الإرهاب كظاهرة دموية مرعبة يطال المدنيين في أغلب دول العالم، خضع للعديد من الدراسات التحليلية (الإجتماعية، النفسية، الإقتصادية)، وكادت أن تتفق بمجملها على أن الجهل، والإنغلاق الحضاري والديني، والفقر، والميول الإجرامية، عوامل أساسية في تكوين الظاهرة الإرهابية، لدى أعضاء الجماعات الإسلامية القتالية في رفضها المتوحش للعوالم الحضارية، والدينية، والإنسانية، غير المنتمية لمسلمات الجماعات الإرهابية.
بل أنه الفعل الإجرامي الأبرز حضوراً منذ إنهزام الفاشية الإيطالية، والنازية الألمانية، مع إعلان دول الحلفاء النصر في الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، لكن ثمة جانب آخر يتعلق بموضوع الإرهاب، يتمثل بالتساؤل الآتي ما الذي يجعل مجموعة من الأفراد، قد ينصهرون في جماعة دينية، وسياسية (تنظيم، جماعة، حركة، خلايا)، يتخذون من أسلوب القسوة وأقصى أنواع العنف (الإرهاب) وسيلة في إيصال ما يريدون؟
إذا ما أخذنا بالحسبان أن التركيب الهرمي للجماعات الإسلامية الإرهابية ــ التكفيرية، منذ إنشقاق جماعة الجهاد والهجرة المصرية عن الإخوان المسلمين في أوائل السبعينيات، وحتى إنشقاق تنظيم داعش عن تنظيم القاعدة في منتصف عام 2013، قد يكون هذا التركيب الهرمي بعيداً عن حالات الفقر والعدمية الإجتماعية، بل أن أغلب قيادات وأعضاء الجماعات الإرهابية يصنفون على الطبقة الوسطى، وعدد كبير منهم أبناء رجال أعمال، كما هو واقع أسامة بن لادن وآخرين أبناء شرائح إجتماعية متقدمة كأيمن محمد الظواهري زعيم تنظيم القاعدة الحالي، كان يعمل طبيباً وأبوه أبرز جراح مصري آنذاك، والعديد منهم من تلقى تعليمه في جامعات غربية مرموقة وأتقنوا برمجيات متطورة في علم الإلكترونيات، إضافةً إلى قسم كبير منهم درس في جمعيات ومساجد محلية وخارجية مع تصاعد حركة التبشير بالإيديولوجيا السلفية الوهابية إلى جانب طرق التلقين في معاهد وكليات العلوم الشرعية في أوطانهم الأم.
وعليه فإن العامل الإقتصادي لا يشكل كل المشكلة في بروز ظاهرة الإرهاب، بل أن هناك ما هو أكثر تأثيراً في الإندفاع الإرهابي تجاه المجتمعات، كوسيلة إحتجاجية بدائية، تتلبس فيها قيم الخشونة العربية مع التلقينات الفقهية النصية الإقصائية، والإدعاء باحتكار الحق، وإقامة حكومة الشريعة، كادعاءات تحاول فيها الجماعات الإرهابية إيجاد شرعية دينية، تغمي بها كيان الجماعة المتقاربة عقائدياً وفقهياً في بلاد العالم العربي ـ الإسلامي الخاضعة في الغالب لحكم المستبد وسطوة إرادته ومكره.
والإستدلال على ذلك من خلال عينات من أبرز الجماعات الإرهابية رغم أن الفقه التقليدي السني لا يبيح الإحتجاج المسلح ضد الحاكم، لكن الجماعات الإسلامية القتالية خالفت المشهور في الفقه السني، مثلاً جماعة الجهاد والهجرة المصرية اغتالت أنور السادات الرئيس المصري آنذاك، مثلما كفرت وقامت بأعمال عنف أيضاً تجاه المجتمع المصري، كحالة إحتجاجية بطريقة عنيفة لأن النظام المصري وقع معاهدة سلام مع إسرائيل، كما أن عينة جماعة القاعدة المعروفة بعد تمكينها في القتال ضد الروس في آواخر سنوات الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي سابقا، ومن ثم وقوفها ضد الولايات المتحدة الأمريكية بعد حرب الخليج، وكل الأنظمة والمجتمعات العربية، فيما توصفه هذه الجماعة في الحرب على الصليبين والمجتمعات المرتدة في إشارة إلى المجموعات الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية كما مدون في: نصوص، وكتيبات هذه الجماعة، ومصادرها: الفقهية، والفرقية، وخطاباتها، وسلوكياتها.
الإحتجاج الآخر مثلته الجماعات المتفرعة من تنظيم القاعدة كجماعة الجهاد والتوحيد بزعامة الزرقاوي، وتنظيم داعش بزعامة أبو بكر البغدادي، بعد تغيير النظام الإستبدادي في العراق، وما أثاره من تداعيات إنتقال السلطة السياسية بآليات النظام الديمقراطي التي تعتبرها هذه الجماعات حكم بما لم ينزل الله ومصادرة حاكميته على الناس، لذا عملت هذه الجماعات أيضاً على إفساد الديمقراطية إلى جانب مسببات أخرى، عبر إثارة النعرات الطائفية والتقسيم الجغرافي المكوناتي في محاولة من قبل هذه الجماعات إلى إذكاء نار الحرب الأهلية فيما بين العراق بوسائل إحتجاجية دموية مدانة من تفجيرات إنتحارية تحصد بأرواح المدنيين بالعشرات يومياً في الطرقات، والأسواق، والمدارس، والجامعات، وقرب المستشفيات، ودور العبادة، من أجل تزعم هذه الطائفة في قبال ما يعدونه وجود سلطة سياسية للطوائف والمكونات الأخرى. و
يمكن تلمس هذه بالرعب والإرهاب الذي مارسته جماعة الجهاد والتوحيد، ومن ثم تنظيم داعش الإرهابيتين وسواهما بالعشرات من التنظيمات الإرهابية الأخرى، في أغلب المدن العراقية من أجل الحصول على السلطة تحت عناوين دينية وفقهية كالخلافة وحكم الله، وقد حاولت هذه التنظيمات الإرهابية أن تنطلق بذلك من مناطق غرب وشمال العراق، لكن وقوف كل أبناء الشعب العراقي حال دون تحقيق نواياهم المتخلفة.
اضف تعليق