لورا تايسون

 

بيركلي ــ على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية، فشلت الأجور الحقيقية في الولايات المتحدة في مواكبة مكاسب الإنتاجية؛ فبالنسبة للعامل غير الزراعي العادي، تنامت مكاسب الإنتاجية بما يعادل مثلي سرعة نمو الأجور. وبدلاً من ذلك، ذهبت حصة متزايدة من المكاسب إلى نسبة ضئيلة من العاملين على القمة ــ المديرين والمسؤولين التنفيذيين على المستوى الرفيع عادة ــ والمساهمين وغيرهم من مالكي رأس المال. والواقع أنه في حين انخفضت الأجور الحقيقية بنسبة 6% تقريباً بالنسبة لشريحة العشرة في المائة عند قاع توزيع الدخول، وارتفعت بنسبة تافهة لا تتجاوز 5% إلى 6% بالنسبة للعامل المتوسط، فقد سجلت ارتفاعاً هائلاً تجاوز 150% بالنسبة لشريحة الواحد في المائة الأعلى على الإطلاق. ولكن كيف يمكن إذن تخفيف هذا الاتجاه المقلق؟

يتلخص أحد الحلول المحتملة في برامج تقاسم الأرباح الواسعة النطاق. فجنباً إلى جنب مع التدير المهني وتوفير الفرص للعاملين للمشاركة في حل المشاكل واتخاذ القرارات، أظهرت مثل هذه البرامج قدرتها على تعزيز مشاركة العاملين وولاءهم، وخفض دورة رأس المال، وتعزيز الإنتاجية والربحية.

ويعود تقاسم الأرباح بالفائدة على العمال أيضا. فالواقع أن العمال في الشركات التي تطبق برامج تقاسم الأرباح وملكية الموظفين يحصلون عادة على أجور أعلى كثيراً من تلك التي يحصل عليها العاملين في الشركات المماثلة التي لا تطبق مثل هذه الترتيبات. ونحو نصف قائمة فورتشن التي تتألف من أفضل مائة شركة يمكن العمل لديها تدير برامج لتقاسم الأرباح أو ملكية الأسهم تمتد إلى خارج دائرة المسؤولين التنفيذيين بحيث تشمل العمال العاديين.

وبرغم الفوائد المؤكدة المترتبة على برامج تقاسم الأرباح، فإن نحو الثلث فقط من العاملين في القطاع الخاص في الولايات المتحدة يشاركون في مثل هذه البرامج، ونحو 20% يمتلكون أسهماً في شركاتهم. وإذا كانت هذه البرامج ناجحة إلى هذا الحد، فلماذا لا يتم تطبيقها على نطاق أوسع انتشارا؟

أولا، ربما يسعى المسؤولون التنفيذيون الذين تمثل الأرباح الموزعة بالفعل جزءاً كبيراً من دخولهم إلى مقاومة البرامج التي توزع الأرباح على المزيد من العاملين، خشية أن تنخفض دخولهم. فحتى برغم أن مثل هذه البرامج تعمل على زيادة الربحية الإجمالية فإنها ربما تقلل من نصيب الإدارة العليا والمساهمين في الأرباح.

وثانيا، يخشى العمال أن يأتي تقاسم الأرباح على حساب الأجور، فقد تسفر الاستعاضة الأجور المؤكدة بأرباح غير مؤكدة إلى خفض التعويض الإجمالي. ولابد من هيكلة خطط تقاسم الأرباح الفعّالة لمنع هذه النتيجة، ومن الممكن أن تساعد حقوق المفاوضة الجماعية القوية في توفير الضمانات اللازمة.

وثالثا، إذا كان لبرامج تقاسم الأرباح الشاملة أن تحدث التأثير المرغوب على الإنتاجية، فلابد أن تكون مقترنة بمبادرات أخرى لتمكين العاملين. وتتمثل إحدى الطرق لتحقيق هذه الغاية في إنشاء مجموعات منتخبة من "مجالس العمل" من الموظفين الذين يملكون حق الحصول على المعلومات والمشورة، بما في ذلك ظروف العمل.

الواقع أن مجالس العمل وحقوق المفاوضة الجماعية القوية، وهي من سِمات أماكن العمل العالية الإنتاجية، شائعة في الاقتصادات المتقدمة. ولكنها ناقصة في الولايات المتحدة، حيث يجعل القانون الفيدرالي من الصعب على الشركات أن تنشئ مجالس العمل ويحظر المفاوضات بين أرباب العمل حول ظروف العمل خارج إطار المفاوضة الجماعية، حتى برغم أن أغلب العاملين يفتقرون إلى حقوق المفاوضة الجماعية. وفي تطور واعد، أعلنت نقابة عمال السيارات المتحدة مؤخراً أنها في حين تواصل الضغط من أجل الحصول على حقوق المفاوضة الجماعية، فإنها تتعاون أيضاً مع الإدارة لتشكيل مجلس عمل في مصنع فولكس فاجن الألماني في ولاية تنيسي.

ويتمثل العائق الرابع الذي يحول دون إنشاء برامج تقاسم الأرباح في أنها تستلزم حدوث تحول جوهري في ثقافة الشركات. فبرغم أن أغلب الشركات تؤكد على أهمية رأسمالها البشري، فإن كبار المسؤولين التنفيذيين والمساهمين لا زالوا يميلون إلى النظر إلى العمال في الأول باعتبارهم عامل تكاليف وليس بوصفهم عامل إيرادات ــ وهي النظرة المتأصلة في ممارسات الموارد البشرية التقليدية والتي يتكلف تغييرها كثيرا.

وخلافاً للفوائد المالية المترتبة على خفض تكاليف العمالة، فإن الفوائد المالية المترتبة على تقاسم الأرباح، والتي تتحقق تدريجياً من خلال تعظيم مشاركة العاملين وتقليص دورة رأس المال، يصعب قياسها، وغير مؤكدة، ومن غير المرجح أن تخلف تأثيراً فورياً على ربحية كل سهم، وهو المحدد الرئيسي لتعويضات المسؤولين التنفيذيين. ومن غير المستغرب إذن أن يتم تقدير مزايا تقاسم الأرباح بأقل من قدرها من قِبَل العديد من الشركات، وخاصة تلك التي تركز على مقاييس النجاح في الأمد القريب.

وعلاوة على ذلك، قد تفتقر الشركات، حتى عندما تدرك المزايا الكامنة في تقاسم الأرباح، إلى المعرفة الفنية اللازمة لتصميم برنامج يناسب احتياجاتها. وقد أنشأت بعض الولايات مكاتب للمساعدة الفنية معنية في المقام الأول بمساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في التغلب على هذه الفجوة. وينبغ للحكومة الفيدرالية أن تعمل على إنشاء برامج مساعدة فنية خاصة بها للبناء على الجهود التي تبذلها الولايات والوصول إلى عدد أكبر من الشركات.

من منظور السياسة العامة، يمكن القيام بما هو أكثر من ذلك كثيراً لتشجيع الشركات على إنشاء ترتيبات تقاسم الأرباح على نطاق قاعدي واسع. ويسمح قانون الولايات المتحدة الحالي للشركات باقتطاع أجور كل الموظفين من الضرائب المستحقة عليها، باستثناء أكبر خمسة مسؤولين تنفيذيين، الذين تقتصر خصوماتهم على مليون دولار من الراتب السنوي، ما لم يكن التعويض الزائد "مرتبطاً بالأداء". وبدافع من هذا الحافز الضريبي جزئيا، عملت الشركات على تحويل تعويضات أكبر مسؤولين تنفيذيين نحو الأسهم، والخيارات، وغير ذلك من أشكال تقاسم الأرباح وملكية الأسهم، وهو ما لا يشمل العمال المنتظمين إلى حد كبير.

وقد اقترح البعض أن يكون خصم الضريبة مقتصراً على الأجر المرتبط بالأداء بالنسبة للشركات التي تطبق برامج تقاسم الأرباح على نطاق واسع. ولكن برغم أن هذا النهج ربما يشجع تقاسم الأرباح مع المزيد من العاملين، فإنه قد يستمر في تزويد الشركات بقدر كبير من الإعفاءات الضريبية عن حزم التعويض الضخمة لكبار المسؤولين التنفيذيين.

وتقدم مرشحة الرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون اقتراحاً أكثر دقة: الإعفاء الضريبي بنسبة 15% عن الأرباح التي توزعها الشركات على العمال على مدى أكثر من عامين. ومن خلال تقديم إعفاءات ضريبية مؤقتة، فإن هذه الخطة تصبح قادرة على مساعدة الشركات في تعويض التكاليف الإدارية المصاحبة لإنشاء برامج تقاسم الأرباح. ومن أجل الحد من التكاليف ومنع إساءة الاستغلال، فإن الأرباح التي يتجاوز مجموعها 10% على قمة أجور العاملين سوف تستبعد؛ وسوف يتم تحديد سقف للمبلغ الإجمالي المقدم إلى الشركات الفردية؛ هذا فضلاً عن إنشاء ضمانات ضد إحلال تقاسم الأرباح محل الأجور، والعلاوات، وغير ذلك من الفوائد. ومن الممكن أن تعمل الإعفاءات الضريبية أيضاً على تعزيز التغيرات في ثقافة الشركات، من خلال تحفيز المناقشات على مستوى مجالس الإدارة ليس فقط حول فوائد تقاسم الأرباح، ولكن أيضاً حول تقاسم المعلومات وسلطة اتخاذ القرارات مع العاملين.

إن ركود دخول غالبية العاملين في الولايات المتحدة يعمل على تقويض النمو الاقتصادي على جانب الطلب (من خلال تثبيط الاستهلاك الأسري) وعلى جانب العرض (من خلال التأثير السلبي على الفرص التعليمية، وتنمية رأس المال البشري، والإبداع). والآن حان الوقت لاتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز النمو الأقوى والأكثر إنصافا. والواقع أن اقتراح تقاسم الأرباح الذي تطرحه كلينتون خطوة واعدة في الاتجاه الصحيح.

* أستاذة في كلية هاس لإدارة الأعمال في جامعة كاليفورنيا، بيركلي

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق