q

إيان بوروما

 

نيويورك - لقد كتب الكثيرون عن تسريحة الشعر الغريبة لدونالد ترامب ، شعر منتفخ، مصبوغ وممشوط اٍلى الجانب يشبه مدير ملهى ليلي رخيص بدلا من مرشح للرئاسة. هل هناك حقا كلام يقال أكثر من الذي قيل؟ في الواقع، اٍن مسألة الشعر في السياسة ليست تافهة كما تبدو.

ومن اللافت للنظر أن العديد من السياسيين، وخصوصا من اليمين الشعبوي، بدأوا يعتمدون تسريحات بدعية. كان سيلفيو برلسكوني، رئيس الوزراء الاٍيطالي السابق، يستخدم قلم أسود لملء البقع التي لم يغطيها شعره المزروع. و يصبغ الديماغوجي الهولندي خيرت فيلدرز شعره الأشقر المنتفخ ذو اللون البلاتيني. أما بوريس جونسون المتحدث الذي يثير عواطف الشعب، والآن وزير خارجية المملكة المتحدة، فيصر على أن يبقى شعره غير مرتب. كل هؤلاء أثاروا اشمئزاز الناخبين المليئين بالغضب والاٍستياء من النخب الحضرية اللامعة.

ثم نجد أب الشعبوية الأوروبية الحديثة، السياسي الهولندي الراحل بيم فورتين، الذي لم يكن لديه شعر على الإطلاق. إلا أن رأسه الأصلع اللامع كان بارزا خاصة بين التسريحات الرمادية الأنيقة لغالب السياسيين مثل تسريحة جونسون الشقراء أو تسريحة ترامب الذهبية (كل هؤلاء الرجال، باستثناء برلسكوني، لديهم شعر أشقر، أو بالأحرى أشقر مزيف، ولا يبدو أن الشعر الأسود يعمل بشكل جيد مع الغوغائيين الشعبويين).

مخالفة الآخرين نقطة مهمة جدا. فالشعر الغريب، أو الرأس الأصلع، يجعل من القائد الشعبي شخصا معروفا. هذا النوع من العلامات أمر شائع بين الديكتاتوريين. ويمكن اختزال صورة هتلر البصرية إلى خصلة ذهنية وشارب مثل فرشاة أسنان. اٍن أغرب مظهر لكل الديكتاتوريين المعاصرين يتمثل في كيم جونغ أون، اٍبن زعيم كوريا الشمالية السابق، الذي كان حلق رأسه من الظهر والجانبين كتقليد متعمد لتصفيفة شعر جده البروليتارية والتي تعود اٍلى الثلاثينات. والده كيم جونغ ايل، حاول - وإن كان ذلك دون نجاح يذكر- منافسة تسريحة ألفيس بريسلي.

ولكن المحاكاة الساخرة الذاتية أحيانا تنجح في الديمقراطيات أيضا. ونستون تشرشل، والذي يتبع نموذج جونسون، كان دائما يحمل سيجارا كبيرا، رغم أنه لم تكن لديه النية لتدخينه. لم يستطع فعل أي شيء لتغيير شعره المتفرق، لكنه كان يرتدي ملابس مختلفة عن أي شخص آخر. لم يكن هناك أي سياسي بريطاني آخر، حتى أثناء الحرب، يرتدي هذا النوع من البذلة المقفولة مثل التي كان يرتديها تشرشل. دراسة اللامبالاة، أو الغرابة المتحضرة، كانت من مميزات هذا الأرستقراطي النموذجي الذي لم يشعر بأي حاجة للتكيف مع المعايير المملة للطبقة المتوسطة.

لقد توصل تشرشل اٍلى نتيجة لم يستطع الكثير من السياسيين السائدين وصولها. وهي أن الطريق إلى قلوب الجماهير ليست بالتظاهر أنك مثلهم. على العكس من ذلك، إذا كنت من الطبقة العليا، يمكنك التظاهر، وتحويل نفسك اٍلى صورة كاريكاتورية لمن ولدوا في أوساط رفيعة، مثل الأرستقراطي القديم الذي يحتقر البرجوازية الخجولة، ولكنه يتوافق مع حارس الطرائد الخاص به. جونسون ليس أرستقراطيا، لكنه تعلم في مدرسة إيتون ويمكنه بسهولة أن يتظاهر بذلك، فهذه مهارة يستخدمها بشكل فعال.

