اليزابيث درو
واشنطن العاصمة - على أي شخص يتابع السباق الرئاسي في الولايات المتحدة أن يُدرك أن استطلاعات الرأي العام الوطني لا تقدم صورة دقيقة لمُجرى الاٍنتخابات. وبفضل مجمع أميركا الاٍنتخابي، ليس من يفوز بأكبر عدد من الأصوات على الصعيد الوطني هو ما يهم في النهاية، ولكن من يفوز في كل الولايات.
وتمنح كل ولاية عددا من الأصوات في المجمع الاٍنتخابي، وهذا يتوقف على حجم سكانها. ويفوز بالرئاسة المرشح الذي يعبر عتبة 270 صوتا اٍنتخابيا.
في كل ولاية تقريبا، المرشح الذي يفوز ب 50.1٪ من أصوات الناخبين يتم منحه 100٪ من الأصوات الاٍنتخابية. (فقط ولايتي ميين ونبراسكا لا تتبعان قاعدة الفائز يتحكم في كل شيء؛ بل يقتسمان تصويت الهيئة الاٍنتخابية حسب تقسيم المناطق بالكونغرس). ونتيجة لذلك، فإن أصوات الملايين من الناس الذين أدلوا بأصواتهم في نهاية المطاف لا تُحسب. وإذا كنتَ جمهوريا في نيويورك أو كاليفورنيا، اللتان يسيطر عليهما الحزب الديمقراطي، أو ديمقراطيا في ولايتي وايومنغ أو ميسيسيبي، وهما جمهوريتان على نحو موثوق، يمكنك التخلي عن صوتك من أجل الرئيس.
والنتيجة الغريبة لهذا النظام الغريب هي أن المرشح يمكن أن يفوز بأغلبية الأصوات الشعبية الوطنية، ويخسر في المجمع الاٍنتخابي، من خلال خسارته بفارق ضئيل في الولايات المكتظة بالسكان والفوز في بعض الولايات الصغيرة. هذا لا يحدث غالبا، لكن عند حدوث ذلك، تتعرض الولايات المتحدة لنوبة حادة عبر هذه الآلية غير الديمقراطية. في هذه الحالة الأخيرة، فاز آل غور بأغلبية الأصوات الشعبية في عام 2000، لكن جورج دبليو بوش فاز بالرئاسة.
وبسبب المجمع الاٍنتخابي، لا يدلي الناخبون بأصواتهم للمرشح ولكن لصالح لائحة الناخبين -نشطاء الحزب، بما في ذلك الأصدقاء وحلفاء المرشح- الذين سيدعمون اختيارهم. إن دور الناخبين شكلي ليس إلا، يجتمعون في عاصمة ولايتهم ويعطون صوتهم. لكننا نعرف بالفعل إلى ماذا سيؤول ذلك، لأن نتائج الاٍنتخابات الرئاسية يتم الإبلاغ عنها في وقت نعرف فيه من فاز بكل ولاية.
وبذلك، لن يكون لعدد الأصوات على المستوى الوطني أي معنى. ينعقد المؤتمر و"يحصي" الأصوات الاٍنتخابية؛ لكن هذا، أيضا هو مجرد إجراء شكلي. (المسابقة بين بوش وغور كانت غير عادية لذلك لم تستقر حتى 12 ديسمبر، أكثر من شهر بعد الاٍنتخابات، عندما صوتت المحكمة العليا، في قرار مُوال مثير للجدل، 5-4 لإنهاء إعادة فرز الأصوات في ولاية فلوريدا، وتسليم الرئاسة لبوش).
الآن، يمكن أن تعقد الأمور، وتظهر احتمالات الخسارة: إذا لم يفز أي واحد ب 270 صوتا للمجمع الاٍنتخابي، سيتوجه الاٍنتخاب إلى مجلس النواب، حيث يلقي كل وفد ولاية صوتا واحدا، بغض النظر عن عدد الناخبين الذي يمثلهم الوفد. ولاية وايومنغ (يبلغ عدد سكانها 585.000) وكاليفورنيا (عدد سكانها 39 مليون) لكن تحصل كل واحدة على صوت. وليست الوفود مجبرة على التصويت لصالح المرشح الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات في ولايتها.
وبعد أن ينتخب البيت الأبيض الرئيس، يختار مجلس الشيوخ نائب الرئيس، ويحصل كل سناتور على صوت واحد. ومن الممكن نظريا أن يقوم الكونغرس بانتخاب الرئيس ونائب الرئيس من حزبين مختلفين.
هذا النظام المتاهي لاختيار الرئيس يعكس تناقض مؤسسي أميركا حول مفهوم الديمقراطية الشعبية. كانوا يشككون في الحشد -الجمهور– الذي ربما يدلي بصوته على أساس معلومات خاطئة أو عدم فهم للقضايا. إن التصويت الذي جرى في المملكة المتحدة في يونيو/حزيران لترك الاٍتحاد الأوروبي -ضد نصيحة الخبراء والحلفاء- يؤكد صحة هذا القلق.
منذ البداية، كان مؤسسو أميركا يدركون المخاطر التي يشكلها الحكم عن طريق الاٍستفتاء. كان ألكسندر هاملتون قلقا بشأن منح السلطة للشعب لأنه "نادرا ما يحكم أو يقرر بشكل صحيح." وخوفا من "وجود فائض من الديمقراطية"، فقد أدخلوا حواجز مؤسسية بين الإرادة الشعبية وقرارات الحكومة. وحتى عام 1913، تم اختيار أعضاء مجلس الشيوخ من قبل المجالس التشريعية للولايات، ولم يتم انتخابهم مباشرة من قبل الناخبين. وقد أعطونا المجمع الاٍنتخابي.
هذا النظام له تأثير هائل على الحملة الفعلية للرئاسة، لأنه يحدد أين يقضي المرشحان وقتهما وأموالهما. وتعتبر فقط حوالي عشر ولايات من الولايات "المتأرجحة" ويمكنها أن تذهب لأي من الطرفين. وتعتبر بقية الولايات "آمنة" لأحد الحزبين.
وبطبيعة الحال، أحيانا ما تكون الحكمة السياسية خاطئة وتخرج الولاية من مجموعتها. لكن هذه الولايات العشرة هي بمثابة "ساحة المعركة" هدفها مراقبة الأدلة مثل مراقبتها لكيفية تحول الاٍنتخابات. وهي أكثر دلالية للنتيجة النهائية من الاٍنتخابات العامة.
على سبيل المثال، ولايتا كاليفورنيا ونيويورك ديمقراطيتان بشكل روتيني، والسبب الوحيد الذي يدفع المرشحين للحصول على إحداهما هو جمع المال. على النقيض من ذلك، ولاية أوهايو - جوهرة الولايات، لأن التقليد لا يسمح لأي جمهوري بالفوز بالرئاسة إلا إذا فاز هناك – تم التردد عليها من قبل المرشحين. كما تعتبر ولايتي فلوريدا وبنسلفانيا ذات أهمية كبرى للفوز بالنسبة لأي من الطرفين.
لأن مثل هذه الولايات ذات الكثافة السكانية، جنبا إلى جنب مع عدد قليل من الولايات الأخرى، ديمقراطية بشكل روتيني، فالديمقراطيون لديهم ميزة مُدمَجة في المجمع الاٍنتخابي. لذلك يُعتقد أن دونالد ترامب له خيارات محدودة لتجميع 270 صوتا.
وبذلك نجد أن المجمع الاٍنتخابي ليس فكرة غريبة، بعد كل شيء.
اضف تعليق