ان الاستهداف من الطرف المقابل لن يأتي الى الجهة المتقاعسة، او لنقل بعبارة أوضح؛ الجهة غير الحريصة على الاسلام، في حاضره ومستقبله، وإنما سيشمل الامة بشكل عام. فالمسجد، او الحسينية، او الانسان المسلم، جميعهم لهم قدسية وحرمة، كما هي حرمة القرآن الكريم، وحرمة النبي الأكرم....
من أقصى نقطة في العالم، حيث تقع نيوزلندا، هذه الجزيرة الوادعة في القارة الاقيانوسية الى جانب استراليا في المحيط الهادئ، تنطلق رسالة دموية الى العالم الاسلامي، مثل النصل الحاد، وبشكل مفاجئ وهي تحمل دلالات عدّة تفوق ظاهرها العنيف والقاسي؛ فكل شيء في مجزرة صبيحة يوم الجمعة الماضي، يؤكد الإعداد المسبق للهجوم المسلح على المسجدين، لاسيما اختيار مكان المسجدين والبلد تحديداً، وعدم اختيار استراليا –مثلاً- وهي الأقرب، والأكثر في وجود النشاطات والفعاليات الاسلامية منذ زمن بعيد، بل وأن منفذ العملية هو استرالي الجنسية والمولد. مما يكشف حرص الداعمين خلف الستار على تحقيق أكبر نسبة من النجاح في هذه المجزرة، وعدم وجود ما يعيق الارهابي من تنفيذ ما خطط له سلفاً، وإزهاق أكبر عدد من الممكن من الارواح داخل المسجدين في مدينة.
وبغض النظر عن الدوافع الحقيقية لهذا الارهابي فيما ارتكبه من مجزرة راح ضحيتها خمسين شهيداً وعدد كبير من الجرحى بنيران اسلحته، ومن يكون صاحب الفكرة، والتخطيط، والاسناد، إنما الذي يهمنا قضية محورية وهي؛ الوجود في هذا النوع من المعركة الحضارية القائمة منذ عقود من الزمن، وهي اعتداء سافر جديد في مسلسل الاعتداءات التي تطال المسلمين في بقاع أخرى من العالم على يد جماعات او حكومات تمارس الاضطهاد والقمع ضد المسلمين ومن الطوائف كافة، مما يستدعي التفكير مليّاً ليس في الرد على هذه الاعتداءات، وإنما التخطيط لتفادي وقوعها او على الاقل التقليل منها.
مثلاً؛ مسجد النور الذي تعرض للهجموم المسلح، هل يختلف عن أي مسجد آخر في مصر او العراق او ايران او السعودية او لبنان، او أي بلد اسلامي آخر. انه جزء من جسد الامة يفترض انه "اذا شكى تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى"، حتى وإن كان يبعد عنّا آلاف الكيلومترات، بيد انه لم يكن كذلك، بحيث سهل المهمة الى الارهابي لأن يدخل الى المسجد كما لو انه مكان مهجور. وما يثير الغرابة في الحادث –من جملة استفهامات مثيرة- أن الحادث يقع يوم الجمعة، حيث المصلين يستعدون لأداء صلاة الجمعة.
فكم منّا له معلومات عن هذا المسجد قبل ان يقفز الى الاضواء بسبب الهجوم الارهابي؟ وهل نحن بحاجة الى دائماً الى اعتداءات من هذا النوع لنبحث عن مساجدنا وحسينياتنا حول العالم لنتعرف عن تاريخ إنشائها وما تحتويه من اقسام وتقدمه من نشاطات وفعاليات، لنذرف الدمع ونشجب ونستنكر؟!
حتى كتابة هذه السطور، فان غير المسلمين فعلوا كل شيء –تقريباً- إزاء الوجود الاسلامي في نيوزلندا، بدءاً من الرجل الارهابي الذي نفذ جريمته بدم بارد، مع تصوير للحظات القتل المروع وبث مباشر على فيسبوك، وايضاً لقطات "سيلفي" للذكرى! وفي الجانب الاجتماعي الآخر؛ حيث الاستنكار من الجهات الرسمية، وشخص رئيسة الوزراء، وايضاً شرائح المجتمع النيوزلندي، من نساء ورجال، وحتى أطفال صغار، جاؤوا بالورد الى أسواق المسجد، ومساجد اخرى إعراباً منهم عن مشاعر الحزن والتضامن، بل وجاء وفدٌ من السكان الأصليين في هذه الجزيرة ليعربوا عن امتعاضهم من وقوع هذه الجريمة الوحشية على أرضهم الوادعة والآمنة طيلة قرون من الزمن. هذا فضلاً عن بيانات التنديد والاستنكار حول العالم. ولكن! ماذا عن المسلمين، وهم اكثر من مليار انسان في العالم؟
في مقابل هذه الرسالة الدموية التي تتحدث عن "الغزاة" كناية بالمسلمين الذين فتحوا البلاد في العالم في القرون الماضية ونشروا الاسلام في مشارق الارض ومغاربها، ينبغي توجيه رسالة أكثر دوياً تتضمن فيما تتضمنه أمرين اساس:
الاول: الوحدة والتماسك فيما بين المسلمين في كل مكان بالعالم بأي شيء يحصل لهم، سواءً أخطأوا او أصابوا، او حققوا الانجازات والمكاسب، أو تعرضوا لكبوات ومحن.
ولنفترض، كما يفترض عدد من المتابعين والمهتمين، بأن مسجد النور في نيوزلندا، كان أسوة ببعض المساجد في البلاد الاسلامية التي تقام فيها برامج لنشر التطرف والارهاب والتكفير، بيد أن هذا لن يكون –باي حال من الاحوال- مبرراً لأن يكون هدفاً لمجزرة مريعة كالذي حصل، بل حتى قتل انسان مسلم متهم بعمل ارهابي في الشارع بأي مكان بالعالم، ليكون للقضاء مكانته، وايضاً لاصحاب الحق والدماء مكانتهم ايضاً.
يكفي أن نلاحظ حرص القضاء النيوزلندي على إخفاء وجه الارهابي في وسائل الاعلام، وهو يدخل قاعة المحكمة مخفوراً، وهو غير مستنكر لما هو عليه، بل وفخورٌ بما قام به، بيد ان قاضي المحكمة يقول، ما مضمونه: "حتى يتبين الحق"! فرغم ما حصل من إراقة دماء ويتم اطفال وآلام ودموع، فان قاضي لا يستعجل إعطاء الحق للمسلمين –مثلاً- او عدّ الشخص الذي يقود اثنان من الشرطة أمامه بأنه مجرم وسفّاح، كما نعده نحن.
إن رسائل "الوحدة الاسلامية" لن تفيد كثيراً في قالب التظاهرات الجماهيرية في مدن العالم وهي تندد بهذه الجزيمة، او تلك الاساءة وغير ذلك، بقدر ما هي سلسلة من الاجراءات والفعاليات عبر العالم، انطلاقاً من المساجد والحسينيات والمؤسسات الثقافية والاجتماعية تبين للرأي العالم في بلاد المهجر بان المسلمين هم كما وصفهم النبي الأكرم؛ كالجسد الواحد، وليسوا أجساد وكيانات مستقلة.
أما الرسالة الثانية: فهي السلام، ولكن؛ ليست الاستسلام، إنما الامن والاستقرار وتبيين مصاديقه العملية في الواقع الاجتماعي والسياسي وحتى الاقتصادي، استناداً الى التجارب العملية في تاريخنا، وكيف يتوفر هذا الامن والاستقرار في هذه الميادين، وهذه مهمة ليست بالسهلة، فهي بحاجة الى منهج وتخطيط وتنفيذ دقيق يقوم به المعنيين من العلماء والخطباء والكتاب والمثقفين. فاذا حصل التقاعس او التباطؤ او الإهمال في هذا المجال، ولأي سبب كان، فان الاستهداف من الطرف المقابل لن يأتي الى الجهة المتقاعسة، او لنقل بعبارة أوضح؛ الجهة غير الحريصة على الاسلام، في حاضره ومستقبله، وإنما سيشمل الامة بشكل عام. فالمسجد، او الحسينية، او الانسان المسلم، جميعهم لهم قدسية وحرمة، كما هي حرمة القرآن الكريم، وحرمة النبي الأكرم، وأهل بيته،عليهم السلام. وهذا ما يجب ان يفهمه الغرب.
اضف تعليق