الابتكار بالتكنولوجيا: الثروة الوطنية الجديدة

ماليزيا كنموذج لتجاوز عصر النفط في العراق

إن ثروة النفط مصيرها النضوب، أما ثروة العقول والابتكار فهي ثروة دائمة ومتجددة. يمكن للعراق أن يتجاوز تحديات اقتصاده الريعي عبر تبني روح الإصلاح الماليزي، التي تؤمن بأن الابتكار بالتكنولوجيا هو حقاً الثروة الوطنية الجديدة التي ستضمن للعراق مكانة مرموقة في القرن الحادي والعشرين...
بقلم: م.م علي نوري

لطالما اعتُبر النفط هو العصب الاقتصادي للعراق، لكن التحديات الاقتصادية العالمية وتجارب الدول الرائدة تثبت أن الاعتماد على الموارد الناضبة يمثل نقطة ضعف وليس قوة. في المقابل، تبرز تجربة دول مثل ماليزيا التي أدركت مبكراً أن "قيمة العقل فوق قيمة البرميل"، وأن الثروة الحقيقية تكمن في الابتكار والتحول التكنولوجي الذي يبدأ من مقاعد الدراسة.

من "اقتصاد البرميل" إلى "اقتصاد المعرفة"

كان التحول الماليزي نتاج رؤية فلسفية واضحة: بناء اقتصاد قائم على المعرفة يقود الابتكار، والجيل الجديد يجب أن يكون قادراً على المنافسة في ظل العولمة. هذه الرؤية تجسدت في مبادرات تعليمية جريئة يمكن للعراق أن يستلهم منها:

1. "مادة الاختراعات": غرس ثقافة الابتكار

لم تكتفِ ماليزيا بتدريس مناهج تقليدية، بل أدخلت مادة متخصصة هي "مادة الاختراعات" في المرحلة الثانوية. الهدف منها ليس تجميع المعلومات، بل تخريج عمالة ماهرة، مبدعة، ومُطورة تقنياً.

 * الدرس العراقي: على العراق أن يدمج مواد تُعنى بـ التصميم بمساعدة الحاسوب، حل المشكلات، وأسس حقوق الملكية الفكرية ضمن المناهج الأساسية. يجب أن يتحول التعليم من الحفظ والتلقين إلى التفكير النقدي والمشاريع التطبيقية التي تُنشئ رواد أعمال لا باحثين عن وظائف حكومية.

2. "المدرسة الذكية": التكنولوجيا كبيئة متكاملة

لم تكن "المدرسة الذكية" في ماليزيا مجرد فصول دراسية مُجهزة بأجهزة حاسوب، بل كانت تحولاً شاملاً يوظف التكنولوجيا ليس فقط كمحتوى تعليمي، ولكن كأداة غنية لتطوير المحتوى التربوي ولإدارة العملية التعليمية بكفاءة عالية.

 * الدرس العراقي: إن معالجة تحديات البنية التحتية التعليمية في العراق (نقص المدارس والمختبرات) تتطلب قفزة نوعية نحو الرقمنة. يجب أن تكون الأولوية لتبني نموذج المدرسة الذكية الذي يضمن الوصول العادل للتعليم الجيد، ويُهيئ الطلاب للمنافسة العالمية عبر امتلاكهم لـ الكفاءات التكنولوجية المطلوبة.

3. "ربط التعليم بالصناعة": صكّ العملة الجديدة

أقامت ماليزيا برنامجاً قوياً لربط الطلاب بالقطاع الخاص من خلال "برنامج ربط الطلاب بالصناعة المحلية"، حيث يتلقى الطلاب تدريباً في مواقع التصنيع الفعلية. هذا يضمن أن مخرجات التعليم موافقة تماماً لمتطلبات السوق.

 * الدرس العراقي: يجب كسر العزلة بين الجامعات والمعاهد وبين القطاع الخاص. إن تطوير الإعداديات المهنية، وإنشاء شراكات حقيقية لتدريب الطلاب في شركات التكنولوجيا والصناعة المحلية، هو السبيل لسد الفجوة بين الشهادة والمهارة، وتحويل الشباب من عبء على الموازنة النفطية إلى ثروة منتجة ومصدر للدخل القومي.

المعلم: المفتاح السري للتحول

إن نجاح أي تحول تقني يبقى مرهوناً بالعنصر البشري؛ لذلك، استثمرت ماليزيا بقوة في التدريب التخصصي للمعلمين، وركزت على تزويدهم بالمهارات الجديدة في الهندسة، والتصميم التقني، والملكية الفكرية.

إن الإرادة السياسية في العراق يجب أن تدعم خطة شاملة ومُركّزة لـ تأهيل الكادر التدريسي على استخدام أساليب التعليم الحديثة والتكنولوجية، ليكون المعلم نفسه قائداً للابتكار لا مُلقناً للمعلومات.

الخلاصة

إن ثروة النفط مصيرها النضوب، أما ثروة العقول والابتكار فهي ثروة دائمة ومتجددة. يمكن للعراق أن يتجاوز تحديات اقتصاده الريعي عبر تبني روح الإصلاح الماليزي، التي تؤمن بأن الابتكار بالتكنولوجيا هو حقاً الثروة الوطنية الجديدة التي ستضمن للعراق مكانة مرموقة في القرن الحادي والعشرين.

اضف تعليق