الحروب وعاشت وتعايشت مع أكثر الأيام قساوة، جعل منهم اجيالا يتحكم فيها الخوف من المجهول، جراء العنف المنتشر في جميع الاتجاهات، وهذا ما يفسر تفكير بعض الافراد بالسفر وترك البلد بحثا عن راحة البال وبعيدا عن أصوات الرصاص الطائش الذي يفتك بالمئات يوميا.
وهذا الواقع الجديد فرض على الافراد النظر من زاوية مختلفة الى العالم الذي يحتاج ربما أكثر الأوقات الى ان يلتقط أنفاسه مع كمية الفوضى الشائعة فيه، محاولين الابتعاد عن مواجهة الحاضر المقلق والمستقبل الغامض، وبذلك يكون الفرد أكثر استعدادا الى الاقبال على قتل الآخر.
الخلاص الفعلي من العنف المتجول لا يحدث الا بتفعيل القانون الردعي الذي يطرد الافكار الشريرة عند اقترابها من الافراد، فعندما يعلم الشخص بالجزاء الحتمي الذي ينتظره، قد لا يفكر بالحلول الدموية ويلجأ الى القضاء لانتزاع حقوقه من مغتصيبيها، وبالنهاية نعيش بمجتمع لا مكان للقاتل المتهور فيه، القاتل الذي لا يجد لغة بديلة عن لغة الدم التي حرمتها الأعراف الدولية والقواعد الاجتماعية والشرائع السماوية كافة.
اضف تعليق