من الانعكاسات السياسية لذلك سيكون التعبئة النفسية لاداء هذا الواجب الديني والاستعداد للانتظار بمزيد من الحزم والمفاصلة ضد الغرب وضد القوى، التي تؤمن بالحوار معه وحل الاشكاليات السياسية والامنية بالحوار وليس بالسلاح، من يؤمن بمنطق القوة والسلاح سيسعى إلى تحشيد الشارع لخدمة مشروعه العقائدي -السياسي، بما يهدد الدول والانظمة الهشة...
لن تمر حرب الابادة الاسرائيلية على فلسطينيي غزة من دون انعكاسات وتأثيرات فكرية وسياسية على شعوب المنطقة، ستأتي هذه التأثيرات مباشرة وغير مباشرة على وعي الذات والآخر، الذات العربية -الاسلامية، والاخر، سيكون الغرب والأنظمة السياسية المحلية التي تقيم مع دوله علاقات تحالف.للاحداث الكبرى في العالم انعكاساتها الايديولوجية والفكرية والسياسية على الشعوب، يندر أن تندلع حروب وأزمات وثورات ومتغيرات ذات مغزى سياسي وأخلاقي،
من دون أن تسري قيمها ودروسها ومايتمخض عنها من أفكار، إلى الشعوب القريبة والبعيدة، ومثلما ألهمت حروب التحرير ودعوات الاستقلال فكرة التحرر من التبعية والاستعمار المباشر وغير المباشر، شعوب العالمين القديم والجديد للمناداة بالحرية وحق تقرير المصير وتحقيق السيادة، كذلك تسببت الحروب الكبرى والثورات الشعبية في تغيير التحالفات، وتطوير الأنظمة وتحسين أنماط الدفاع والامن وولادة تيارات أيديولوجية وأحزاب ومنظمات ذات توجهات جديدة وشعارات حديثة لم تكن مألوفة في ما سبق.
شهدت منطقتنا العربية اتجاهات فكرية وسياسية حفزتها احداث كبرى بعضها محلي النشأة داخل المنطقة نفسها وبعضها الاخر خارجي الولادة، لكنها سرعان ماوجدت لها أصداء عنيفة في أوساطنا الشعبية ولدى النخب والأوساط السياسية، كان لهزيمة الانظمة السياسية العربية وجيوشها في عام 1967، مقدمة لضمور أيديولوجية القومية العربية والاحزاب والمنظمات المنادية باسمها، لينفسح المجال لصعود أيديولوجية الحل الاسلامي وولادة تيارات ومنظمات لا ترضى بغير النموذج الاسلامي المتخيل بديلا عن الأنظمة السياسية والدولة الوطنية ما بعد الاستعمار، بقيام الثورة في إيران 1979، انفتح العالم الاسلامي على متغيرات ايديولوجية جديدة، وانقسامات طائفية عززتها الحرب الإيرانية العراقية ليأتي سقوط الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية عام 1991 ليكرس وثوقية الاسلاميين من فكرتهم الاثيرة بفشل الايديولوجيات الارضية وعلوية الايديولوجيات السماوية، غير أن حربي افغانستان والعراق وصعود منظمات التكفير والتشدد الاسلامي (القاعدة وداعش) أحدثتا صدمة فكرية ونفسية وسياسية، سرعان ما أعادت الوعي إلى قطاع واسع من المسلمين الذين يسكنهم نموذج دولة الخلافة المتخيل.
يخشى الآن من عودة التطرف من جديد وصعود القوى المتشددة على وقع الصراع الفلسطيني -الصهيوني، لا سيما بعد انهيار الممانعات الرسمية امام موجة التطبيع والقبول النفسي والسياسي بوجود الدولة العبرية.حرب غزة التي زادت من الانقسام في الشارعين العربي والاسلامي، ستحيي الجدل والنقاش من جديد عن ذاتنا وذاتهم، عن سبب الازدواج الاخلاقي والقيمي في الخطاب الرسمي الغربي حينما يتعلق الامر بالقضايا، التي تخص العرب والمسلمين، لماذا غطى الغرب الرسمي حرب الكيان الصهيوني على غزة بدعوى حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولماذا وقف ضد ايقاف حرب الابادة على المدنيين،؟ وفيما خرج غربيون كثر يتظاهرون ضد مواقف حكوماتهم واعترضت جماهير على النفاق الاخلاقي، فإن الجمهور العربي والاسلامي سيعيش قلقا هو الاخر بين توجهين، التوجه الذي يرفض الانجرار لحروب وصراعات محسومة النتائج لصالح اسرائيل، والتوجه الذي يصر على المضي بشوط المقاومة والرفض إلى نهايته مهما كانت الكلف والتضحيات، غير أن الأمر لا يتوقف على هذين التوجهين، بل إن الموقف من الحكومات والأنظمة، التي لم تستطع فعل شيء لوقف المذبحة، سيكون تحديا كبيرا، بين موافق وممالئ وبين طاعن ورافض قد يقود إلى انشقاقات داخلية وصراعات وانقسامات أيديولوجية.
في العراق ستنعكس حرب غزة وصعود المتشددين في الانتخابات التشريعية الاخيرة في إيران لصالح القوى المؤدلجة، الساعية إلى القطيعة مع امريكا وبريطانيا ودول الغرب التي انحازت إلى اسرائيل، سيتجه الخطاب السياسي والاعلامي لهذه القوى لشن هجوم شامل ضد جميع القوى المعتدلة، التي تنادي بعدم الانجرار إلى المواقف الاحادية، اما مع الغرب بالاجمال أو ضده بالاجمال، وسيتجه هذا الخطاب إلى منطق التخوين والجبن والتخاذل، واعتماد لغة دينية صارمة تربط ما يحدث من تطورات بالخطاب المهدوي، وأن هذه الاحداث ليست سوى مقدمات لظهور المخلص الكبير.
من الانعكاسات السياسية لذلك سيكون التعبئة النفسية لاداء هذا الواجب الديني والاستعداد للانتظار بمزيد من الحزم والمفاصلة ضد الغرب وضد القوى، التي تؤمن بالحوار معه وحل الاشكاليات السياسية والامنية بالحوار وليس بالسلاح، من يؤمن بمنطق القوة والسلاح سيسعى إلى تحشيد الشارع لخدمة مشروعه العقائدي -السياسي، بما يهدد الدول والانظمة الهشة سياسيا وامنيا.
اضف تعليق