في الواقع، الولايات المتحدة لا تتوفر على أرستقراطية رسمية، بحيث أن المال هو الذي يحدد المكانة الاجتماعية هناك. ومن أسرار شعبية ترامب أنه يتباهى بثروته الكبيرة المزعومة. حتى أنه يبالغ في ذلك، إذا لزم الأمر. اٍن الكراسي الذهبية العجيبة في بيوته التي تذكرنا بلويس الرابع عشر هي تقليد فظ من نمط الأرستقراطية.

هناك فورتوين، على نطاق هولندي متواضع، وبيرلسكوني، على درجة إيطالية فخمة، اللذان يتمتعان بأذواق مماثلة. الناس الذين يعتبرون هذه الأشياء مثل الأحلام يعبرون عن إعجابهم لذلك. اٍن تأكيد أحلام الناس الذين يملكون القليل هو مفتاح الشعبوية الناجحة.

الشيء الأساسي هو أن هؤلاء السياسيين ليسوا مثل التيار الممل والمعتدل. حتى المطلعين يشكلون خطرا مثل الغرباء، الذين يستطيعون الوقوف مع الرجل العادي ضد المؤسسة السياسية. الغرابة - سلوكيات الطبقة العليا الغريبة، والتباهي بالعيش الراقي ، والنكات الفاحشة، والخشونة المتعمدة، وتسريحات الشعر الغريبة - هي أحد الأصول.

أنا لست متأكدا من أن الناس الذين يعتبرون ترامب خطرا كبيرا على الولايات المتحدة والعالم، يقدرون هذا بما فيه الكفاية. لقد قيل الكثير عن الأسلوب المعقول والمعتدل للمؤتمر الوطني الديمقراطي، بالمقارنة مع حدث الجمهوريين "المظلم" والمنمق. الرئيس باراك أوباما ونائب الرئيس جو بايدن، وهيلاري كلينتون أنفسهم كانوا مثالا للكرامة، مقارنة بسلوكيات ترامب وعدوانه اللفظي مثل التي كان يتصف بها موسوليني.

أنصار كلينتون، في المؤتمر وفي أماكن أخرى، يهاجمون ترامب بسخرية، بطريقة استخدمت مرة واحدة من قبل فولتير ضد عقائد الكنيسة الكاثوليكية. السخرية يمكن أن تكون سلاحا فعالا. ففي العشرينات من القرن الماضي، جعل الصحفيون مثل ه.ل. منكين الأصوليين المسيحيين في الولايات المتحدة يبدون مثل المغفلين بحيث تخلوا عن السياسة لعدة أجيال.

اٍن كل من جنون ترامب وكلامه الهجومي، وذوقه المبتذل، ونظراته غير العادية تلقى انطباعا استهزائيا بشكل واضح. وقام كوميديون مثل جون ستيوارت بتصوير مشهد مضحك جدا على نفقته. لكن السخرية والاٍستهزاء لن تنجحا في اٍقناع محبي ترامب وذلك بسبب غرابته. فهي تبعده عن الأسس التي يحتقرونها. الكاريزما لا تدعو إلى كبح الكلمات، المظهر، أو الأسلوب. كلما أصبح أغرب، كلما زاد حب أنصاره له. وكلما سخر منه الكوميديون الأذكياء في نيويورك، كلما زاد انحياز معجبيه إلى صفه.

هذا هو الاٍنحراف الكبير في عصرنا الشعوبي الغاضب. يمكن الآن أن تتحول الحجج المنطقية والتفاؤل السياسي إلى صفات سلبية، العلامات النموذجية للنخب الراضية عن نفسها، غافلة عن هموم الناس الذين يشعرون أن الآخرين يسخرون منهم. لم تنجح الحجج المنطقية في إقناع 51.9٪ من الناخبين البريطانيين أن يظلوا جزءا من الاٍتحاد الأوروبي. وقد لا تنجح في منع مهرج جاهل وخطير -ذو تسريحة شعر سخيفة- من أن يصبح رئيسا للولايات المتحدة.

* أستاذ الديمقراطية وحقوق الإنسان، والصحافة بكلية بارد

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق