بعض الدول الكبرى عسكرياً في العالم تشعر بحاجة شديدة الى تجديد قوتها العسكرية بالخبرات والتجارب الحديثة علوم القتال والحرب، وبموازاة ذلك؛ تحديث سلاحها والتحقق من الكفاءة والنجاح في تحقيق الاهداف المرسومة، واحياناً، نلاحظ اندلاع حروب ومعارك دون اسباب حقيقية او واقعية، إنما هي محاولات لاختلاق العدو لمهاجمته ثم الانتصار عليه، كما حصل في تجربة الولايات المتحدة مع ما يُسمى بـ "الارهاب"، خلال حروبها المتوالدة؛ من افغانستان، ثم العراق، ثم سوريا.
ويبدو ان الجماعات الارهابية والتكفيرية تطبق نفس النظرية عندما تفتح نيرانها على المدنيين العزل وترتكب مجازر مريعة تحصد العشرات من القتلى والجرحى، كما حصل يوم الجمعة الماضي في مسجد الروضة بشمال سيناء، وقتل 305 شخصاً بينهم 27طفلاً إضافة إلى 128 جريحاً لدى تعرضهم، وهم يؤدون صلاة الجمعة، الى وابل من الرصاص من مسلحين ملثمين اقتحموا المسجد، قبل أن يفجروا عبوة ناسفة بين المصلين ويفجروا سياراتهم خارج المسجد، إمعاناً بالدموية، وحتى لا يتمكن الناس من نقل المصابين الى المستشفى.
التقارير الصحفية ذكرت في حينها خلفية للخبر، بان الهجوم استهدف جماعة صوفية تنتمي على احدى القبائل المصرية شمال سيناء ومعروفة بولائها للحكومة المصرية ومشاركتها القوات المصرية في ضرب الجماعات التكفيرية، ومنها "داعش".
وربما يكون هذا احد الدوافع وراء ارتكاب هذه المجزرة الرهيبة التي استوقفت المراقبين والمتابعين لبشاعتها غير المسبوقة في تاريخ مصر، بيد أن استهداف المصلين بهذه الطريقة والتخطيط لهجوم بهذا الشكل الواسع، تقف خلفه دوافع اكبر، فتنظيم داعش اصبح اليوم أشبه بالفأر المطارد والمطلوب للموت في أي لحظة، بعد ان يهدد استقرار وأمن بلاد وشعوب عدة في المنطقة، و ربما لم تبق سوى بقاع محدودة من الارض يرتفع فيها علم داعش، بعد الانتصارات الكبيرة للقوات العراقية والقوات السورية وتقليص مساحة هذا التنظيم، وفي مصر ايضاً، فان عناصر هذا التنظيم لم يتمكن من إثبات وجوده على الارض وتحديداً في سيناء، حيث ظهر هذا التنظيم تحت مسمّى "ولاية سيناء"، وقد توجهت اصابع الاتهام عناصر هذا التنظيم التكفيري في مسؤوليتها عن مجزرة مسجد الروضة، رغم عدم تحمله المسؤولية بشكل علني.
تجربة العراق والاستدراج الى ساحة الدم
من جملة الكلمات التي نطق بها ابو مصعب الزرقاوي في ايامه الاولى لبدء عملياته الارهابية في العراق، أن "لديه مشكلة مع الشيعة، وهي عدم قتالهم الاميركان"! فهو الاردني الهارب من بلده، والقادم من افغانستان والمتخرج من مدارس التكفير والارهاب، يريد تعليم العراقيين كيفية محاربة الاميركان والوجود العسكري الاجنبي، وبدلاً من ان يقاتل الاميركيين ويركز عملياته ضدهم، فانه وظف طاقات وقدرات تنظيم القاعدة لتنفيذ اعتداءات ارهابية غاية في الوحشية والقسوة ضد المدنيين؛ من كسبة في الاسواق وطلاب مدارس ومصلين في المساجد وايضاً زائرين لمراقد الأئمة المعصومين، عليهم السلام.
ان الاستدراج الى ساحة المواجهة الدامية كان واضحاً من نمط العمليات الارهابية ضد المدنيين، فقد كانت توجد جروحاً غائرة في قلوب ذوي الضحايا، لانهم يجدون ابنائهم فجأة يتحولون الى أشلاء في الشوارع والاسواق دونما خطأ ارتكبوه او حتى لديهم صلة بالجهات الحكومية، لذا فان تنظيم الصفوف للانتقام كان الرد الأمثل عند البعض على اعتداءات جبانة ووحشية كالتي وقعت طيلة سنوات منذ سقوط نظام صدام.
وعليه؛ شهد الجميع كيف ان دماءً تسيل في المناطق الشيعية، ثم تسيل مثلها في المناطق السنية في بغداد ومناطق اخرى ذات تركيبة سكانية مشتركة، مما وصف بنوع من التصفيات الطائفية، وقد أدى الاعلام دوراً كبيراً في إذكاء روح الصراع الطائفي، وتسليط الضوء على الاغتيالات والانفجارات والاختطافات بدعوى أنها مصاديق لـ "حرب طائفية" حقيقية يشهدها العراق لا مجال لإنكارها.
وقد بلغ الاستدراج أوجه في الاعتداء الآثم على مرقد الامامين العسكريين في سامراء في شباط عام 2006، وتفجير المرقد الشريف وهدم القبة والمأذنتين، وهو الذي فتح الباب واسعاً لاندلاع حرب أهلية حقيقية أريد لها ان تستمر لسنوات، بيد ان حكمة الشيعة وعمق فكرهم ورؤيتهم الخاصة للاحداث، حصنتهم من الوقوع في هذا الشرك الرهيب، وتم تطويق وتحجيم ردود الفعل هنا وهناك حتى لا تتحول الى حالة عامة يتبناها المجتمع الشيعي بشرائحه الاجتماعية وقيادته المرجعية.
هل جاء دور المتصوفة؟
معروف عن المتصوفة توجههم المركز على الروحانيات ومحاولة التقرّب الى الله-تعالى- بالطرق والوسائل التي يرونها صحيحة، ولا شأن لهم بالصراعات الطائفية من تكفير وتقويم وتصحيح، وقد اتفق العديد من الباحثين على أنهم ليسوا بطائفة او مذهب، بقدر ما هم يمثلون توجهاً فكرياً امتد مع الزمن منذ الحسن البصري الذي عاصر الامام علي، عليه السلام، ولكن هذا لا يعني ان يكونوا بمأمن من مبدأ الحرب والقتال الذي يغذي وجود جماعات ارهابية وتكفيرية مثل "داعش" ومن قبلها؛ تنظيم القاعدة في العراق.
وقد بدأ داعش حملته الاستفزازية والاستدارجية لهذه الجماعة بتصريح نقل عن احد قادة هذا التنظيم يدعو الصوفيين في مصر الى التوبة وإلا فان مصيرهم الموت! وكان اثنين من شيوخ الصوفية ضحية أولى لهذه الحملة عندما تعرضوا للخطف ثم القتل في سيناء في وقت سابق من هذا العام، والرسالة واضحة: "إما ان تكون معنا او انت عدونا".
وبذلك تضمن داعش وجودها في الساحة وأنها تمثل الجهة الوحيدة في الامة التي تقوّم عقيدة المسلمين مهما كان الثمن، وأن التكفير والتصفية الجسدية من حقها؛ اليوم وفي قادم الايام، لاسيما وأن الظروف الموضوعية في الساحة تسمح بانتشار الفكر التكفيري في البلاد الاسلامية وفي العالم أجمع.
اضف تعليق