التعداد السكّاني يعد ركيزة أساسية في مفهوم الدول الحديثة، فهو الذي يوفّر البيانات والمعلومات اللازمة لإدارة الدولة بمجالاتها كافة، لأنه يقدم معلومات كميّة ونوعية عن حالة السكّان وتوزيعهم الجغرافي، بدءاً من جنس الشخص وعمره ومؤهله العلمي وحالته الاجتماعية ودخله المالي وعدد غير العاملين ونوعهم، وموقع الفرد ضمن التركيب الاجتماعي...

قد يتساءل البعض عن أهمية وجدوى التعداد العام للسكان تنموياً واجتماعياً واقتصادياً، وبالذات فيما يتعلق بالجهد المبذول والاموال المرصودة والوقت المخصص في جمع البيانات والمعلومات، ومن الاعتقادات الخاطئة لدى البعض ان هدف التعداد العام للسكان هو معرفة الحجم السكاني في دولة او منطقة ما، والحقيقة ان للتعداد السكاني أهداف وغايات اوسع من ذلك بكثير.

فهو عبارة عن صورة فوتوغرافية متكاملة عن المجتمع خلال لحظة زمنية محددة ومكان محدد في ضوء المتغيرات الكثيرة التي يتصف بها المجتمع الانساني، مما يوفر قاعدة من البيانات الملائمة لإجراء المقارنات والاسقاطات للبيانات الديموغرافية.

فالتعداد وفقاً لذلك عبارة عن إجراء منهجي للحصول على معلومات حول الأفراد المستقصى عنهم، وهو الوسيلة لمعرفة خصائص السكان من حيث الحجم والعمر والنوع بحسب الارتباطات المكانية لهذه الخصائص، فضلاً عن الوقوف على المؤشرات الاقتصادية المتمثلة بالعمل والبطالة والفقر والحالة العملية والمهنة، والخصائص الاخرى ذات الارتباط بالحالة التعليمية ومعدّلات الأمية بين السكان والحالة الزواجية والتراكيب الاثنية والقومية. 

اضافة لعامل الهجرة وقياس تياراتها الداخلية واتجاهاتها، ويتقصى التعداد موضوعات أخرى كتلك المتعلقة بالإسكان والزراعة والتصنيع ومعدل الولادات ومستوى الخصوبة، ومعدل الوفيات وأسباب الوفاة، طبيعية أم نتيجة أمراض معينة، ووفيات الاطفال الرضع ووفيات الأمهات أثناء الوضع، وصحة المواليد وعدد الوفيات منهم، بالإضافة لحالات العوق وأنواعها ومسبباتها ودرجاتها، مروراً بالأمراض المزمنة، وكل ذلك ضمن تقسيم إداري واضح يُقام تبعاً للمناطق الجغرافية والمحافظات والاقضية والنواحي والقصبات والاقضية، فالتعداد مرادف لعملية التنمية ولايمكن لعجلة التنمية ان تسير وفق خطى ثابتة وصحيحة إلا بوجود تعداد سكاني يمكن الركون لنتائجه والاطمئنان لأرقامه.

ومن هنا فان دول العالم قد قطعت شوطاً كبيراً في مجال التعدادات السكانية حيث تتم عملية التعداد بصفة رسمية ومنتظمة كل 10 سنوات في الكثير من البلدان، أو كل 5 سنوات، والدورية عنصر مهم في التعداد السكاني لكي تستطيع الدولة رصد التغييرات التي تحدث في البلد ومعرفة اتجاهاتها بالشكل الذي يعطي متخذ القرار امكانية اتخاذ القرار الانسب، وتسهم تعدادات السكان في مساعدة القطاع الخاص على اتّخاذ القرارات وصنع الاستراتيجيات المستقبلية للاستثمار.

