فالانقسامات داخل الإطار التنسيقي أو داخل الصف الصدري قد تفتح نافذة لقوى وسطية أو تحالفات غير متوقعة يأتي ذلك في ظل مقاطعة قد تكون الأكبر في تاريخ العملية السياسية العراقية بعد التغيير، خاصة بعد اصرار التيار الصدري على المقاطعة التي يراها الكثيرون مبررة في ظل سيادة نهج...
في ضوء إعلان مجلس الوزراء العراقي برئاسة محمد شياع السوداني أن الانتخابات البرلمانية ستُجرى في 11 تشرين الاول/ نوفمبر 2025، وعلى هذا الأساس انطلقت المفوضية العليا للانتخابات بإجراءاتها، ومنها إعلان قرعة ارقام الكتل التي ستخوض الانتخابات، وتعد هذه الانتخابات حدثا سياسيا لإعادة ترتيب المشهد السياسي في العراق بعد أعوام من توترات داخلية وضغوط إقليمية، المشهد قبل الانتخابات يتسم بتغير تحالفات الكتل الشيعية الكبرى، انقسام الصفوف الكردية، ومحاولات للكتل السنية وبعض القوى المدنية للتحوّط عبر برامج اقتصادية وخدماتية تستجيب لغضب الشارع.
السياق المؤسسي والسياسي والبرامج الانتخابية
- تغيّر القواعد الانتخابية ومنافذ توزيع المقاعد كان له أثر واضح في الانتخابات السابقة ويستمر أثره على استراتيجيات الكتل (تمّت مراجعة النظام الانتخابي في السنوات الماضية وهو عامل مهم في تكوين قوائم مرشحين).
- مفاوضات التسجيل واللوائح الانتخابية وإجراءات المفوضية المستقلة بدأت قبل أشهر، مع جدول زمني لقبول القوائم والمرشحين.
محاور برامج الكتل السياسية: خطوط عامة متكررة
رغم اختلاف الأهداف والتوجهات، تتقاطع برامج معظم الكتل السياسية في العراق في الانتخابات البرلمانية ٢٠٢٥ حول عدد من المحاور المتكررة:
1. الأمن وملف الحشد الشعبي وتنظيم السلاح
كثير من البرامج تضع ملف ضبط السلاح المنفلت وتنظيم الفصائل (أو إدماجها ضمن مؤسسات الدولة أو قانونية نشاطها) في صدارة الشواغل الأمنية والانتخابية، الجدل حول قوانين تنظيم الحشد سيؤثر مباشرة على مواقع القوى الشيعية في الانتخابات وهذا ما اعلن عنه رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوادني في اكثر من مناسبة وان لم يتضح بعد في برنامجه كتلته الانتخابية.
2. مكافحة الفساد وإصلاح العملية السياسية
وعود بخطط شفافة، محاسبة كبار المسؤولين، وإصلاح دوائر الدولة (الكهرباء، الصحة، التربية)، كثير من الكتل تحاول الاستفادة من السخط الشعبي عبر طرح برامج إصلاحية، لكن الثقة العامة محدودة بسبب تاريخ تنفيذ ضعيف.
3. الخدمات والوظائف والتنمية المحلية
سياسات توظيف عامة، برامج لبناء البنية التحتية، وتحسين الخدمات في المحافظات وخصوصًا للمناطق المتضررة اقتصادياً (الجنوب والشمال)، الكتل تنافس على الوعود العملية لأنها تعكس احتياجات قواعد الناخبين.
4. الاقتصاد وإدارة النفط والميزانية
خطط لتنويع الاقتصاد، مكافحة تبذير الإيرادات النفطية، إصلاح منظومة دعم الرواتب، وتوزيع عادل لعوائد النفط بين المركز والمحافظات، والخلاف هنا جوهري بين توجهات أكثر مركزية وأخرى تطالب بوسع لامركزية مالية إقليمية.
5. العلاقات الخارجية والتوازن الإقليمي
سياسات خارجية متباينة: البعض يروّج لتقارب مع الغرب والخليج، والآخر يركّز على علاقات موازنة بين إيران وتركيا والولايات المتحدة، محاولات الأحزاب لتقديم برامج توازن تصبّ في ملف الأمن والاقتصاد معًا.
قراءة في برامج ومؤشرات كبرى الكتل والاتجاهات
1. الإطار التنسيقي او التحالفات الشيعية التقليدية
الإطار التنسيقي فقد تماسكه جزئيًا؛ تقارير عديدة تفيد بانشقاقات واستعدادات لأحزاب للترشّح منفردة مما يجعل برامجهم تتمايز لكن غالبًا تحت سقف تأكيد دور المقاومة (تأمين الحلفاء)، التركيز على الحضور الأمني، والحفاظ على مكاسب مؤسساتية وقواعد انتخابية محلية.
٢. أحزاب ومسارات الوسط والسلطة
كتل مرتبطة بالحكومة الحالية: مثل كتلة رئيس الوزراء (أو الحلفاء المرتبطين بالحكومة) تبرز برامجًا تركز على الاستقرار الحكومي، مقترحات لإصلاح الخدمات، ومشروعات بنية تحتية، مع إبراز إنجازات الولاية الحالية أو حجج الاستمرارية. بالمقابل، بعض التيارات مثل دولة القانون تحاول استعادة الدعم عبر التركيز على سيادة القانون والأمن ومواجهة الفساد.
٣. الكرد والفصائل الكردية الأخرى
الكتل الكردية تواجه انقسامات متزايدة بعد انتخابات إقليم كردستان 2024، وهناك صعوبات في توحيد سقف مطالب كردستان الفدرالي (مثل ملف المرتبات، الإيرادات النفطية، ومستقبل نقل الصلاحيات)، المعارضة الكردية تسعى لتشكيل قوائم موحدة لكن الانشقاقات تؤثر على برامجهم الوطنية في بغداد.
٤. البرامج الانتخابية للكتل السنية
الكتل السنية تركز برامجها على تحقيق الأمن المحلي، تحسين الخدمات، ومناصرة مطالب المناطق السنية الاقتصادية، تبرز محاولات تشكيل قوائم جديدة تستهدف الشباب والناخبين الغاضبين من الأداء التقليدي.
نقاط الخلاف والفرص السياسية
- خلاف على قانون الحشد وتنظيم السلاح: هذا الملف قادر على قلب موازين التحالفات؛ بعض الكتل تدعو لدمج الحشد رسميًا وفرض رقابة، والبعض يرفض استبعاد الفصائل من السياسات.
- مصداقية الوعود الإصلاحية: الأجور والوظائف والشفافية ستكون معيارًا لقياس نجاح البرامج أو فشلها أمام ناخب غاضب.
- تقارب/ تباعد كردي: انقسام الكرد يؤثر على توزيع المقاعد وتوازن القوى في البرلمان المقبل.
وختاما لما تقدم، فان أثر النتائج المتوقعة من برامج القوى السياسية ان وجدت برامج فان نتيجة الانتخابات البرلمانية القادمة ٢٠٢٥ قد لا تحدد من يشكّل الحكومة القادمة -مثل حدث بعد كل انتخابات- فقد فاز التيار الصدري في انتخابات تشرين الاول/ اكتوبر ٢٠٢١ لكنه لم يتمكن من تشكيل الحكومة بسبب اصراره على المضي بمشروع الأغلبية الوطنية وبالتالي إمكانية استمرار الحكومات الضعيفة أو تشكيل ائتلافات واسعة مع تنازلات كبيرة قائمة، فالانقسامات داخل الإطار التنسيقي أو داخل الصف الصدري قد تفتح نافذة لقوى وسطية أو تحالفات غير متوقعة يأتي ذلك في ظل مقاطعة قد تكون الأكبر في تاريخ العملية السياسية العراقية بعد التغيير، خاصة بعد اصرار التيار الصدري على المقاطعة التي يراها الكثيرون مبررة في ظل سيادة نهج وبرامج الفساد على مقدرات البلد وتداعيات إقليمية ودولية قد توثر في أي لحظة على مجمل الأوضاع في البلاد.
اضف تعليق