تتخوف الكثير من الدول من ان تكون للأحداث المتسارعة في سوريا انعكاسات على الامن الإقليمي ومنها العراق الذي اكدت حكومته في أكثر من مناسبة على رفضه للعمليات التي تقوم بها المعارضة المسلحة في سوريا والخشية من ان يساهم ذلك في ولادة موجه جديدة وتحفيز للخلايا النائمة...

منذ أن تراجع التصادم المسلح بمختلف اشكاله ما بين النظام السياسي في سوريا بقيادة بشار الأسد وبين قوى المعارضة السورية المسلحة على مختلف مشاربها السياسية، والأيديولوجية، والطائفية، واجنداتها، اعتقد العديد من المراقبين ان النظام في سوريا متجه صوب مزيد من تحقيق الاستقرار السياسي خاصة بعد التقبل العربي والخليجي لاستمرار الرئيس السوري بشار الأسد في إدارة الرئاسة في سوريا، وهذا ما حدث من خلال عدة مناسبات منها الزيارات الى عدد من الدول الخليجية مثل المملكة العربية السعودية والامارات، بل كان من المفترض ان تكون هناك زيارة مرتقبة لبشار الأسد الى تركيا الجارة المساهمة بالإحداث المتسارعة في سوريا حالياً.

ومع اعلان وقف اطلاق النار بين الجانب الإسرائيلي وحزب الله بعد اكثر حرب صعبة خاضها الطرفان تسارعت الاحداث على الجبهة السورية حيث استطاعت المعارضة السورية المسلحة من السيطرة على عدد من المحافظات ذات الابعاد الاستراتيجية بالنسبة للنظام اقتصادياً وسياسياً ومن ذلك محافظة حلب التي سيطرت عليها المعارضة السورية المسلحة بالكامل ومن ثم سيطرة على محافظات أخرى مثل حماة وحمص ودرعا، وهذا كشف عن تهاوي سلطات النظام السوري الأمنية والاستخباراتية والشعبية حتى على مستوى الطائفة العلوية المحسوب عليها، وهذا الامر سمح للمعارضة السورية المسلحة بالتوجه نحو العاصمة السورية دمشق والسيطرة على مقر السلطة الرئاسية في سوريا.

 وبذلك في قراءة المشهد السوري نكون امام عدة تساؤلات منها: ما أسباب الانهيار المتسارع في سوريا؟، ماذا تريد المعارضة السورية المسلحة بعد سقوط النظام في دمشق؟، ما العلاقة بين الاحداث في قطاع غزة وجنوب لبنان بالإحداث على مستوى الساحة السورية؟، ماهو موقف روسيا وإيران وحزب الله والفصائل المسلحة في العراق واليمن من الاحداث في سوريا؟.

من أسباب تراجع النظام امام المعارضة السورية المسلحة ان الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان ودخول حزب الله في حرب صعبة مع إسرائيل قد خدم الفصائل المسلحة في السورية، وجعل نظام بشار الاسد مكشوف الظهر خصوصاً في ظل حالات الفقر والفساد وانعدام العقيدة العسكرية للقوات الرسمية في سوريا، أي ان انشغال حزب الله في الحرب مع إسرائيل قد ساهم في تصاعد نشاط القوى المسلحة في سوريا، اما السبب الآخر يبدو ان حلفاء النظام السوري كروسيا وايران منشغلين في ملفات أخرى، بالإضافة الى الامتعاض من بشار الاسد خلال الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان.

اما بخصوص اهداف المعارضة السورية فهي وان كانت تشهد انقساما واضحا من حيث الاجندات والانتماءات لكن البارز على المعارضة السورية المسلحة منها ولائها الخارجي اذ تساهم تركيا الى جانب قطر بدفعها باتجاه التصعيد لحسابات تخص الداخل السوري وحسابات خارجية تتعلق بالصراع الإقليمي، بالإضافة الى اجندات إسرائيل التي تريد ان تستثمر ضعف الأسد او اسقاطه من اجل إضعاف امدادات حزب الله عبر قطع الهلال الممتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا الى لبنان.

ومن ذلك فقد اتهمت بعض القوى السياسية التركية حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان، بالاشتراك مع إسرائيل والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بشن عملية شاملة في سوريا. وتعد هيئة تحرير الشام القوة البشرية الرئيسية في العملية حتى الآن، ومتهمةً أيها بأنها منظمة إرهابية حتى من قبل تركيا والولايات المتحدة. مؤكدة على أن الاستعدادات جارية لمهاجمة سوريا تحت ذريعة (التهديد الأمني)، ويحذر من أن هذا من شأنه أن يجر المنطقة إلى حروب دموية جديدة لا نهاية لها. ومرة أخرى، يتبين أن حكومة حزب العدالة والتنمية لها تنسيق مستمر مع إسرائيل، وان وجود العلم التركي في حلب والتفاخر بالغزو من قبل الكتاب المؤيدين لحزب العدالة والتنمية لا يغيران من حقيقة أن تركيا بكونها منخرطة في جهد لتفكيك دولة مجاورة على حد وصف تلك القوى.

ورغم ما يراه معلقون أن تركيا قد تكون هي التي تقف وراء اندلاع هجوم المعارضة المسلحة في سوريا، فإنهم يلاحظون وجود «غض نظر» من إدارة بايدن على الحدث، قد يكون من بين أهدافه، ليس فقط الضغط على إيران وروسيا، بل محاولة التأثير على إدارة ترامب المقبلة، لضمان عدم سحب القوات الأميركية من شمال شرقي سوريا، والحفاظ على مظلتها لحماية الأكراد من أي هجوم تركي، في حال لم تفلح محاولات التوصل إلى صيغة مقبولة للحل في سوريا.

ويلفت برايان كاتوليس، كبير الباحثين في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إلى إن الحرب الأهلية في سوريا: لم تنتهِ حقاً، فقد استمرت لسنوات دون أن يلاحظ العالم ذلك، ولكنها كانت تجري بمستوى أقل من الشدة، ويتابع في حديث لمواقع اعلامية من ان الصراع المتجدد في المنطقة أدى إلى تعقيد الأمور بالنسبة لمجموعة أخرى معارضة للأسد: المقاتلون الأكراد الذين كانوا قد سيطروا على أجزاء من محافظة حلب.

من جانب آخر تتخوف الكثير من الدول من ان تكون للأحداث المتسارعة في سوريا انعكاسات على الامن الإقليمي ومن ذلك تخوفات الدول المجاورة ومنها العراق الذي اكدت حكومته في أكثر من مناسبة على رفضه للعمليات التي تقوم بها المعارضة المسلحة في سوريا والخشية من ان يساهم ذلك في ولادة موجه جديدة وتحفيز للخلايا النائمة من الإرهاب في العراق مقارب لما شهده العراق خلال السنوات الماضية من ظهور تنظيمات إرهابية مثل تنظيم داعش.

ومما تقدم يبدو ان الاحداث المتسارعة التي تشهدها سوريا قد لا تشبه سابقاتها من خلال خطورتها على الداخل السوري اذ بات نظام بشار مهدد من أي وقت مضى، واسئلة البديل الذي سيشغل الداخل السوري وخارجه، كما لا تخلو تلك الاحداث من مخاطر على الجوار الجغرافي لسوريا لذا ضرورة الحذر الشديد، ومن دون شك ان تلك الاحداث ارتبط بصورة مباشرة بتداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وبالأخص على جنوب لبنان وانشغال الحزب بالجبهة اللبنانية الداخلية ساهمت بتهشم الجبهة والنظام في مواجهة خصومه الداخليين والخارجيين، وكل ذلك يضع سوريا امام مشاهد جديدة ومنها إدارة وضع المجموعات البشرية في سوريا والكيفية التي تدار بها لمرحلة ما بعد بشار الأسد.

* مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية / 2001 – 2024 Ⓒ

http://mcsr.net

اضف تعليق