q

براهما تشيلاني

 

برلين- إن إحتواء كارثة الإرهاب الإسلامي سوف يكون مستحيلا بدون إحتواء الإيدولوجية التي تحركها وهي الوهابية. إن الوهابية هي أحد أشكال الأصولية السنية المتحمسة والتي تمجد الجهاد علما أن المشيخات الغنية بالنفط في الخليج وخاصة السعودية هي التي تمول توسعها على مستوى العالم ولهذا السبب فإن التحالف المعادي للإرهاب والذي أعلنته السعودية مؤخرا أي التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب يجب أن ينظر اليه بشك عميق.

إن الوهابية تروج لأشياء من بينها إخضاع النساء وموت "الكفار" وهي وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما في وصف دوافع زوجين من أصول باكستانية لإرتكاب إطلاق نار جماعي مؤخرا في سان بيرناردينو، كالفورنيا "تفسير منحرف للإسلام" وأم الإرهاب الجهادي أيدولوجيا. إن ذريتها تشمل القاعدة وطالبان وبوكوحرام والشباب والدولة الإسلامية وجميعها تمزج بين العداء ضد من هم من غير السنة والرومانسية المعادية للحداثة لتجعلها تصب في حالة من الغضب العدمي.

لقد كانت السعودية تمول الإرهاب الإسلامي منذ إزدهار أسعار النفط في السبعينات من القرن الماضي والتي عززت بشكل دراماتيكي من ثروة البلاد وطبقا لتقرير البرلمان الأوروبي لسنة 2013 فإن جزءا من العشرة مليارات دولار أمريكي والتي إستثمرتها السعودية في "أجندتها الوهابية" في جنوب وجنوب شرق آسيا تم "تحويلها" إلى مجموعات إرهابية مثل لشكر طيبه والتي نفذت هجمات مومباي الإرهابية سنة 2008.

لقد أقر القادة الغربيون بالدور السعودي منذ سنوات عديدة ففي برقية دبلوماسية سنة 2009 من وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون أشارت إلى السعودية على إنها "أهم مصدر لتمويل المجموعات السنية الإرهابية حول العالم" ولكن بسبب إهتمام الغرب في الغالب بالنفط السعودي لم تواجه المملكة أية عقوبات دولية.

والآن ومع نمو الحركات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية فإن الأولويات تختلف وكما قال نائب المستشارة الألمانية سيجمار جابريل في مقابلة مؤخرا "يتوجب علينا أن نوضح للسعوديين بإن زمن تجاهل الموضوع قد إنتهى".

لقد دفع هذا التحول المملكة للإعلان عن حملة تستهدف المجموعات والأفراد الذين يمولون الإرهاب ولكن طبقا لتقرير من وزارة الخارجية الأمريكية فإن بعض الجمعيات الخيرية والمتبرعين من الإفراد من السعودية يستمرون في دعم المتمردين السنة.

من هذا المنظور فإن إعلان السعودية المفاجىء عن تحالف لمكافحة الإرهاب يتكون من 34 دولة مع مركز عمليات مشترك مقره السعودية هو خطوة منطقية تستهدف الحد من الإنتقادات الغربية المتزايدة وفي الوقت نفسه تعزز من النفوذ السني في الشرق الأوسط ولكن بالطبع عندما نتمعن في عضوية هذا التحالف سنجد أنه تحالف زائف.

إن من الأمور التي يمكن ملاحظتها هو أن التحالف يضم جميع الجهات الرئيسية الراعية للإرهاب والمجموعات الإرهابية من قطر إلى الباكستان وكأن كارتل مخدرات يدعي بانه يقود حملة لمكافحة المخدرات. إن من بين الدول المذكورة كأعضاء في التحالف كذلك جميع الدول التي تعتبر معقلا للجهاديين بخلاف إفغانستان وبما في ذلك ليبيا واليمن واللتين تمزقهما الحرب والتي لا تحكمها حاليا سلطة موحدة.

وبالإضافة إلى ذلك وعلى الرغم من وصف التحالف على إنه تحالف "إسلامي" ينتمي اعضاءه إلى جميع أرجاء العالم الإسلامي فإن المجموعة تضم دولا فيها غالبية مسيحية مثل أوغندا والغابون ولكن بدون عمان "مشيخة خليجية" والجزائر "أكبر دولة في إفريقيا" وأندونيسيا (أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان).

