فولفجانج إيشنجر

 

ميونخ- إن من الممكن أن النظام العالمي في أسوأ أحواله منذ نهاية الحرب الباردة. إن أولئك الذين يحاولون حفظ السلام يشعرون بالإرتباك وإنعدام الأمل في وجه أزمات لا تنتهي ومفسدون متهورون. عندما يجتمع قادة العالم في ألمانيا لحضور مؤتمر ميونخ للأمن الثاني والخمسين في نهاية الأسبوع، سيحاولون إيجاد طريقة لحل بعض المسائل الخطيرة للغاية.

في واقع الأمر حملت السنة الماضية بعض الأخبار الطيبة فلقد أدت الجهود الدبلوماسية الحثيثة إلى حصول إختراقين يمكن أن يقودا إلى أبعاد إيجابية بعيدة المدى: الصفقة المتعلقة ببرنامج إيران النووي وإتفاقية باريس للمناخ ولكن بقية الصورة تبعث على الكآبة.

إن الأزمات الكبيرة اليوم تتجاوز وحتى أنها تشكك بالحدود الدولية. إن الحروب في سوريا والعراق لم تؤدي إلى تفكك النظام السياسي للشرق الأوسط فحسب، بل أدت كذلك إلى جعل أوروبا تصارع من أجل إيجاد حل مشترك لتدفق اللاجئين ولم يحدث منذ نهاية الحرب العالمية الثانية إن تم تشريد هذا العدد الكبير من الناس من منازلهم.

إن الوضع في الشرق الأوسط يلخص كيف يمكن أن يمتد تأثير الصراع إلى مناطق بعيدة عن أرض المعركة. لم يعد الصراع في سوريا منذ فترة طويلة حرب أهلية بل أصبح أزمة أقليمية كاملة. إن تنظيم الدولة الإسلامية- بقاعدته الإقليمية وحضوره العدواني على الإنترنت وشبكته الدولية من المقاتلين بما في ذلك أتباع في أوروبا- قد أثبت أنه تنظيم عالمي بحق.

إن التوقعات المستقبلية في أماكن أخرى ليست أكثر إشراقا ففي ليبيا ومالي وإفغانستان إنهارت الدولة أو إنها عرضة لخطر الإنهيار. إن العلاقات بين إيران والسعودية لا يمكن أن تكون أسوأ من الوضع الحالي بإستثناء غياب المواجهة العسكرية المباشرة. لقد زادت التوترات بين تركيا وروسيا بدرجة كبيرة وبالنسبة للإنترت فإن الحكومات والجهات الخاصة على حد سواء يستغلون ترابط العالم الحديث مما يهدد المعلومات الحساسة والبنية التحتية الحيوية في جميع أرجاء العالم.

وعوضا عن "حلقة البلدان التي تحكم بشكل جيد" والتي تصورها الإتحاد الأوروبي ضمن إستراتيجيتة الأمنية سنة 2003، أصبحت القارة محاطة "بحلقة من النار". إن الأمن الأوروبي يتعرض للتهديد مجددا حيث زادت وتيرة التمارين العسكرية كما لا تزال أزمة أوكرانيا بدون حل.

مهما يكن من أمر فإنه يبدو أن الشخصيات السياسية الرئيسية تعتقد أنه يمكنها التعامل مع التحديات الإنتقالية وذلك عن طريق اللجوء لقصر النظر على مستوى الوطن. إن هذا النهج غير المجدي سيؤدي فقط إلى أنصاف حلول أو ما هو أسوأ من ذلك. بعض الحكومات إستجابت لازمة اللاجئين عن طريق سياسات تؤثر سلبا على جاراتها مما يجبر الدول المجاورة على تحمل معظم العبء ونتيجة لذلك فإن العنصر الأساسي للتكامل الأوروبي -منطقة الشنغن بدون حدود- تتعرض لتهديد.

