بعد هذه الاشتباكات وغموض الموقف الأميركي، ستنتهي ثقة الكرد بأنهم في صلب الاستراتيجية الأميركية في سوريا، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار مقومات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، إذ لا يمكن تأسيس إقليم كردي بحكم ذاتي في ظل رفض القوى الإقليمية الفاعلة، مع العلم أن من الصعب على الأميركيين أن يتخلوا...
بقلم: ليلى نقولا
تطورات مرتبطة بالكرد في كل من سوريا والعراق تدفع الوضع الكردي إلى الواجهة مجدداً، هل ستنتهي "ثقة" الكرد بأنهم في صلب الاستراتيجية الأميركية في سوريا؟
تزامن الاشتباك بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والعشائر العربية في دير الزور في سوريا مع المواجهات الشعبية في كركوك في العراق وإعلان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني أنَّ الحكومة المركزية العراقية التزمت بنزع سلاح "الجماعات الإرهابية والانفصالية" وإغلاق "قواعدها"، وأنَّ الموعد النهائي لذلك هو 19 أيلول/سبتمبر الجاري.
تدفع هذه التطورات المرتبطة بالكرد في كل من سوريا والعراق بالوضع الكردي إلى الواجهة، وذلك على الشكل التالي:
في العراق
اندلعت المواجهات في كركوك على خلفية طلب "الحزب الديمقراطي الكردستاني" من الجيش العراقي إخلاء مبنى العمليات المشتركة في المدينة، انطلاقاً من أنه كان مركزاً للحزب قبل أن يتخذه الجيش مقراً في تشرين الأول/أكتوبر 2017.
وعلى الأثر، قام مئات المحتجين من العرب والتركمان بقطع طريق أربيل – كركوك، رفضاً لقرار تسليم مقر قيادة عمليات كركوك للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسرور البارزاني، فيما خرج متظاهرون كرد في تظاهرة مقابلة، واحتجاجاً على قطع الطريق الذي يصل بين محافظتي أربيل وكركوك.
وفي مجال عراقي آخر، وقّع كل من العراق والجمهورية الإسلامية في إيران اتفاقاً في آذار/مارس الماضي لتأمين الحدود بين البلدين ومنع الأنشطة التي تستهدف أمنهما، وخصوصاً أمن إيران، بعدما شكلت منطقة كردستان العراق قلقاً أمنياً لها، إذ استخدمتها المعارضة الإيرانية والموساد الإسرائيلي لاستهداف الداخل الإيراني.
وتوجد عدّة مجموعات كردية إيرانية في منطقة كردستان العراق، وهي مجموعات مسلحة تسعى لتحقيق الحكم الذاتي للكرد داخل إيران، التي تسعى لنزع سلاحها، وهو ما يفرض تحديات وقلقاً على حكومة إقليم كردستان، ما يمكن أن يدفعها إلى أن تطلب من تلك المجموعات -بالحد الأدنى- الخروج إلى الجبال والابتعاد عن الحدود العراقية الإيرانية.
في سوريا
كان التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية التي يسيطر عليها الكرد عاملاً مساهماً في تشجيع الحلم الكردي على الانفصال في الشمال السوري وتأسيس "كونتون" كردي بحكم ذاتي.
تاريخياً، يختلف الوضع الكردي في سوريا عن كل من العراق وتركيا؛ البلدين اللذين يعيش فيهما الكرد منذ مئات السنين، إذ إنَّ النزوح الكردي إلى سوريا لم يتم إلا بعد المذابح التي تعرض لها الكرد من "الحركة الكمالية" في تركيا بعد ثورتهم عام 1925، ما يعني أن الظاهرة الكردية في سوريا لم تكن يوماً جزءاً من حركة قومية كردية تاريخية عمرها مئات السنين.
أما جغرافياً، فإن دولة كردستان، بحسب خريطة "اتفاقية سيفر" عام 1920، التي تعدّ أول وثيقة دولية تُثبت حق الكرد في تقرير مصيرهم، والتي يستشهدون بها للمطالبة بقيام دولة مستقلة، لا تضم لا من قريب ولا من بعيد أي منطقة سورية، لعدم وجود أي كرد كقومية تاريخية في تلك المناطق.
وعلى رغم ذلك، ساهمت الحرب في سوريا وقيام الأميركيين بتأسيس "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) عام 2014 لمحاربة "داعش" ودعمهم الكرد للسيطرة على مناطق واسعة في الشمال الشرقي السوري في إعطاء الكثير من الدفع للطموحات الكردية بالانفصال عن الدولة السورية.
ومؤخراً، اندلعت الاشتباكات بين كل من "قسد" والعشائر العربية في دير الزور حول السيطرة على المناطق السورية ومراكز إنتاج النفط السوري التي تدرّ لتلك الميليشيات الأموال الطائلة.
وفي ظل غموض موقف الجيش الاميركي، تتباين الروايات حول المحرّض والمستفيد الحقيقي من تلك الاشتباكات؛ فمن جهة، يعتقد بعض المعارضين السوريين أن هذه الاشتباكات تتم بإيعاز أميركي، ويشيرون إلى أن الأميركيين يريدون التخلص من قسد لإرضاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ولأنها تقاعست عن القيام بإقفال الحدود العراقية الإيرانية، كما طلب الجيش الأميركي، ولأنها رفضت ذلك (إما بسبب عدم قدرتها، وإما بسبب عدم رغبتها الاشتباك مع الجيش السوري وحلفائه).
وبناء عليه، فإن العشائر العربية التي ستتولى السيطرة على مناطق الشمال الشرقي السوري ستكون مهمتها قطع التواصل الجغرافي الممتد من إيران إلى سوريا فلبنان (بحسب بعض محللي المعارضة السورية).
أما الرأي الآخر، فيشير إلى أن العشائر العربية سوف تطرد "قسد" لمصلحة قوى أستانة (روسيا، إيران، تركيا) التي تريد أن تدفع المصالحة السورية التركية قدماً، إذ يشكّل الخطر الكردي وسيطرته على جزء من الجغرافية السورية أحد العوائق لتلك المصالحة.
وبصرف النظر عن الأسباب والمحرّض الحقيقي لتلك الاشتباكات في سوريا، فإن إنهاء سيطرة قسد التي يسيطر عليها العامل الكردي لمصلحة العشائر العربية يعني سقوط حلم "الكونتون الكردي" المستقل في الشمال السوري.
بعد هذه الاشتباكات وغموض الموقف الأميركي، ستنتهي "ثقة" الكرد بأنهم في صلب الاستراتيجية الأميركية في سوريا، والتي لم تأخذ بعين الاعتبار مقومات التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا، إذ لا يمكن تأسيس "إقليم كردي بحكم ذاتي" في ظل رفض القوى الإقليمية الفاعلة، مع العلم أن من الصعب على الأميركيين أن يتخلوا عن تركيا -العضو في حلف شمال الأطلسي- لمصلحة مكوّن كردي تحالفوا معه للقضاء على "داعش" الذي يستخدمونه للسيطرة على مناطق الشمال الشرقي السوري التي يشكّل المكوّن العربي الأكثرية فيها.
اضف تعليق