وبدلا من دعم وتمكين استراتيجية اسرائيل القاسية، على اية حال، فإن الفاعلين على المستوى الدولي بحاجة الى ايجاد تسوية سياسية التي تبدأ بوقف إطلاق النار في الحروب الدموية في غزة ولبنان، وينبغي ان تكون الخطوة التالية هي إشراك الحكومات المرتبطة بالمحور في التفاوض على تسوية أوسع نطاقاً تأخذ...
بقلم: ريناد منصور، Foreign Affairs
ترجمة: د. حسين احمد السرحان/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
في الاستجابة الى هجوم حماس في 7 تشرين الاول 2023، أطلقت الحكومة الاسرائيلية حربا اقليمية بقصد اعادة تشكيل الشرق الاوسط. واستهدفت اسرائيل بشكل خاص ما يسمى بمحور المقاومة، وهي شبكة من الجماعات المتحالفة مع إيران والتي تتضمن حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، ونظام بشار الاسد في سوريا، واجزاء من الحشد الشعبي في العراق.
وعلى نطاق يتضاءل مقارنةً بالجهود السابقة ضد هذا المحور، عملت إسرائيل خلال العام الماضي على محاولة تدمير البنية التحتية السياسية والاقتصادية والعسكرية واللوجستية والاتصالات لهذه الجماعات. كما انها قامت بحملة غير مسبوقة ضد قيادات هذا المحور، اذ قتلت قيادات حماس وحزب الله والعديد من القيادات في حرس الثوري الاسلامي الايراني.
ضراوة الهجوم الاسرائيلي، المدعوم بالتكنولوجيا المتقدمة واستراتيجية الحرب الشاملة التي تدمر المدن والاحياء وتخليها من سكانها، ستؤدي الى تغيير كبير في ميزان القوى في الشرق الاوسط. ولكن على الرغم من تفوقها العسكري الذي لا يمكن انكاره، فضلا عن الدعم الذي تتلقاه من الولايات المتحدة وبريطانيا واوروبا، فمن غير المرجح ان تتمكن اسرائيل من القضاء على المنظمات والانظمة التي تنتمي الى المحور بالطريقة التي تأملها.
لقد اثبت محور المقاومة مرة تلو الاخرى قدرته على التكيف والمرونة التي تدلل على الروابط العميقة بين مجموعاته داخل دولها ومجتمعاتها. وما هو أكثر، فان العلاقات العابرة للحدود الوطنية التي يتألف منها المحور تعني أن حماس وحزب الله والمنظمات الأعضاء الأخرى لا يمكن فهمها على أفضل وجه باعتبارها مجرد جهات فاعلة غير حكومية منفصلة أو مجموعات مسلحة متمردة، بل باعتبارها عقداً مترابطة من شبكات سياسية واقتصادية وعسكرية وأيديولوجية دائمة.
هذه الشبكات، اقليمية واحيانا حتى عالمية، سمحت لأعضائها في المحور استيعاب الصدمات المختلفة، ومن ضمنها الانتكاسات العسكرية، مثل الاغتيال الذي نفذته الولايات المتحدة للزعيم الفعلي الجنرال الايراني قاسم سليماني في كانون الثاني 2020، والانهيارات الاقتصادية، مثل العقوبات المُعطلة من قبل الرئيس الاميركي دونالد ترامب وهي حملة "الضغوط القصوى"، وصدمة البنوك اللبنانية لعام 2019، التي اذابت الحسابات المالية للعديد من الجماعات ضمن المحور، والاحتجاجات الشعبية مثل الاحتجاجات المعارضة لسلطة اعضاء المحور في ايران والعراق ولبنان وسوريا وغزة. وبالرغم من هذه التحديات، فان اعضاء المحور –والمحور ككل– استفادوا من دعم دولهم ومجتمعاتهم المحلية ومن ابعضهم البعض من اجل البقاء.
يشير الصمود التاريخي لمحور المقاومة بان اسرائيل ستجد صعوبة في ازالة جماعات مثل حماس وحزب الله. وفي كل الاحوال، استراتيجي الحرب الشاملة لإسرائيل سوف تستمر في تحقيق انتصارات قصيرة الاجل للجماعات المسلحة والدول، وتدفعها الى نوع من نمط البقاء لمدة من الوقت. لكن من دون الحل السياسي الذي يأخذ بنظر الاهتمام الترسيخ الاجتماعي لهذه الجماعات، فمن المرجح ان تعيد أطراف المحور رسم المصادر المحلية للنفوذ، الى جانب اتصالاتها العابرة للدول، لإعادة تشكيل نفسها على المستويين المحلي والاقليمي. ومنذ تشرين الاول 2023، في الحقيقة، استحوذت جماعات مشابهة ضمن المحور على فرصة تعزيز تحالفاتها. وفي حين ان حماس وحزب الله والحرس الثوري يتحملون الهجمات الاسرائيلية، فأن جماعات مثل كتائب حزب الله في العراق والحوثيين في اليمن، استغلوا الحرب ليبرزوا كلاعبين إقليميين هائلين.
المرونة عبر التكيّف
محور المقاومة كما هو اليوم، يختلف بشكل كبير عن الشبكة التي انشأت في عقد الثمانينيات من القرن الماضي. في ذلك الوقت شُكلت الجمهورية الاسلامية في إيران ودعمت حزب الله في لبنان كوسيلة لفرض قوتها. كان الهدف "تصدير الثورة" واستخدامه كدفاع متقدم خلال الردع غير المتكافئ ضد التهديدات المتصورة، وبشكل اساس من اسرائيل. وقد كاثرت إيران هذا النموذج استراتيجيا في مختلف البلدان. وفي نفس الوقت الذي اسست فيه إيران حزب الله، أنشأت جماعات شيعية عراقية مثل فيلق بدر، الذي لعب دورا في الاطاحة بنظام صدام حسين والاستيلاء على السلطة في العراق بعد 2003. وفي التسعينيات من القرن الماضي، ودعمت الفصائل الفلسطينية مثل الجهاد الاسلامي وحماس وبهذه الطريقة ساعدت على تعزيز نفوذها. وفي اعقاب الانتفاضات العربية (الربيع العربي) وسعت دعمها للأسد في سوريا والحوثيين في اليمن، مما قاد الى تعزيز شبكتها الاقليمية.
ما برعت به هذه الجماعات بشكل اساس هو الاعتماد الكبير على الانظمة الحاكمة وقواعدها الاجتماعية في بلدانها. لقد رسخت هذه المجموعات نفسها ضمن نسيج دولها الى الحد الذي أصبح فيه رؤساء الحكومات في إيران، العراق، لبنان، سوريا، اليمن، وغزة اما اعضاء في هذه الجماعات التي تنتمي الى المحور او جرى اختيارهم بدعم من هذه المجموعات. فضلا عن ذلك، العلاقات العابرة للحدود بين هذه المجموعات هي سياسة تأمين حاسمة خلال فترات الصدمات.
الاختبار المبكر للمحور كان في عام 1992 عندما اغتالت اسرائيل عباس الموسوي الامين العام لحزب الله. في هذا الوقت، اعلنت الصحف الاسرائيلية الرئيسة بأن "عهد الصراع مع حزب الله في ارضه قد انتهى". على الرغم من عملية الاغتيال، فان حزب الله كان قادرا على اعادة تشكيل نفسه. استفاد الحزب من الدعم المالي المحلي بالاعتماد على المجتمع الشيعي اللبناني والدعم الامني من إيران، التي وفرت المساعدات المالية والتدريب العسكري والتوجيه الاستراتيجي. شبكة الدعم القوي هذه مكنت حزب الله ليس من العودة فحسب، بل ايضا من توسع نفوذه.
في ظل توجيهات مجلس الشورى للحزب، وحسن نصر الله، خليفة الموسوي، أصبح حزب الله قويا بما يكفي لإجبار اسرائيل على الخروج من الاراضي اللبنانية عام 2000. وهذا الانتصار، الى جانب حرب عام 2006 التي قاتل فيها حزب الله ضد اسرائيل حتى هدأت الامور –وهو انجاز لمليشيات عربية– اديا الى تعزيز سمعته الى حد كبير. كما انها بشرت بتجسيد جديد لمحور المقاومة.
التحدي الاخر لمحور المقاومة جاء عام 2011، عندما واجه نظام الاسد في سوريا التهديد الوجودي في الحرب الاهلية. وقد أعقب المتظاهرات ضد النظام، التي سعت بداية الى الاصلاحات، انتفاضة مسلحة خاضتها جماعات –بدعم من تركيا والدول الخليجية– مطالبة بتغيير النظام. مع ذلك، نجح المحور مرة اخرى بطرق عدة سمحت له في التغلب على الازمة. وقد ساعد الأسد جزئيا العلاقات المهمة التي أقامها المحور مع دول خارج المنطقة: والأهم من ذلك، أن روسيا جاءت لإنقاذ الأسد وأصبحت شريكا عالميا مؤثرا للشبكة. لكن نظام الاسد استفاد ايضا من مساعدة اعضاء المحور الاخرين.
في ظل التوجيه الاستراتيجي لقاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري الايراني، الى جانب الجماعات الشيعية العراقية المسلحة، بدأت هذه المجموعات في بناء جسر بري حيوي لنقل الإمدادات والأسلحة والأفراد من إيران والعراق الى سوريا. مقاتلو حزب الله انتشروا على الخطوط الامامية في الحرب الاهلية، اذ لعبوا دورا حاسما في اخماد الانتفاضة المسلحة. (على الرغم من تردد حزب الله في التدخل في الصراع السوري بسبب معارضة داعميه المحليين، فقد اجبرته إيران على التدخل). ومع ان حكومة الاسد كانت على حافة الهاوية، تدخل حزب الله بشكل حاسم لحماية النظام ومنع قيام نظام جديد في دمشق قد يكون معادي للمحور.
قادت انتفاضات عام 2011 ايضا الى التفاعل الرسمي للحوثيين داخل محور المقاومة. وبعد الاطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، ساهم الدعم الايراني في تحويل الحوثيين من جماعة مسلحة محلية الى قوة عسكرية هائلة. وبواسطة توفير المساعدة المالية، والاسلحة المتقدمة، والتدريب العسكري، مكنت الحوثيين من تعزيز قدراتهم العملياتية. هذه المساعدة، الى جانب قواعد الدعم الشعبي، سمحت للحوثيين بالاستحواذ والسيطرة على العاصمة صنعاء عام 2014 والمحافظة على هيمنتهم ضد التحالف الذي قادته السعودية. فضلا عن الهجمات العسكرية، واجه محور المقاومة اعتداءات اقتصادية في شكل عقوبات. خلال السنوات الاولى من هذا القرن، الطموحات النووية الايرانية واتساع نفوذها استدعت التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية الى فرض عقوبات جديدة على إيران وحلفائها ضمن محور المقاومة.
العقوبات ازدادت بشكل دراماتيكي في العام 2018، عندما تراجع ترامب عن الاتفاق النووي وأطلق حملة الضغوط القصوى. هذه الحملة كانت تهدف جزئيًا إلى خفض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وبالتالي تجريد النظام من مصدر إيرادات حيوي. هذه العقوبات دمرت الاقتصاد الايراني، لكنها لم توقف النظام عن تصدير النفط. وبدلا من ذلك، وجدت طهران طرق لبيع نفطها في الاسواق غير الرسمية. ومع مساعدة حلفائها في محور المقاومة، استخدمت هذه الاسواق لتجارة موارد الطاقة، وتمويل العمليات العسكرية، والوصول الى الدولار الامريكي. في العراق، على سبيل المثال، عملت مع باقي المحور لجمع النفط الايراني وغير الايراني قبل بيعه الى البلدان في اسيا. والعوائد من هذه التجارة سمحت لإيران بشراء الاسلحة وشحنها الى حلفائها في المنطقة. كما انها تمنح الحلفاء اتصالات عالمية اضافية كما في التواصل مع مشتري النفط الصينين.
التحدي الرئيس الاخير الذي واجهه محور المقاومة قبل الهجوم الاسرائيلي على حماس وحزب الله بعد السابع من تشرين الاول 2023 هو اغتيال سليماني من قبل واشنطن في كانون الثاني 2020. ساعد سليماني بتأسيس المحور، ودوره كزعيم فعلي له، فضلاً عن أسلوبه القيادي من الأعلى الى الأسفل، يعني أن اغتياله كانت بمثابة انتكاسة كبيرة لإيران وحلفائها. ورغم أن الهجوم أحدث موجات من الصدمة في المحور، اذ اختفت مجموعات أعضاء المحور في العراق تحت الأرض، إلا أنه في النهاية أظهر قدرة المحور على التكيف مع التهديدات الجدية.
بعد موت سليماني، انتقل المحور من القيادة (من الاعلى الى الاسفل) الى تحالف اقليمي أكثر تكاملاً. واحتفظت إيران بدورها المحوري في تحديد الاتجاه الاستراتيجي لمحور المقاومة. بل ان الهيكل الجديد سمح للأعضاء الآخرين بقدر أكبر من الاستقلال والتفاعلات المستقلة مع طهران ومع بعضهم البعض. وفي الهيكل الجديد، أصبح حسن نصر الله (زعيم حزب الله) وسيطاً مهماً: هو وفر دليل استراتيجي تنظيمي لإسماعيل قآني، خليفة سليماني، هدف قآني تحويل المحور الى مؤسسة أكثر رسمية وتماسكاً، وتمكين اعضاء المحور في المنطقة من ان تأخذ قدر أكبر من السيطرة والعمل. (هذا الهدف كان مساعدا. (وقد ساعد في تحقيق هذا الهدف، عن غير قصد الى حد ما، حقيقة أن قآني لم تكن لديه علاقات شخصية عميقة الجذور مثل سليماني ولا يتقن اللغة العربية، وهو ما جعل توجيهات نصر الله أكثر أهمية).
في العراق، على سبيل المثال، برز نصر الله وممثله محمد كوثراني كمستشارين رئيسيين لحكومة بغداد. هؤلاء ساعدوا على قمع انتفاضة تشرين التي انطلقت قبل أشهر قليلة من اغتيال سليماني، اذ طالب المتظاهرون بإنهاء النظام الحاكم المتحالف مع إيران الذي تولى السلطة بعد عام 2003. نصر الله وكوثراني ساعدا في تحصين النظام الحاكم ضد الاحتجاج الشعبي. وخلال هذه الفترة، كوثراني ايضا وسع بشكل كبير المصالح الاقتصادية لحزب الله عبر العراق. وبالتالي ملء الفراغ الذي خلفه موت سليماني. هذه التغييرات، على الرغم من كونها كانت مدفوعة بصدمة سلبية، الا انها اعادت تشكيل المحور مرة اخرى.
الاستجابة الى الحرب الاسرائيلية الشاملة
التهديدات السابقة الى محور المقاومة لا تشكل شيئا بالمقارنة الى الحرب الشاملة التي أطلقتها اسرائيل في الرد على هجوم حماس في 7 تشرين الاول. كما هو الحال من قبل، أُجبر المحور على التكيف من اجل بقاءه. في الخصوص، استمر المحور الى التحول الى هيكل قيادة أكثر افقية وعززت أكثر علاقاتها العابرة للحدود.
الى درجة أكبر بكثير من الصراعات السابقة، الحرب الاسرائيلية ضد حماس وحزب الله رسمت ردا قويا من باقي الحلفاء ضمن المحور مثل الحوثيين وكتائب حزب الله التي تعود جذورها الى فيلق بدر في ثمانينيات القرن الماضي، وهي مرتبطة حالياً بقوات الحشد الشعبي في العراق. سابقا، هذه الجماعات كانت هامشية بالنسبة الى ديناميكيات اوسع في صراعات الشرق الاوسط. خلال السنة الماضية، مع ذلك، عمقت هذه المجموعات من استقلاليتها ومن تأثيرها الاقليمي.
الحوثيون، على سبيل المثال، بدأت في المرة الاولى باستخدام الصواريخ الباليستية ضد السفن لتعطيل طرق الملاحة التجارية. وهم هاجموا السفن التي تبحر في البحر الاحمر واجبرت شركات الشحن الى تغيير طرقها الملاحية حول افريقيا والتي قادت الى زيادة كلف وتأخر في تسليم الطاقة، الغذاء، والسلع الاستهلاكية حول العالم.
كتائب حزب الله ايضا سعت الى ترابط أكثر ومشاركة أكبر في ساحة الصراع العابرة للحدود الوطنية مع تعرض حماس وحزب الله للهجوم. وفي خطوة تحدت المفاهيم الشعبية حول دورها كوكيل لإيران، قتلت المجموعة ثلاثة من اعضاء الخدمة الاميركيين في كانون الثاني 2024 على طول الحدود الاردنية–السورية في الهجوم على موقع عسكري اميركي يُعرف باسم (Tower 22). وهذا الفعل كان ضد ارادة الحرس الثوري الذي طالب الكتائب بعد ذلك بوقف إطلاق النار. ومع ذلك، كشف الهجوم عن تشكيل جديد للمحور يتضمن اتخاذ قرارات أكثر استباقية واستقلالية من جانب أعضائه.
كذلك ساهمت عملية اعادة التوجه بعد 7 تشرين الاول في تعزيز العلاقات الوثيقة بين بعض اعضاء محور المقاومة. ولسنوات عدة، حافظ الحوثيون على وجود اسمي في العراق، بممثل واحد في بغداد. وبدا ذلك المبعوث اكثر رمزية وموضوعية. وفي الرد على الهجمات الاسرائيلية ضد حماس وحزب الله، عزز الحوثيون تعاونهم مع قوات الحشد الشعبي. هذا التعاون المكثف شهد زيادة في مشاركة الاسلحة والعمليات المشتركة والقدرة على مهاجمة اسرائيل.
عمل اعضاء المحور سوية عبر الحدود بشكل أكثر تضافرا بعد اغتيال حسن نصر الله في ايلول. وعقب اغتياله، عشرات من النخب الاقتصادية في حزب الله وعوائلهم ذهبوا الى جنوب العراق وسافروا برا من خلال سوريا وبمساعدة الاسد. وسرعان ما وجدوا أماكن لإعادة التوطين، اذ زاد حزب الله من نشاطاته الاقتصادية في العراق بعد مقتل سليماني ومن ضمنها استثمارات في البنى التحتية والاراضي والمجمعات السكنية. هذه الروابط الاقتصادية سمحت لنخب حزب الله بالابتعاد عن خط النار المباشر في لبنان مع الاستمرار في توليد الإيرادات. ومرة اخرى فأن الروابط العابرة للحدود وفرت امكانية لأعضاء محور المقاومة بالابتعاد والهروب خلال فترة الصعوبات الكبيرة.
الحاجة الى المحاسبة
اسرائيل، بالتأكيد، تدرك الطبيعة العابرة للحدود لمحور المقاومة. وبسبب هذا الادراك بالتحديد، شرعت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بإستراتيجيتها للحرب الشاملة ردا على هجوم 7 تشرين الاول 2023، وارتبطت الاستراتيجية بهجمات متفاوتة الشدة ليس فقط ضد حماس، بل ايضا ضد حزب الله وإيران ونظام الاسد وباقي اعضاء المحور.
ومع ذلك، الافعال الاسرائيلية خلال السنة السابقة تشير الى ان اسرائيل قللت استراتيجيا من قدرة اعضاء المحور على الصمود ومدى امكانية الحل العسكري، حتى لو لم يكن بالقانون الدولي، في جلب التغيير الاجتماعي في البلدان الاخرى. اثبت العام الماضي بأن شبكة محور المقاومة لاتزال قادرة، والى حد كبير، على التكيف مع التحديات الاقتصادية والاجتماعية. وبينما العديد من الجماعات اعضاء محور المقاومة ستبقى في مخابئها او في اوطانها هذه الفترة من الصراع المكثف، سيعتمدون على الدعم المحلي، وعلى اعضاء آخرين من المحور في المنطقة، وعلى الحلفاء العالميين مثل روسيا والصين.
إن القضاء على الشبكة بالكامل مهمة مستحيلة وربما تتطلب، على الأقل، هدم واحتلال وإعادة تأسيس دول جديدة أينما كانت تتواجد هذه المجموعات. وبالنسبة لدولة مثل إسرائيل، التي اتُهمت بارتكاب جرائم حرب في المحكمة الجنائية الدولية والأمم المتحدة، فإن هذا النوع من الجهود من شأنه أن يثير ردود فعل سلبية من جانب الحلفاء الرئيسيين والمجتمع الدولي.
التاريخ يشير الى ان الاجراءات العسكرية الاسرائيلية من غير المرجح ان تنجح من دون حل سياسي شامل، وخاصة عندما تجري هذه الاجراءات خارج اقليمها. وبدلا من ذلك، الحملة الاسرائيلية سينتج عنها مزيد من عدم الاستقرار في الشرق الاوسط، حيث ان السلام الحقيقي سيكون احتمال بعيد المنال. اثبتت الجرائم الاسرائيلية ضد المدنيين، والتي اُدينت من قبل الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان، انها مدمرة للمجتمع المدني واستخدمتها جماعات المحور لتعزيز ايديولوجيتها المقاومة.
من جانب آخر، فإن السكان في إيران والعراق ولبنان وسوريا سوف يجدون الآن صعوبة أكبر في الإصرار على محاسبة مجموعات المحور التي تحكم حياتهم اليومية، ناهيك عن الصعوبة في المطالبة بالإصلاحات. وسوف يكون هؤلاء المدنيون، وليس أعضاء المحور، هم الضحايا على المدى الطويل للحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل. وبدلا من دعم وتمكين استراتيجية اسرائيل القاسية، على اية حال، فإن الفاعلين على المستوى الدولي بحاجة الى ايجاد تسوية سياسية التي تبدأ بوقف إطلاق النار في الحروب الدموية في غزة ولبنان، وينبغي ان تكون الخطوة التالية هي إشراك الحكومات المرتبطة بالمحور في التفاوض على تسوية أوسع نطاقاً تأخذ في الاعتبار الطبيعة الحقيقية لديناميكيات القوة في المنطقة. وبدون هذا النهج، فإن الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط محكوم عليه بالاستمرار، على حساب الأجيال القادمة.
اضف تعليق