أثارت مناقشة ملف الأطفال «مجهولي النسب»، انقساماً بين السوريين، بين من يعد الملف يتمثل ببعد إنساني ووطني، ومن ينظر إليه نظرة ازدراء وشك، وهناك من يعده ملفاً سياسياً، ويريد التعامل معه عبر إشراك أوروبا، وتشترك جهات اجتماعية ودينية وسياسية وبرلمانية ومدنية وحقوقية وقانونية بمناقشة هذا الملف المعقّد والشائك، ليس على صعيد أوضاع الماضي؛ بل على صعيد أوضاع المستقبل، والأمر بقدر ما يخصّ سوريا، فهو يعني بلداناً أخرى إقليمية أو أوروبية...
أثارت مناقشة ملف الأطفال «مجهولي النسب»، انقساماً بين السوريين، بين من يعد الملف يتمثل ببعد إنساني ووطني، ومن ينظر إليه نظرة ازدراء وشك، وهناك من يعده ملفاً سياسياً، ويريد التعامل معه عبر إشراك أوروبا، وتشترك جهات اجتماعية ودينية وسياسية وبرلمانية ومدنية وحقوقية وقانونية بمناقشة هذا الملف المعقّد والشائك، ليس على صعيد أوضاع الماضي؛ بل على صعيد أوضاع المستقبل، والأمر بقدر ما يخصّ سوريا، فهو يعني بلداناً أخرى إقليمية أو أوروبية.
وعلى الرغم من أن قضية «مجهولي النسب» مشكلة قائمة في العديد من البلدان العربية، إلّا أن الملف السوري ل«مجهولي النسب» ينصرف إلى «داعش» و«عمليات السبي»، التي حلّلها «الداعشيون»، وبيع النساء في سوق النخاسة وغير ذلك، والأمر يشمل المتطوعين الأوروبيين، ولاسيّما من النساء، والولادات التي شهدتها مقرّات إقامة «الدواعش»، وخصوصاً حيث مقرّ ما سُمي ب«الخلافة» في الرقة وغيرها من المناطق.
و«مجهولو النسب»؛ هم الأطفال المولودون من أم معلومة وأب مجهول أو غير معلوم، سواء كان «أجنبياً» أم من ذات الجنسية، ولا تتيح معظم القوانين العربية منح الجنسية للأولاد من أب مجهول، وإن كان بعضها بما فيها القانون السوري يشترط توفر شروط وآليات قانونية وأحكام خاصة. وحسب بعض المعلومات المتوافرة، فإن عدد الأطفال من «مجهولي النسب» من زيجات أو علاقات جنسية ل«الدواعش» يبلغ 300 طفل، وهناك من يقول، إن عددهم قد يصل إلى نحو 2000، وهؤلاء يحتاجون إلى إيواء في دور أيتام أو إلى دور حضانة برعاية الأمهات، فضلاً عن خصوصية التعامل معهم، ولاسيّما في الكبرْ.
ومن الناحية القانونية، يختلف الأطفال من «مجهولي النسب» عن «المكتومي القيد» الذين يُعرف آباؤهم وأمهاتهم أو من آباء وأمهات معروفين؛ لكنهم لا يحملون الجنسية السورية، وإن ولدوا في سوريا مثل أبناء الجماعات «الداعشية» المسلحة.
وبعيداً عن الجوانب القانونية والحقوقية، فإن هناك جانباً إنسانياً واجتماعياً يحتاج إلى معالجة، ولاسيّما وأن هؤلاء الأطفال قد ولدوا في مناطق النزاع المسلح، ويحتاج هذا الملف إلى تسوية؛ لأنه من تداعيات الأزمة السورية. ويتوزع بعضهم على مخيّمات الرقّة أو قرب الحدود التركية، وأعمارهم لا تتجاوز ال 6 أعوام، وهم سيحتاجون إلى مدارس ورعاية صحية وكل ما يحتاج إليه الأطفال، علماً بأن بعض الأطفال لم يصرّح بهم، ولعل ذلك يحتاج إلى تدخل من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وخصوصاً من منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسيف».
طرحت موضوع الأطفال من «مجهولي النسب» لمناسبة اليوم العالمي للقضاء على العنف الجنسي، الذي صادف في شهر (يونيو/حزيران)، والذي يتعلّق بحالات النزاعات المسلحة، ومن المقرر الاحتفال هذا العام بهذا اليوم تحت عنوان «حقوق الأطفال المولودون في الحرب والمأزق الذي يتعرضون له».
جدير بالذكر أنه في 19 يونيو/حزيران العام 2015، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد قرّرت اعتبار هذا اليوم من كل عام يوماً عالمياً للقضاء على العنف الجنسي في حالات النزاع، وقد خصصته للتوعية من أجل وضع حدٍّ للعنف الجنسي المرتبط بالنزاعات المسلحة، وتعويض وتكريم ضحاياه، ولعلّ أكثرهم ضرراً هم الأطفال الذين ستظل الحرب تلاحقهم؛ باعتبارهم من مجهولي النسب، وهو عنف معنوي وأدبي سيبقون يجترحونه طيلة حياتهم. وكان مجلس الأمن الدولي قد أصدر القرار رقم 1820 في 19 يونيو/حزيران العام 2008 وندّد فيه بالجماعات الإرهابية التي تستخدم العنف الجنسي كأسلوب من أساليب الحرب؛ لإذلال المدنيين وخصوصاً النساء والأطفال.
وحسب تعريفات الأمم المتحدة، فإن العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات المسلحة هو الذي يتخذ أشكالاً متعدّدة؛ مثل: الاغتصاب والاستعباد الجنسي والدعارة القسرية والحمل القسري والإجهاض القسري والتعقيم (من العقم) القسري والزواج القسري وأي شكل من أشكال العنف الجنسي المماثلة. ولعلّ مثل هذه الأساليب في ترويع السكان المدنيين كانت قد استخدمت في النزاعات المسلحة كجزء من الأعمال والتكتيكات العسكرية؛ لإخضاع الخصم أو العدو وتحت ذرائع عرقية أو دينية أو سياسية أو غير ذلك، بالضد من اتفاقات جنيف الأربع لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1977، الأول الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة، والثاني حماية ضحايا المنازعات المسلّحة غير الدولية، علماً بأن آثار العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات المسلحة تمتد عبر الأجيال؛ حيث تشمل الأطفال ممن يسمّون ب«مجهولي النسب» أو «أصحاب الدماء الخبيثة» أو «أطفال العدو» وتنبذهم المجتمعات، فيتحولون إلى مادة للانتقام من وضعهم الاجتماعي ويكونون بؤرة للإرهاب؛ لذلك يقتضي احترام قواعد القانون الدولي الإنساني والاتفاقات والمعاهدات الدولية ذات الصلة، مع ضرورة توعية المجتمعات بمخاطر ذلك، ناهيك عن الجانب الإنساني، فهؤلاء لا ذنب لهم، ويتطلب الأمر ملاحقة المرتكبين، وإنزال أقسى العقوبات بهم؛ نظراً لفداحة الجرائم التي ارتكبوها.
اضف تعليق