احصائية حديثة

يسهم التعداد السكاني في التعرف على مناطق التركز السكاني حسب الجنسية والجنس والعمر وغيرها من المتغيرات الأُخرى، فضلاً عن التعرف على التغير في الظروف السكنية، والمباني، ومنشآت الأعمال ونشاطها الاقتصادي والحراك السكني داخل المدن ، وبالتالي بناء أطر إحصائية حديثة تستخدم في إجراء المسوح الأسرية المتعلقة بقوة العمل والنشاط الاقتصادي.

وتأسيساً على ما تقدم فان التعداد السكّاني يعد ركيزة أساسية في مفهوم الدول الحديثة، فهو الذي يوفّر البيانات والمعلومات اللازمة لإدارة الدولة بمجالاتها كافة، لأنه يقدم معلومات كميّة ونوعية عن حالة السكّان وتوزيعهم الجغرافي، بدءاً من جنس الشخص وعمره ومؤهله العلمي وحالته الاجتماعية ودخله المالي وعدد غير العاملين ونوعهم، وموقع الفرد ضمن التركيب الاجتماعي، ومن ثم يغطي حالة السكن ونوعه والخدمات الأساسية الموجودة فيه من مياه صالحة للاستخدام المنزلي ومصدرها، والصرف الصحي والكهرباء.

من جهة اخرى يضع التعداد السكاني حداً للتخرصات لان لغة الارقام لا يمكن لها ان تخطأ فهو يحقق تصميم صادقاً للبرامج الاقتصادية وتحديد السياسات الضرورية لتحسين دورها بالإضافة إلى رفع مستواها الاقتصادي في المجتمع.

أن آخر تعداد شهده العراق كان في عام 1997 وهذا التعداد شابهُ النقص والعجز والتباين، لأنه لم يشمل إقليم كردستان، فضلاً عما لحقه من سلبيات ناجمة عن ضعف الامكانات، علما أن النتائج النهائية لتعداد عام 1997 لم تظهر إلا في العام 2001 ، وهذا يعد نقصاً كبيراً ، والجدير ذكره أن جميع التعدادات التي حدثت قبل تعداد العام 1977 كانت وزارة الداخلية هي المسؤولة عن إجرائها، إذ كان الهدف منها اثبات القيد فقط، أما تعداد عام 1977 وما بعده فقد اضطلع الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط بتنفيذها لأغراض تنموية وتخطيطية.

ولكي يحظى التعداد بالقبول الوطني والاحترام الوطني لا بد أن يكون هناك التزام بالمبادئ التي وضعها صندوق الأمم المتحدة للسكان والمتمثلة بالآتي:

1- الاعتماد على الوثيقة الدولية لمبادئ وتوصيات تعدادات السكان والمساكن، التنقيح الثاني والتنقيح الثالث.

2- الالتزام بتجميد الحدود الإدارية في المستويات المختلفة قبل فترة مناسبة من تاريخ العدّ.

3- مراعاة تنفيذ فعاليات التعداد بطريقة تلبي احتياجات الجمهور وطمأنينته.

4- الحماية الصارمة للبيانات واستخدام وسائل مأمونة لضمان السرية وتحقيق برنامج لضبط النوعية.

والجديد في التعداد السكاني المقبل في العراق انه سوف يتبنى العد الالكتروني وهو تحول نوعي يتطلب جهود كبيرة، كمنظومة المعلومات الجغرافية، وبناء مركز البيانات، وضمان تناقل الكتروني آمن، وكفاءة برمجية عالية ، وكادر نوعي مؤهل، وهو امر تم توفيره ورصد متطلباته بما يسهم في نجاح التجربة التعدادية.

ان هذا التعداد يمثل اول تعداد تنموي شامل للعراق يجرى منذ 37 عاماً ، وهو يمثل رسالة استقرار اجتماعي وامني واقتصادي ، فضلاً عن كونه يمثل استحقاقاً وطنياً ودستورياً، ويقع ضمن اهداف البرنامج الحكومي.

اضف تعليق