سَيُفتقد العبادي بكونه شخص صانع للسلام، اذ أصبحت السياسة العراقية اقل طائفية خلال فترة حكمه، وعادت القومية العراقية إلى الانتعاش اذ تم اصلاح الشقوق العميقة بين الطوائف والاعراق التي كانت موجودة في عهد أسلافه، لم تأت هذه الأمور بمحض الصدفة اذ يعد العبادي من الشخصيات...
الكاتب: مايكل روبن باحث أمريكي.
الناشر: مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية
نقلا عن معهد امريكان انتربرايز
ترجمة: هبه عباس محمد علي
بعد أشهر من التأخير، أحرز العراق تقدما من خلال البدء بتشكيل حكومته الجديدة، ففي ١٥من شهر سبتمبر اختار البرلمان العراقي الجديد محمد الحلبوسي ليكون رئيساً له، لكن رفض بعض المحللين الغربيين اختياره باعتباره خيار إيراني متناسين ان قوائم الحزب العراقي تتسم بالتنوع الديني، كما ان اتهامهم الحلبوسي بالولاء لإيران امر لا صحة فيه، لكن سياسة اختياره كانت معقدة نوعا ما وهناك شائعات تقول ان البرلمانيين يتلقون الأموال مقابل تقلدهم المناصب.
وفي السياق ذاته تستمر عدد من الشخصيات الكردية في التنافس على رئاسة الحكومة، ونرى مرة أخرى ان سياسة اختيار من يتقلد هذا المنصب معقدة ايضاً، ويعد برهم صالح المفضل لدى الكثير من السياسيين في واشنطن هو المرشح لهذا المنصب الا ان طريقه الى الرئاسة قد اضر بسمعته في كردستان العراق، فمن اجل الحصول على دعم الاتحاد الوطني الكردستاني انضم اليه مجددا وترك الحزب الإصلاحي الذي قاده الى الانتخابات، وقد اتهمه الاكراد بالنفاق بسبب انضمامه الى حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بعد اشهر من الإشارة الى فساده والتشكيك في تزويره للانتخابات، لكن مع ذلك، يتمتع برهم بشخصية جذابة، يجيد اللغة الكردية والعربية والفارسية والإنجليزية، ولديه خبرة طويلة في العديد من المناصب التي تقلدها في بغداد.
كما يعد فؤاد حسين رئيس هيئة الأركان للزعيم الكردي الفعلي مسعود بارزاني منافسه الرئيس، وفي الظاهر يبدو إنه خيار غريب بالنظر إلى جهوده وجهود بارزاني للانفصال عن العراق، وقد عُرف مكتب البارزاني منذ فترة طويلة بالفساد، فلم يبذل مسعود وفؤاد أي جهد للتمييز بين الثروة الشخصية والممتلكات الحزبية وممتلكات حكومة إقليم كردستان، وطالما ان الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينتمي إليه فؤاد كان معاديا لبغداد منذ سقوط صدام حسين فإنه من الأفضل أن يتم تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، كما يرتبط بارزاني بعلاقات وثيقة مع رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وقد أعطى في السابق عقارات تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات لمعظم أعضاء كتلة المالكي.
وبمجرد اختيار رئيس الجمهورية، ستتجه الكتل السياسية نحو اختيار رئيس وزراء جديد، لكن بعد أعمال الشغب في البصرة بسبب نقص الخدمات الحكومية وتعليقات آية الله علي السيستاني الداعية إلى اختيار قيادات جديدة، يبدو أن مسعى رئيس الوزراء حيدر العبادي لولاية جديدة قد انتهى، اذ قام العراقيون على الفور بترشيح اشخاص جدد من بينهم وزير النفط السابق عادل عبد المهدي، ووزير المالية السابق علي علاوي، ورئيس المخابرات مصطفى كاظمي، والتكنوقراطي الاقتصادي مازن الأشيقر وغيرهم، لكن في نهاية المطاف من الجدير أن تؤخذ وصية العبادي بعين الاعتبار.
تقلد العبادي منصبه كرئيس وزراء عندما كان الوضع الأمني مزري في العراق، حيث كان تنظيم "داعش" يتحكم في قلب العراق السني وسيطر على حوالي ٣٠٪ من الأراضي العراقية، ولم يقم العبادي فقط بقيادة الهجوم المضاد بل قام في الوقت نفسه بإعادة بناء الجيش العراقي الذي انكسر، لكن قيادته للاقتصاد كانت مثالية اذ قلص الإنفاق الحكومي وامر بعمل كشوفات على الرواتب وتجنب الحلول الشعبية التي من شأنها أن تقوض ثقة المستثمرين وانتعاش العراق، كما قطع راتبه الخاص ولم يقلد عائلته مناصب حكومية، كما فعل أسلافه.
كما ان جهوده للحفاظ على استقرار العملة العراقية كانت مثيرة للإعجاب أيضًا، خاصة بالنظر إلى الانخفاض الحر الذي تشهده العملات الوطنية في إيران وسوريا وتركيا، فضلا على الكثير من الإصلاحات التي قام بها، كما تعد خطة تخفيض الرواتب التقاعدية الخاصة بالرئاسات الثلاث امر مهم جدا، لكن على الرغم من هذا لم يتم توفير الخدمات الحكومية في أماكن مثل البصرة، اذ تتسم طبيعة الحكم العراقي بعدم سيطرة على حكومته بشكل كامل، ناهيك عن الحكم الإقليمي. يمكن أن يكون الكثير من مراقبي العراق -بمن فيهم أنا -محبطين في بعض الأحيان من تردد العبادي لكنه يعرف اين ومتى يتخذ القرار المناسب.
سَيُفتقد العبادي بكونه شخص صانع للسلام، اذ أصبحت السياسة العراقية اقل طائفية خلال فترة حكمه، وعادت القومية العراقية إلى الانتعاش اذ تم اصلاح الشقوق العميقة بين الطوائف والاعراق التي كانت موجودة في عهد أسلافه، لم تأت هذه الأمور بمحض الصدفة اذ يعد العبادي من الشخصيات النادرة كالراحل جلال طالباني وربما أحمد الجلبي الذي يمكنه التحدث مع جميع الطوائف داخل وخارج العراق، كما قاد التقارب مع المملكة العربية السعودية الذي بدى مستحيلاً في يوم من الأيام، واصبح الاكراد مرحب بهم في المجتمع العراقي والعملية السياسية العراقية، فضلا على ذلك اعترف في وقت مبكر بالمشاكل الناجمة من بعض وحدات الحشد الشعبي التي تعمل خارج سيطرة الحكومة وقلل تأثيرها بشكل كبير، والاهم من ذلك قيامه بمنع طهران وواشنطن من خوض حرب بالوكالة على أراضيه، على الرغم من رغبة بعض الأطراف في كلا البلدين في القيام بذلك.
ومن جانبهم إعتاد العراقيون على التذمر من السياسيين وهذا ليس بالأمر السيء بالنظر الى ميل قادة الشرق الأوسط الى التمسك بالسلطة واعتقادهم ان بقاءهم بهذه المناصب مستمر مدى الحياة، لكن اذا تم اختيار شخص غير العبادي وفقا للانتخابات البرلمانية فضلا على أوامر المرجعية الدينية العليا بضرورة تنحي العبادي سوف يدرك العراقيون مهارة العبادي في اجتياز الدوامة السياسية والعسكرية والإقليمية التي المّت بالعراق.
اضف تعليق