بعد مرور عشرين عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا تزال مشكلة الإرهاب قائمة، وربما يتجرأ الإرهابيون على المحاولة مرة أخرى. إذا كان الأمر كذلك فإن مهمة قادة الولايات المتحدة تتلخص في وضع استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب. ويجب أن يكون جوهرها تجنب الوقوع في فخ الإرهابيين...
بقلم: جوزيف ناي
كمبريدج ــ كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 الإرهابية صدمة مروعة. فلن تُـمحى من الذاكرة صور الضحايا المحاصرين وهم يقفزون من البرجين، وقد أصبحت التدابير الأمنية التطفلية التي اتخذت في أعقاب الهجمات حقيقة من حقائق الحياة منذ ذلك الحين.
لكن المتشككين لا يرون أن الهجمات شكلت نقطة تحول في التاريخ. فيشيرون إلى أن الأضرار المادية المباشرة التي ترتبت عليها لم تكن مُـهلِـكة للقوة الأميركية بأي حال من الأحوال. تشير التقديرات إلى أن نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة انخفض بمقدار ثلاث نقاط مئوية في عام 2001، وأن مطالبات التأمين عن الأضرار تجاوزت في مجموعها في نهاية المطاف 40 مليار دولار ــ وهذا جزء ضئيل للغاية من اقتصاد كان حجمه آنذاك 10 تريليونات دولار. وكان وقوع ما يقرب من 3000 قتيل في نيويورك وبنسلفانيا وواشنطن العاصمة، عندما حَـوَّلَ المختطفون المنتمون إلى تنظيم القاعدة أربع طائرات إلى صواريخ كروز، جزءا صغيرا من ضحايا السفر في الولايات المتحدة في ذلك العام.
برغم تقبلي لهذه الحقائق، أظن أن المؤرخين في المستقبل سينظرون إلى الحادي عشر من سبتمبر/أيلول على أنه تاريخ لا يقل أهمية عن الهجوم الياباني على بيرل هاربر في السابع من ديسمبر/كانون الأول من عام 1941. أسفر الهجوم المفاجئ على القاعدة البحيرة الأميركية في هاواي عن مقتل 2400 من أفراد القوات المسلحة الأميركية وتدمير أو إعطاب 19 سفينة حربية، بما في ذلك ثماني بارجات. لكن في كل من الحالتين، كان التأثير الرئيسي على الحالة النفسية والمعنوية العامة.
لسنوات، حاول الرئيس فرانكلين ديلانو روزفلت تنبيه الأميركيين إلى التهديد الذي يفرضه المحور لكنه فشل في التغلب على النزعة الانعزالية. ثم تغير كل هذا بعد بيرل هاربور. في الانتخابات الرئاسية في عام 2000، دعا جورج دبليو بوش إلى انتهاج سياسة خارجية متواضعة وحذر من إغراءات بناء الدولة. وبعد صدمة الحادي عشر من سبتمبر، أعلن "حربا عالمية على الإرهاب"، وغزا أفغانستان والعراق. ونظرا لنزعات كبار أعضاء إدارته، يقول بعض المراقبين إن الـصِـدام مع دكتاتور العراق آنذاك صَـدّام حسين كان متوقعا على أية حال، ولكن ليس الطريقة التي جرى بها ولا التكاليف التي ترتبت عليه.
توضح أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن الإرهاب يستهدف الحالة النفسية المعنوية وليس الأضرار المادية. إن الإرهاب أشبه بالمسرح. بفضل مؤسستهم العسكرية القوية يعتقد الأميركيون أن ما يسمى "الصدمة والرعب" يأتي من القصف المكثف. ومن منظور الإرهابيين تأتي الصدمة والرعب من الحالة الدرامية وليس عدد الوفيات الناجمة عن هجماتهم. فقد تقتل السموم عددا أكبر من الناس، لكن التفجيرات تستولي على المشاعر البصرية. وكانت الإعادة المتواصلة للبرجين المنهارين على شاشات التلفاز العالمية هي الانقلاب الذي توخاه إسامة بن لادن.
يمكننا أيضا مقارنة الإرهاب بالمصارعة اليابانية، حيث يحول الخصم الضعيف قوة لاعب أضخم منه حجما ضده. فبينما قتلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر بضعة آلاف من الأميركيين، فإن "الحروب التي لا نهاية لها" التي شنتها الولايات المتحدة لاحقا قتلت أعدادا أكبر كثيرا. الواقع أن الضرر الذي أحدثه تنظيم القاعدة يتضاءل مقارنة بالضرر الذي ألحقته أميركا بنفسها.
حسب بعض التقديرات، قُـتِـل ما يقرب من 15 ألفا من الأفراد العسكريين والمتعاقدين الأميركيين، أما التكلفة الاقتصادية فقد تجاوزت 6 تريليون دولار. أضف إلى ذلك عدد القتلى من المدنيين الأجانب واللاجئين الذين شردتهم العمليات العسكرية، فتصبح التكلفة أكثر جسامة. وكانت التكاليف المتمثلة في الفرص المهدرة أيضا ضخمة. عندما حاول الرئيس باراك أوروبا تحويل محور اهتمام الولايات المتحدة باتجاه آسيا ــ القسم الأسرع نموا في الاقتصاد العالمي ــ تسبب إرث الحرب العالمية على الإرهاب في الإبقاء على الولايات المتحدة غارقة في أوحال الشرق الأوسط.
على الرغم من هذه التكاليف، يقول بعض المراقبين إن الولايات المتحدة حققت هدفها: فلم يقع هجوم إرهابي كبير آخر على الأميركيين في عُـقر دارهم بحجم هجوم الحادي عشر من سبتمبر. وقُـتِـل بن لادن والعديد من كبار مساعديه، وأزيل صَـدّام حسين (وإن كانت صلته بأحداث الحادي عشر من سبتمبر دائما موضع شك). بدلا من ذلك، من الممكن أن تُـساق الحجج التي تثبت أن بن لادن نجح، وخاصة إذا وضعنا في الاعتبار أن معتقداته كانت تتضمن قيمة الاستشهاد على أساس ديني. صحيح أن الحركة الجهادية مفتتة، لكنها انتشرت وامتدت إلى عدد أكبر من البلدان، وعادت حركة طالبان إلى السلطة في أفغانستان ــ من عجيب المفارقات أن يحدث ذلك قبيل ذكرى الحادي عشر من سبتمبر التي حددها الرئيس جو بايدن في الأصل كموعد مستهدف لسحب القوات الأميركية.
من السابق للأوان كثيرا الآن تقييم الآثار البعيدة الأمد المترتبة على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان. لا شك أن التأثيرات المترتبة على الخروج الفوضوي مكلفة في الأمد القريب، ولكن في الأمد البعيد، قد يُـنـظَـر إلى بايدن على أنه كان محقا عندما تعهد بنبذ جهود بناء الدولة في دولة تقسمها جبال وقبائل وتوحدها بشكل أساسي معارضة الأجانب.
الواقع أن مغادرة أفغانستان ستسمح لبايدن بالتركيز على استراتيجيته الكبرى المتمثلة في موازنة صعود الصين. فعلى الرغم من كل الأضرار التي لحقت بالقوة الناعمة الأميركية بسبب الطريقة الفوضوية في الخروج من أفغانستان، فإن آسيا لديها ميزان قوى خاص بها منذ أمد بعيد، والذي بمقتضاه لا ترغب دول مثل اليابان والهند وفيتنام في الخضوع لهيمنة الصين وترحب بوجود أميركي. عندما نضع في الحسبان أن الولايات المتحدة، في غضون عشرين عاما من الخروج المؤلم من فيتنام، أصبحت موضع ترحيب في ذلك البلد وكذا في المنطقة، يتبين لنا أن استراتيجية بايدن منطقية في الإجمال.
من ناحية أخرى، بعد مرور عشرين عاما على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، لا تزال مشكلة الإرهاب قائمة، وربما يتجرأ الإرهابيون على المحاولة مرة أخرى. إذا كان الأمر كذلك فإن مهمة قادة الولايات المتحدة تتلخص في وضع استراتيجية فعالة لمكافحة الإرهاب. ويجب أن يكون جوهرها تجنب الوقوع في فخ الإرهابيين من خلال إلحاق ضرر عظيم بأنفسنا. ويجب أن يخطط القادة لإدارة الصدمات النفسية في الداخل والخارج.
تخيل كيف كان العالم ليبدو لو تجنب بوش صرخة الحشد المغرية لحرب عالمية على الإرهاب واستجاب لهجمات الحادي عشر من سبتمبر بضربات عسكرية منتقاة بعناية مقترنة بعمليات استخباراتية ودبلوماسية جيدة. أو لو ذهب إلى أفغانستان على أية حال، فتخيل لو أنه انسحب بعد ستة أشهر، حتى ولو انطوى ذلك على التفاوض مع حركة طالبان الوضيعة.
بالنظر إلى المستقبل، عندما تأتي الهجمات الإرهابية التالية، فهل يتمكن الرؤساء من توجيه مطالبة عامة الناس بالثأر من خلال الاستهداف الدقيق، وشرح الفخ الذي ينصبه الإرهابيون، والتركيز على خلق المرونة في الردود الأميركية؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرحه الأميركيون، والذي يتعين على قادتهم أن يعكفوا على الإجابة عليه.
اضف تعليق