أثار تسليم قوات سوريا الديمقراطية، 250 إرهابياً ينتمون إلى تنظيم (داعش) إلى العراق ريبة شديدة، إضافة إلى تساؤلات عديدة سياسية وقانونية واجتماعية، خصوصاً وإن بعضهم يحمل الجنسية الفرنسية، أولها- لماذا لا يتم تسليمهم إلى فرنسا والبلدان التي يحملون جنسيتها؟ من أوعز بذلك؟ وثانيها- كيف تمّ تجنيدهم....

أثار تسليم "قوات سوريا الديمقراطية"، 250 إرهابياً ينتمون إلى تنظيم (داعش) إلى العراق ريبة شديدة، إضافة إلى تساؤلات عديدة سياسية وقانونية واجتماعية، خصوصاً وإن بعضهم يحمل الجنسية الفرنسية، أولها- لماذا لا يتم تسليمهم إلى فرنسا والبلدان التي يحملون جنسيتها؟ من أوعز بذلك؟ وثانيها- كيف تمّ تجنيدهم وإيصالهم إلى الساحات الساخنة؟ وثالثها- ماذا ينتظرهم وأي مصير لأطفال الدواعش؟ وكان "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى " قد أصدر في أواخر العام 2018 دراسة مهمّة أعدّها هارون.ي. زيلين وقدّم لها جاكوب واليس السفير الأمريكي السابق في تونس، تتعلّق بملف الإرهابيين في تونس الذين انخرطوا في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

وعلى أهمية الدراسة والمعلومات التي احتوت عليها إلّا أنها لا تفرق بين "الجهاد" كمصطلح فقهي وله شروطه في الإسلام وبين "الإرهاب"، فتسمّي الجماعات الإرهابية بــ (التيار الجهادي)، ولا يخفى ما لهذه التسمية من معانٍ ودلالات سياسية وحمولة أيديولوجية، وسواءً كان الأمر قصوراً في الفهم أم إغراضاً، إلا أن ما يترتّب على ذلك من استنتاجات ستكون خاطئة، بل وخطرة أيضاً، بمعناها الأكاديمي والعملي، حيث يصبح ما هو مقاوم من أجل حقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة العادلة " جهادياً" بمعنى "إرهابياً".

وقد استخدم بعض الباحثين العرب مثل هذا المصطلح دون تدقيق، وهو ما سبق وأن أشرتُ إليه في تقريضي لكتابي فواز جرجس، الأول- القاعدة الصعود والأفول (2012) والثاني- داعش إلى أين؟ جهاديو ما بعد القاعدة (2016) وذلك في معرض تعقيبي على بحثه المقدّم إلى "مركز دراسات الوحدة العربية" بتاريخ 15/9/2017 وعلى أهمية الكتابين وغزارة المعلومات التي وردت فيهما، إلّا أن علينا أن نقرأ ما يقدمه "الغرب" من معطيات مفيدة ومهمة، من زاوية نقدية وبتمحيص شديد، كي لا يحدث مثل هذا الخلط أو الالتباس.

يقسّم والش مراحل الإرهاب في تونس إلى أربعة وهي تنطبق على العالم العربي، المرحلة الأولى اتّسمت بـالتساهل ، وخصوصاً بعد انهيار الشرعية القديمة وعدم استكمال وترسيخ الشرعية الجديدة في البلدان التي حصلت فيها هبّات شعبية، حيث نشطت بعض الجماعات الإسلامية، فوجدت القوى الإرهابية المجال مفتوحاً أمامها.

أما المرحلة الثانية فقد امتازت بـ "الإدراك لخطورة الأوضاع"، وحينها حاولت بعض الحكومات التصدّي للظاهرة الإرهابية، لاسيّما بعد أن فقّس بيض الإرهاب في العراق وامتدّ إلى العالم العربي. أما المرحلة الثالثة فيطلق عليها "المواجهة الشاملة"، ولاسيّما الأمنية التي شهدت تعاوناً مع الولايات المتحدة وعدداً من الدول الغربية لمكافحة الإرهاب الدولي، وتستمر المرحلة الرابعة المتداخلة إلى الآن وهي بحاجة إلى وسائل أخرى غير الحل الأمني.

ويعود الملف الإرهابي في العالم العربي إلى "العرب الأفغان" الذين وجدوا الظروف مؤاتية بعد احتلال العراق العام 2003 بشكل خاص، حيث نما تنظيم القاعدة وتعاظم خطره وفرّخ تنظيم داعش وأخواته، لاسيّما بعد العام 2011 عقب ما أطلق عليه "الربيع العربي"، حيث نشطت هذه الجماعات في ليبيا وسوريا واليمن وتونس ومصر والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان والأردن وغيره من البلدان العربية والإسلامية، وكان ذروة المدّ الإرهابي حين تم اختيار " مدينة الرقة" عاصمة لدولة الخلافة، ولاسيّما بعد احتلال الموصل في 10 يونيو(حزيران) 2014.

جدير بالذكر إن عدداً من الإرهابيين يمتلك جنسية أخرى وقدِم بعضهم من فرنسا وألمانيا والدانمارك والسويد والنمسا وهولندا وبريطانيا وبلدان عربية وآسيوية أخرى، وكان بعضهم قد عاصر الحرب في أفغانستان في الثمانينات، وبعضهم الآخر شهد الحرب على العراق العام 2003 ولاسيّما بعد قيادة أبو مصعب الزرقاوي وامتاز بعض الإرهابيين بكفاءات لوجستية عبر "شبكات تسفير دولية" مثل أبو عمر التونسي واسمه الصريح "طارق الحرزي"، حيث يتم نقل المقاتلين عبر تركيا .

وحسب الدراسة المشار إليها كان يوجد نحو 30 تونسياً في سنجار قبل وصول تنظيم داعش، بعضهم أوكلت إليه مهمات إعلامية وأمنية، وكان أبو عبد الرحمن التونسي أميراً على "الرقة"، واستطاع تجنيد العشرات من التونسيين والتونسيات، واشتهرت أم ريان في "لواء الخنساء" من النساء، كما تم تزويج بعضهن من مقاتلين.

وتكشف الوقائع عجز المعالجة الأمنية من التصدي للإرهابيين، على الرغم من الضربات الموجعة التي تعرّض لها تنظيم داعش في العراق وبعده سوريا، الأمر الذي يحتاج إلى معالجة اقتصادية واجتماعية وفكرية وثقافية وتربوية ودينية وأخلاقية لاجتثاث ظاهرة التعصّب ووليده التطرّف والعنف والإرهاب. وإذا كان ثمة ما تيسّر فيوجد ثمة ما تعسّر ، وإذا أردنا فكّ الألغاز الإرهابية، بما فيها إعادة الإرهابيين إلى بلدانهم وليس تسليمهم إلى بلدان أخرى، فلا بدّ من وضع استراتيجية شاملة ومتعدّدة المديات خارج دائرة ردود الفعل، بالاعتماد على العقل وعدم الانسياق وراء مشاعر الغضب وفي إطار تعزيز حكم القانون ومبادئ المواطنة والمساواة وتشجيع قيم التسامح والسلام واللّاعنف وحقوق الإنسان.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق