21690

حاتم حميد محسن

 

كانت ضوضاء لندن هي الاكثر ازعاجاً لـ ت.اس. اليوت. حين انتقل من بوستن الى العاصمة البريطانية عام 1914، وجد المدينة "كأنها تحولت الى جحيم رأسا على عقب. الطقس الحار، الشبابيك المفتوحة جميعها، العديد من الاطفال الرضع، اجهزة البيانو الموسيقية، المغنون، العربات العسكرية، صفارات الانذار". الضجيج اتخذ طريقه الى عمله. "ارض النفايات" كانت من اروع القصائد التي تصف الظروف السيئة لحياة المدن في بدايات القرن العشرين.

هذه العلاقة بين الحياة والادب، الفوضى والتفكير، تشكل الاساس لكتاب جفري هارت Jeffrey Hart الجديد. عبر ستة فصول قصيرة ينظر المؤلف، الاكاديمي الامريكي والمتحدث السابق للرئيسين ريشارد نيكسون و رولاند ريغن بعظمة الادب الحديث، بدءاً من توماس مان وحتى ماريلاين روبنسون، الكاتب المعاصر صاحب "الرواية الحديثة والمتميزة" "جلعاد".

ابتداءاً مع اليوت، يحاول الكاتب هارت ادراك أحداث "العالم الممزق" في بدايات القرن العشرين. بعمله هذا، هو يعيد عمالقة الحداثة الى ارض الواقع وبعيداً عن الاثارة، راصداً الاختلافات بينهم كما لو انهم في غرفة واحدة. ارنست همنغواي وُصف منتصباً على طاولته، يعيد بتشاؤم كتابة ملخصاته، مختزلاً قصصه خمس عشرة مرة قبل بلوغه الصيغة الصحيحة الاخيرة. اف سكوت فيزغرالد يكتب بقلق الى همنغواي، مقدما له نصيحة لم يُعمل بها. اليوت وروبرت فروست التقيا في كامبردج عام 1947، وحاولا اثناء تناول الشاي ان يسويا اختلافاتهما الادبية. وبالرغم من سمعتهما الاسطورية، هما فجأة بديا كإنسانين بشوشين.

الكاتب هارت يجمع بين الصرامة الاكاديمية من جهة والحكايات الشخصية والمقاطع الخفيفة من جهة اخرى. ما يبدو من جفاف اكاديمي يصبح بالنسبة له في متناول اليد. هو باستمرار يستعيد المرة الاولى التي التقى بها هؤلاء الكتاب حين كان طالبا جامعيا في نيويورك. الاقتباسات من النقاد الاخرين تُنسج احيانا ضمن قصصه، كما لو انها تُختزل الى محادثة. هذا يمنح الاقتباسات حدوداً مألوفة نوعا ما: "ادموند ولسون Edmund Wilson يتذكر ان فيزغرالد Fitzgerald كان الكاثوليكي المثقف الوحيد الذي قابله". هذه النغمة الخطابية المرحة للكاتب هارت المصحوبة بحماس غير خجول ونقد غير مقيد، جعل "اللحظة الحية" قراءة ممتعة.

بعض اجزاء الكتاب تعمل بشكل افضل من الاخرى. السيد هارت عادة يعيد نفسه، مرتداً الى نفس الاقتباسات التي يستخدمها لعرض الفكرة. احترامه للنقاد الاخرين – مثل جيمس وود James Wood وسوسان سونتاغ Susan Sontag– كان سخيا، لكنه ايضا يضع عائقاً امام تفكيره. استنتاجه بان الحداثة هي ليست اقل تقليدية من اي شيء سبقها ربما يسبب الاستياء لمن يرون ان هؤلاء الكتاب قدموا شيئا جديدا حقا.

ان قوة الكتاب تكمن ليس في تحليله للمؤلفين الافراد وانما في الطريقة التي يقبض بها على كامل الحركة الادبية. السيد هارت يرشد القارئ وبمهارة عبر فصل هام من تاريخ الحداثة. كتابه اصبح بمثابة "بقاء مؤقت ضد الارتباك" – راحة مؤقتة ضد ضجيج المدينة، ومرشد مفيد لكل شخص يرغب في الاطلاع على اعمال مثل هؤلاء الكتاب.

...................................

كتاب اللحظة الحية: الحداثة في عالم متشظ، للكاتب جفري هارت، صدر عام 2012 عن مطبوعات جامعة Northwestern،في 208 صفحة.

...........................

* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق