مايكل يونغ
التطوّرات في شرق سورية تشي بأننا مُقبِلون على مرحلة جديدة من الصراع في البلاد
تُظهر التطوّرات التي شهدها الشطر الشرقي من سورية في الآونة الأخيرة أننا على أبواب مرحلة جديدة من النزاع في البلاد. ففي حين يعزّز نظام الرئيس بشار الأسد وجوده العسكري في غرب سورية، ويواجه تنظيم الدولة الإسلامية هجوماً وشيكاً في الرقة، تتحوّل الأنظار الآن نحو المنطقة الحدودية الطويلة المتنازع عليها التي تربط سورية بالعراق.
هذا ليس مفاجئاً البتّة. فلطالما تمتّع شرق سورية بأهمية ملحوظة بالنسبة إلى نظام آل الأسد، لأنه متاخم لمنافسين إقليميين رئيسين للبلاد، هما العراق وتركيا. كما أنه موطن لتكتل سكاني كردي كبير تربطه منذ فترة طويلة علاقات مضطربة بالعاصمة دمشق. وفي دراسة نشرها مركز كارنيغي مؤخراً حول التطوّرات في محافظة الحسكة الواقعة في شمال شرق البلاد، أكّد خضر خضّور أنه بالنسبة إلى النظام السوري، تسود تقليدياً الحتمية الأمنية في المنطقة، إلى درجة أن ضباط المخابرات السورية غالباً ما يتمّ ترقيتهم وفقاً لكيفية إدارتهم الوضع هناك.
يبدو أن العديد من الأطراف الفاعلة الخارجية، التي تترقّب هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في الرقة ومحيطها، تستعد للاستفادة من الوضع بعد ذلك. ففي حال فقد التنظيم سيطرته على المدينة، سيتجه محط الاهتمام نحو آخر معاقله في جنوب شرقي البلاد، في منطقة دير الزور والميادين والبوكمال. وأياً كانت الجهة القادرة على إلحاق الهزيمة بالتنظيم في هذه المنطقة، فإنها ستسيطر على جزء كبير من الحدود العراقية-السورية.
يولي نظام الأسد وحلفاؤه الإيرانيون والروس السيطرة على هذه المنطقة أولوية استراتيجية. فمحافظة دير الزور غنيّة بالنفط، الذي يُعدّ عاملاً حيوياً بالنسبة إلى الحكومة السورية المتعثّرة مادياً. لكن من شأن استعادة السيطرة على المنطقة الحدودية أن تشكّل أيضاً حدثاً رمزياً للغاية بالنسبة إلى الأسد، إذ سيبدو حينها أنه يعيد تدريجياً بناء سورية ما قبل العام 2011، التي ورثها عن والده.
بالنسبة إلى إيران، سيُحدّد من يسيطر على الحدود مع العراق مدى سهولة إمكانية قيام الجمهورية الإسلامية بدعم وإعادة تزويد حلفائها في سورية ولبنان بالإمدادات ودعمهم، ولاسيما في المرحلة التي تسعى خلالها إلى تعزيز قدرتها على الردع حول إسرائيل. في هذا السياق، تُعتبر الحدود نقطة مفصلية أساسية في الجهود التي تبذلها إيران للحفاظ على نفوذها في جميع أنحاء المشرق.
ويبدو أن قوّة عسكرية تابعة للنظام السوري، ضمّت مقاتلين من حزب الله وآخرين من العراقيين الشيعة، أخذت هذه الاعتبارات في الحسبان حين أقدمت مؤخراً على التوجّه إلى معبر التنف الحدودي بين سورية والعراق المتاخم للحدود الأردنية، حيث تقوم القوات الخاصة الأميركية بتدريب المتمردين السوريين. وعندما اقتربت القوّة من المعبر ودخلت إلى دائرة نصف قطرها 25 كيلومتراً كانت حدّدتها الولايات المتحدة على أنها منطقة محظورة لحماية قوّاتها، استهدفتها الطائرات الأميركية.
وقع هذا الحادث عقب تصاعد التوترات في محيط معبر التنف. فقد قامت سورية وحلفاؤها العراقيون واللبنانيون بنشر صواريخ أرض- جو في تلك المنطقة لاستخدامها ضدّ طائرات التحالف، إن لزم الأمر. وفي 29 أيار/مايو، أكّد متحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية أن الميليشيات المدعومة من إيران كانت تحشد قوّاتها بالقرب من التنف، مضيفاً أن ماستفعله القوّات الأميركية هو الدفاع عن نفسها.
تطابق ذلك مع تقارير صدرت يوم 30 أيار/مايو الماضي مفادها أن جماعات سورية متمرّدة في جنوب سورية تلّقت أسلحة من البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية. وتقول مصادر المتمرّدين السوريين إن هذه الأسلحة أُرسلت لمساعدتها على التصدي لمحاولات النظام السوري وحلفائه فتح الطريق الذي يربط العراق بسورية، ويمرّ عبر التنف. مع ذلك، يمكن لهذا المعبر أن يلعب دوراً آخر، حيث أنه يمثّل نقطة انطلاق قد تستخدمها القوات للتحرّك باتجاه استعادة المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة دير الزور.
مايمكن استنتاجه من رد فعل الولايات المتحدة إزاء الأحداث المحيطة بالتنف، هو أنها تريد على مايبدو أن تضطلع بدور في أي هجوم يُنفّذ في نهاية المطاف ضد الدولة الإسلامية في دير الزور، لكنها ترغب أيضاً في إبقاء عينها ساهرة على نشاطات إيران في جنوب شرق سورية، وهذان الهدفان مترابطان. كما تقوم الولايات المتحدة بتدريب شبان من دير الزور في التنف للاستعانة بهم في العمليات المستقبلية ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وهذا يشير إلى أنها تسعى إلى توسيع رقعة نفوذها على طول الحدود السورية-العراقية، ما سيُعتبر من دون أدنى شكّ أمراً غير مقبول بالنسبة إلى إيران. وفي الواقع، لايمكن فهم المواجهة في جنوب شرق سورية، إلا إذا افترضنا أن واشنطن تعتزم أيضاً عرقلة الخطوات الإيرانية ومراكمة النفوذ الذي قد يسمح لها بالتأثير على خواتيم نهاية سياسية للصراع السوري.
لهذا السبب تبدو روسيا قلقة جداً إزاء الوضع في التنف. وفي 31 أيار/مايو، استهدفت الطائرات الروسية المتمردين المدعومين أميركياً الذين كانوا يتقدّمون نحو مواقع الميليشيات الموالية لإيران عند حاجز ظاظا شمال غرب التنف على الطريق السريع الممتد بين دمشق وبغداد. وقد جاء ذلك في خضم صدور تقارير عن وصول رتل من الآليات العسكرية التي ترفع العلم الروسي إلى مدينة درعا. كما يمكن أن يُفسِّر ذلك لمَ تبدو موسكو على وشك إبرام اتّفاق مع إيران من أجل استخدام قاعدة جوية إيرانية في محافظة همدان من قبل طائرات روسية. وإذا حدث ذلك، لن يسمح فقط للطائرات الروسية بالتحرّك في شرق سورية، بل سيُطلق أيضاً رسالة قوية اللهجة مفادها أن روسيا وإيران (وكذلك العراق) تتفقان في رفضهما السماح بتدخّل خارجي، ولاسيما أميركي، في تحديد الحل السياسي في سورية.
حتى الآن، كانت تصريحات إدارة ترامب حول رغبتها في تحجيم دور إيران في سورية عامة. وتعزّز الأحداث في جنوب شرق سورية هذا الالتزام. مع ذلك، ونظراً إلى تحالفات إيران المتعدّدة، لاتميل الدفّة لصالح الولايات المتحدة. أخيراً، تتمثّل ربما المفارقة الأكبر، التي لن يأتي أحد في واشنطن على ذكرها، في أن الأميركيين- في خضم اللعبة الأكبر بين إيران والولايات المتحدة- لايريدون أن يكون لأحد غيرهم الفضل في هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في دير الزور، وبالتأكيد ليس حلفاء طهران.
اضف تعليق