لوسي بي. ماركوس
لندن ــ تنصحنا الروائية مايا أنجيلو: "عندما يحدثك شخص ما عن شخصيته، فعليك أن تصدقه منذ أول مرة". وتنطبق نفس النصيحة على الشركات. ولكن برغم أن شركة روبرت مردوخ "نيوز كورب" كانت تحدثنا عن نفسها لسنوات، كان كثيرون، من أعضاء مجالس الإدارة إلى القائمين على التنظيم، يسدون آذانهم فعليا.
ولنتأمل هنا حالة فوكس نيوز، وهي شركة تابعة لشركة نيوز كورب. فعلى الرغم من رسائل التمييز العنصري والجنسي التي كانت السمة الأساسية في تقارير فوكس نيوز وتعليقاتها على الأنباء منذ إطلاق الشبكة في عام 1996، تطلب الأمر أكثر من 20 دعوى قضائية اتهمتها بالتمييز العنصري والجنسي لجلب اعتراف حقيقي بالمشكلة.
والحقيقة غير المدهشة هي أن الشركة أعطت الأولوية للربح قبل الأخلاق لفترة طويلة، وأشادت بالرجال الذين يجلبون المال، مهما كانت سلوكياتهم منحرفة ــ أو مهما كانت انتهاكاتهم لحقوق أو كرامة زملائهم الأقل ربحا صارخة.
خلال فترة ولايته التي دامت عشرين عاما، عمل روجر ايلز، الرئيس التنفيذي السابق لشركة فوكس نيوز، على تعزيز بيئة عامرة بالبلطجة والتحرش وسوء السلوك. ومن الواضح أنه كان قدوة لكثيرين: فقبل وفاته في وقت سابق من هذا الشهر، اتُهِم من قِبَل عشر نساء علنا بالتحرش الجنسي بهن، في حين بلغ عدد النساء اللاتي اتهمنه في مناسبات خاصة بشكل ما من أشكال التحرش في محل العمل عشرين على الأقل. وأرغمته هذه الاتهامات على الخرج من فوكس نيوز العام الماضي.
كان بِل أورايلي واحدا من الأشخاص الذين اتخذوا من روجر ايلز قدوة. فخلال سنوات عمل أورايلي في فوكس نيوز والتي دامت 21 عاما، دفعت المحطة الأكبر في الشبكة لخمس نساء ما مجموعه 13 مليون دولار لإسقاط دعاوى قضائية أو التزام الصمت في العلن بشأن ادعاءاتهن حول التحرش الجنسي ضده. وجاءت اثنتان من تلك التسويات بعد رحيل أورايلي من الشركة.
الواقع أن ثقافة الشركات التي مكنت ايلز ورايلي من التصرف على ذلك النحو كانت واضحة حتى أثناء خروجهما. فقد أُجبِر كل منهما على الخروج بعد أن تحول إلى مسؤولية ثقيلة. وفي حالة أورايلي، لم تتحرك فوكس نيوز إلا بعد أن سحب الرعاة إعلاناتهم من برنامجه "أورايلي فاكتور" بسبب خوفهم على سمعتهم. وكانت حزمة الخروج الهائلة التي حصل عليها كل منهما ــ 40 مليون دولار لصالح ايلز و25 مليون دولار لصالح أورايلي ــ أكبر كثيرا من التسويات التي دُفِعَت في صمت لضحاياهما، الذي أرغموا على الخروج من الشركة قبل وقت طويل من خروج هذين المتحرشين.
وتنتشر هذه المشكلة في نيوز كورب. فمؤخرا جرى فصل رئيس التحرير الذي خدم لفترة طويلة في صحيفة صن في المملكة المتحدة بسبب مقال عقد مقارنة عنصرية بين لاعب كرة قدم والغوريلا. وفي عام 2011، اتُهِم موظفون في صحيفة المملكة المتحدة التابلويد "نيوز أوف ذا وارلد" بالمشاركة في اختراق مكالمات هاتفية، ورشوة رجال شرطة، وممارسة النفوذ على نحو غير لائق.
وكان مجلس إدارة شركة نيوز كورب، الذي كان يضم في وقت فضيحة القرصنة المستثمر الرأسمالي توماس بيركنز (الذي شبه ما يسمى الحرب على شريحة الواحد في المائة الأعلى دخلا باضطهاد النازيين لليهود)، مثالا شديد الوضوح لسوء إدارة الشركات. فبعد اندلاع فضيحة القرصنة، كان مجلس الإدارة داعما بلا أي انتقاد لمردوخ. ورغم أن مردوخ تنحى عن منصبه كمدير تنفيذي لشركة نيوز كورب في عام 2015، فإنه لا يزال رئيسها التنفيذي.
لم يتغير الكثير منذ ذلك الوقت. ففي حين جاء أعضاء مجلس الإدارة وذهبوا (يضم المجلس الآن خوسيه ماريا أزنار رئيس وزراء أسبانيا الأسبق، وكيلي أيوتي عضو مجلس الشيوخ الأميركي الذي هُزِم مؤخرا)، ظل الموقف المتراخي ازاء الإشراف والمساءلة راسخا كأي وقت مضى. ومن الواضح أن مجلس إدارة نيوز كورب يفشل في إدراك حقيقة مفادها أن حوكمة الشركات لا تتعلق فقط بحماية أرباح الشركة، بل تدور حول اكتشاف ومعالجة المشاكل التي تؤثر على كل الذين يتفاعلون مع المنظمة بما في ذلك على سبيل المثال أسرة سيث ريتش ضحية القتل الذي حاك شون هانيتي مقدم البرامج في فوكس نيوز حوله نظرية مؤامرة غريبة ــ ومفندة تماما.
ونظرا للنفوذ بعيد المدى الذي تتمتع به نيوز كورب، فإن العواقب المترتبة على فشل مجلس إدارتها تُصبِح أشد جسامة. فقد استمتع كبار المسؤولين التنفيذيين في نيوز كورب لفترة طويلة بقدرة استثنائية على الوصول إلى حكومة المملكة المتحدة. وخلال فترة امتدت 18 شهرا ــ من إبريل/نيسان 2015 إلى سبتمبر/أيلول 2016 ــ عقد قادة نيوز كورب، بما في ذلك مردوخ ذاته، نحو عشرين اجتماعا رسميا مع ممثلين كبار للحكومة، بما في ذلك رئيس الوزراء ووزير الخزانة. وهذا يتجاوز كثيرا الاجتماعات مع أي منظمة إعلامية أخرى في المملكة المتحدة، ولا يتضمن التجمعات غير الرسمية، وحفلات العشاء، والأحداث المحيطة بالاجتماعات الرفيعة المستوى.
على نحو مماثل، في الولايات المتحدة من الواضح أن مردوخ يتحدث مع الرئيس دونالد ترمب نفسه على أساس منتظم. وعندما أجرى السياسي البريطاني مايكل جوف والصحافي الألماني كاي ديكمان أول مقابلة بعد الانتخابات لصالح صحيفة أجنبية مع الرئيس المنتخب ترمب آنذاك، كان مردوخ حاضرا، وإن كانت هذه الحقيقة ظلت غير معلنة لبعض الوقت.
وإيفانكا ابنة ترمب، التي تعمل بشكل وثيق مع والدها في البيت الأبيض، مقربة أيضا من مردوخ. وحتى الانتخابات كانت تشغل منصب أمينة صندوق مؤسس لصالح أصغر أبناء مردوخ، والذي يدير ما يقرب من 300 مليون دولار في هيئة أسهم في شركة تونتي فيرست سينشري فوكس ونيوز كوربس (وهما شركتان فرعيتان تابعتان لشركة نيوز كوربوريشن الأصلية)، نيابة عنهم.
وقد بينت نيوز كوربس لنا كيف هي ولماذا. فهي منظمة تمارس قدرا هائلا من السلطة والنفوذ، ولا تتردد في استغلالهما. فقد اخترقت هواتف الناس بكثرة متهورة. والتصق بها موظفون يتصرفون بطرق غير أخلاقية، في حين يعاقبون ضحاياهم. والأمر الأكثر أهمية، حتى بعد أي فضيحة كبرى، أنها كانت ترتد دوما إلى العمل كالمعتاد بمجرد تضاؤل اهتمام عامة الناس.
والآن حان الوقت لكي نصدق ما تُنبئنا به نيوز كوربس عن نفسها. وعلى وجه التحديد، حان الوقت أن يشرع أولئك الذين هم في وضع يسمح لهم بكبح جماحها في تصديق ما تقول شركة نيوز كورب ــ بدءا بهيئة تنظيم الإعلام البريطاني المستقلة أوفكوم، والتي تتخذ القرارات الآن حول ما إذا كانت الشركة، وأسرة مردوخ التي تديرها، صالحة للاستمرار في الاستحواذ على سكاي.
ينبغي لنا أن ننظر إلى نيوز كورب باعتبارها قصة تحذيرية للقائمين على التنظيم، وأعضاء مجالس الإدارات المستقلة، والمستثمرين على حد سواء. وفي التعامل مع شركات كبرى وشخصيات بالغة القوة في بعض الأحيان، تشكل الرقابة اليقظة والدقيقة أهمية بالغة. وبالنسبة لشركات مثل نيوز كورب، يبدو من الواضح أن تغيير الجذر والفرع لن يحدث بأي طريقة أخرى.
اضف تعليق