إن فشل ضم إندونيسيا والتي يصل عدد المسلمين فيها إلى ضعف عدد المسلمين في الشرق الأوسط مثير للإهتمام ليس فقط بسبب حجمها فبينما تحكم معظم البلدان في التحالف من قبل طغاة أو حكام مطلقين فإن إندونيسيا هي ديمقراطية قوية. إن الحكم المطلق في البلدان الإسلامية عادة ما يعزز من القوى الجهادية ولكن عندما تترسخ الديمقراطية مثل إندونيسيا المتسامحة والعلمانية فإن الصراع بين المعتدلين والمتطرفين يمكن إدارته بشكل أفضل.

تتضح مقاربة السعودية الفاشلة في حقيقة أن بعض أعضاء التحالف بما في ذلك الباكستان وماليزيا ولبنان والسلطة الفلسطينية أعلنت على الفور أنها لم تنضم فعليا حيث يبدو أن المملكة إعتقدت إن بإمكانها إتخاذ ذلك القرار نيابة عن المتلقين الرئيسيين لمساعداتها.

لو أضفنا إلى ذلك الإستبعاد غير المفاجىء لإيران والعراق والتي يحكمها الشيعة بالإضافة الى سوريا التي يحكمها العلويون سيتضح لنا أن السعودية قد قامت بتشكيل مجموعة أخرى يهمين عليها السنة من أجل تعزيز أهدافها الطائفية والإستراتيجية. إن هذا يتوافق مع المقاربة الأكثر تشددا والتي ترسخت منذ أن تولى الملك سلمان مقاليد الحكم في يناير 2015.

أما في السعودية نفسها فلقد شهدت فترة حكم سلمان حتى الآن زيادة ملحوظة في عدد أحكام الإعدام بقطع الرأس حيث عادة ما ينفذ الحكم علانية وهو أسلوب قام تنظيم الدولة الإسلامية بتقليده وفي الخارج فإن فترة حكم سلمان شهدت تفضيلا واضحا للحلول العنيفة في البحرين والعراق وسوريا واليمن.

يقوم تحالف عربي أصغر بقيادة السعودية بقصف اليمن منذ مارس بهدف هزيمة الثوار الحوثيين الشيعة والذين سيطروا على العاصمة صنعاء بعد الإطاحة بالحكومة التي تدعمها السعودية حيث قامت الطائرات الحربية السعودية بقصف المنازل والأسواق والمستشفيات ومخيمات اللاجئين في اليمن مما جعل النقاد يتهمون المملكة بتعمد ترهيب المدنيين من أجل تأليب الرأي العام ضد الحوثيين.

تتعارض حلول السعودية في كثير من الأحيان مع أهداف حلفاءها الأمريكان فعلى سبيل المثال خرجت المملكة وشريكاتها العربيات بهدوء من الحرب التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا مما ترك الحملة في الغالب بأيدي الإمريكان.

لكن المشكلة الأساسية والتي بدأنا بها هي أبعد من المناورات الإستراتيجية للسعودية وهذه المشكلة تتمثل في أن الإيديولوجية الرسمية للمملكة تشكل قلب العقيدة الإرهابية. إن العدو المخلص للإرهاب الإسلامي لا يشجع الجهادية العنيفة كما لا يقوم بإعتقال المنتقدين المحليين لتفسيره للإسلام العائد للقرون الوسطى وتوجيه تهمة الإرهاب إليهم والسعودية تقوم بكلا العملين.

إن هذا يرتبط بالعيب الرئيسي للمقاربة العسكرية اليوم في محاربة الإرهاب فما لم نوقف توسع الإيديولوجيات الخطيرة مثل الوهابية فإن الحرب العالمية على الإرهاب والمستمرة منذ جيل تقريبا لن يتم الإنتصار فيها على الإطلاق وبغض النظر عن عدد القنابل التي تسقطها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها فإن المدارس الدينية التي تمولها السعودية سوف تستمر في تلقين جهاديي المستقبل.

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز مقره نيودلهي لأبحاث السياسات، وهو مؤلف من الطاغوت الآسيوي، المياه: آسيا جديد ساحة القتال

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

 

اضف تعليق