حتى المناصرين التقليديين لنظام عالمي ليبرالي مبني على أساس التعددية والقانون الدولي أصبحوا يشككون بقدرتهم في صنع الأحداث. إن الإدعاءات بتراجع الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية هي مبالغ بها على الأرجح ولكن على الأقل في صراعين جوهريين في السنوات الأخيرة –أوكرانيا وسوريا-لم تلعب الولايات المتحدة الأمريكية الدور الدبلوماسي البارز والذي كانت تلعبه بالماضي.

لقد أصيبت أوروبا بالشلل بسبب عدة مشاكل رئيسية: إجماع مهزوز على العقوبات ضد روسيا وإستمرار الإسئلة حول اليورو وخطر خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي وعودة بروز القومية غير الليبرالية والشعوبية ولو بقيت أوروبا تميل للخلل الوظيفي فإنها لن تتمكن من لعب دور مهم في المستقبل.

وبينما تفشل الدول وتنهار الحكومات يقوم الزعماء المارقون بملء فراغ السلطة وفي إفغانستان فإن بروز طالبان مجددا يقوض أكثر من عقد من التقدم وفي إفريقيا والشرق الأوسط يعيق الرجال الأقوياء محليا والمتطرفون الإسلاميون التقدم نحو السلام أو يطلقون العنان لمزيد من الصراعات.

في غضون ذلك فلقد بدأت التوترات بين بعض أقوى بلدان العالم بالتصاعد فروسيا تحت حكم الرئيس فلاديمير بوتين حريصة على أن تقدم نفسها كلاعب عالمي حتى لو كان إقتصادها يعاني من عقوبات دولية ومن تراجع أسعار النفط ونقص التحديث. لقد كانت هناك إشارات قليلة على حدوث تقارب بين روسيا والغرب ولكن الخلافات حول سوريا هي خلافات كبيرة وخاصة بعد أن دعمت روسيا هجوم الحكومة السورية على أجزاء حلب التي يسيطر عليها الثوار مما أدى إلى نهاية سريعة لجولة محادثات السلام الأخيرة في جنيف. إن فشل روسيا في تطبيق أجزاء كبيرة من إتفاقية منسك في أوكرانيا هي نقطة خلاف جوهرية اخرى.

لقد بدأت الصين بالإنخراط بشكل أكبر في القضايا الدولية ولكن بدلا إن تصبح مساهم مسؤول في النظام العالمي الليبرالي، يبدو أنها اختارت التركيز على خلق هياكل حكم موازية يمكن أن تشكلها طبقا لرغباتها كما إن قيام الصين بتعزيز حضورها وخاصة في بحور الصين الشرقية والجنوبية ما يزال يشكل مصدر قلق لجاراتها الصغيرات والتي ترغب في حضور أمريكي أقوى في المنطقة.

إن من المرجح أن ندخل في مرحلة من تصاعد المخاطر والغموض والتحولات الأساسية–الدخول في حقبة عالمية أقل إستقرارا. يتوجب على القادة العالميين العمل معا من أجل إعادة بناء النظام العالمي وتقوية الترتيبات المؤسساتية والحد من انتشار الفوضى.

إن خطر وقوع حرب كبيرة بين الدول ما يزال إحتمالا بعيدا ولكن لأول مرة منذ نهاية الحرب الباردة فإنه لا يمكن إعتبار تصاعد العنف بين القوى الكبرى على أنه كابوس غير واقعي ولو حصل ذلك فإن التحديات التي تواجه العالم اليوم سوف تتضاءل مقارنة بما قد يحدث في تلك الحالة.

إن جزء من هذه المقالة مبني على أساس مقال في تقرير أمن ميونخ لسنة 2016 والذي تم نشره بمناسبة مؤتمر ميونخ للأمن الثاني والخمسين.

* السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن وأستاذ للسياسة الأمنية والممارسة الدبلوماسية في كلية هيرتي للإدارة في برلين

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق