باتريك ويل
في مواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتعرض له الغرب يدعو كثير من المسؤولين إلى اتخاذ إجراءات صارمة لحماية الولايات المتحدة من الجهاديين العائدين للوطن الذي يحملون جوازات سفر أمريكية.
وقالت النائبة الجمهورية عن ميشيجان كانديس ميلر رئيسة اللجنة الفرعية للحدود والنقل البحري التابعة لمجلس النواب الأمريكي "في نظر الإرهابيين وثائق السفر تضاهي في أهميتها الأسلحة."
وأضافت قولها "يجب أن نضعف قدرتهم على السفر إلى الولايات المتحدة وأعتقد أنه يجب علينا دراسة ما يتطلبه نزع جوازات سفر من يقدمون الدعم للإرهابيين أو يقاتلون معهم."
ولكن هل في عالم اليوم معنى للمطالبة بإلغاء جوازات سفر من يفترض أنهم جهاديون؟
إن تقنية جوازات السفر الحيوية التي تستخدم شريحة عليها معلومات تخص حاملها منها بصمات الأصابع أو بيانات الصوت تتيح للدول الأعضاء في المنظمة الدولية للطيران المدني تبادل البيانات في شتى أنحاء العالم. ومن خلال هذا النظام تستطيع الدول تعطيل قدرة الفرد على السفر إلى الخارج دون مصادرة جواز سفره.
ولا حاجة مع وجود هذه التقنية إلى أن تكتسب الحكومة الأمريكية سلطات قد تفضي في نهاية الأمر إلى نزع جوازات سفر مواطنين بلا داع أو ضرورة. ومن ناحية أخرى فإن الإقدام على هذه الخطوة قد ينطوي على تجاهل مشكلات دستورية خطيرة.
تؤدي جوازات السفر وظيفة ذات شقين. الشق الأول أنها تتيح للمرء السفر عبر الحدود الدولية. وهذا هو الجانب الذي يثير قلق الحكومات: فالمواطنون الخطرون يمكنهم السفر عبر العالم دون أن يعوقهم شيء.
والوظيفة الثانية لجواز السفر هي أنه شهادة على هويتك القانونية حينما تكون في الخارج ويتيح دليلا معترفا به دوليا على اسمك الأول والأخير ومكان مولدك وجنسيتك.
وإذا وجد مواطن أمريكي في أرض أمريكية فإنه يمكنه استخدام أشكال أخرى لبيان الهوية مثل رخصة القيادة أو شهادة الميلاد. وفي هذه الحالة فإن رفض تسليم جواز سفر أو مصادرته أمر جائز تماما بحكم القانون إذا كان لأسباب أمنية. ولكن في الخارج يختلف الوضع لأن جواز السفر هو الوسيلة الصالحة الوحيدة لبيان الهوية.
وقد أقرت المحكمة الأمريكية العليا دوما بهاتين الوظيفتين لجواز السفر الأمريكي منذ عام 1835. ومع أن المحكمة أقرت على مضض بصلاحية السلطات التنفيذية لتعطيل حرية السفر لأسباب تتعلق بالأمن القومي فإنها لم تسمح قط بتعطيل وظيفة جواز السفر كوثيقة تؤكد وضع الفرد كمواطن أمريكي.
وقدرة المواطن على إثبات هويته في الخارج ليست بالأمر التافه. وفي وضع فريد بين دول العالم يكفل الدستور الأمريكي لمواطنيه امتيازات وحصانات معينة. وبموجب أول تفسير للتعديل الرابع عشر للدستور حددت المحكمة الدستورية في عام 1873 هذه الامتيازات بأنها تشتمل على قيام الحكومة الاتحادية برعاية وحماية المواطنين أثناء وجودهم في الخارج. والقدرة على حمل الدليل على الهوية القانونية للمرء هي من بين الامتيازات والحصانات التي أرادت المحكمة حمايتها لأنها تتعلق بحقوق مواطني "كل الحكومات الحرة."
وبموجب التعديل الرابع عشر للدستور إذا كان مواطن مدان بارتكاب جريمة يمكن حرمانه من حريته أو حتى من حياته حسب الإجراءات القانونية المرعية فإنه لا يجوز منذ قرار المحكمة في عام 1967 حرمانه من جنسيته أو من الحصانات التي تترتب عليها حتى حسب الإجراءات القانونية المرعية.
وليست المحكمة العليا هي وحدها التي تلزم الولايات المتحدة بهذا المبدأ. فبموجب بروتوكول عام 1967 الخاص بوضع اللاجئين والذي كانت الولايات المتحدة أحد الموقعين عليه تلتزم الحكومة التزاما مطلقا بإصدار وثائق هوية لأي لاجئ أجنبي يتصادف وجوده في داخل أراضيها. وهذا حق أساسي مهم من حقوق الإنسان ولا يوجد استثناء لهذا الالتزام حتى إذا كان اللاجئ خطرا على الأمن القومي.
فهل يوجد سبب وجيه يمنع من تطبيق هذا الالتزام من باب أولى على الولايات المتحدة تجاه مواطنيها في الخارج؟
"في عصر الإرهاب" حاولت الحكومة دوما توسيع سلطاتها للحفاظ على أمن المواطنين من خلال تقنيات جديدة للمراقبة ولكن عليها مسؤولية الموازنة بين حماية مواطنيها وحماية حقوقهم الأساسية بموجب الدستور. وفي حالة مقاتلي الدولة الإسلامية لا داعي للمساس بأي من الأمرين.
فالتكنولوجيا المتاحة تجعل الحكومة قادرة على منع أو حظر عبور الأشخاص الخطرين الحدود وفي الوقت نفسه تطبيق الحق الأساسي لنا جميعا في حمل شكل من أشكال التعريف بالهوية المعترف بها دوليا حينما نكون في الخارج.
لذا... فلا عذر للحكومة ألا تستخدم هذه التكنولوجيا.
* وكالة رويترز
...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية
اضف تعليق