تواجه صناعة السيارات الكهربائية العالمية رياحًا عاتية مؤخرًا، قد تعرقل نموها في المدى القصير على الأقلّ، بسبب عدّة عوامل، منها ارتفاع الأسعار والفائدة وبنية الشحن الأساسية، وبالرغم من ارتفاع المبيعات خلال الربع الثالث 2023، فإن حجم الطلب كان دون التوقعات بصورة كبيرة، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة...
أسماء السعداوي
تواجه صناعة السيارات الكهربائية العالمية رياحًا عاتية مؤخرًا، قد تعرقل نموها في المدى القصير على الأقلّ، بسبب عدّة عوامل، منها ارتفاع الأسعار والفائدة وبنية الشحن الأساسية، وبالرغم من ارتفاع المبيعات خلال الربع الثالث 2023، فإن حجم الطلب كان دون التوقعات بصورة كبيرة، وفق ما طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وأعرب عدد من كبار مديري شركات إنتاج السيارات الكهربائية عن تخوفهم من البيئة الحالية للصناعة؛ لأسباب، من بينها ارتفاع أسعار الفائدة التي تجعل المستهلكين يُحجمون عن الشراء، وكذلك حروب الأسعار والبيئة غير المستقرة وتفضيلات المستهلكين من بين أخرى.
ودفع ذلك الموقف شركات عالمية لخفض مستهدفات الإنتاج بصورة كبيرة، وإلغاء شراكة ضخمة بقيمة 5 مليارات دولار لإنتاج سيارات كهربائية بأسعار معقولة، وتباطؤ إقامة مصنع شركة تيسلا (Tesla) الأميركية في المكسيك.
يتّسق ذلك الموقف مع توقعات رئيس شركة تويوتا موتور (Toyota Motor) اليابانية، أكيو تويودا، الذي قال خلال فعاليات معرض اليابان للتنقل: إن "الناس بدؤوا يرون الواقع أخيرًا"، مؤكدًا شكوكه السابقة إزاء التحول الكامل إلى السيارات الكهربائية.
أسعار الفائدة
تعترض أسعار الفائدة المرتفعة الطريق السريع للتحول إلى السيارات الكهربائية؛ إذ أحبطت أحلام صنّاع السيارات والقائمين على عملية تنظيم الحفاظ على البيئة والمناخ، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز، الذي طالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتسجل مبيعات السيارات الكهربائية نموًا قويًا، وتجاوزت حاجز 300 ألف سيارة كهربائية جديدة في الولايات المتحدة للمرة الأولى خلال الربع الثالث 2023، وارتفعت حصتها بنسبة 14.3% في سبتمبر/أيلول 2023 بالاتحاد الأوروبي، وبنسبة 22% في الصين أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم.
غير أن حجم الطلب لا يوافق توقعات صنّاع السيارات والشركات التي استثمرت مليارات الدولارات في هذا المجال الجديد، وهو ما جعلهم يتوجسون خيفة من عام 2024 المقبل، ويعدّلون خططهم بناءً على ذلك.
ويتوقع المدير المالي لشركة صناعة البطاريات الكورية الجنوبية "إل جي إنرجي سوليوشن" (LG Energy Solution )، لي تشانغ سي، أن يكون الطلب على السيارات الكهربائية أبطأ من التوقعات.
آثار سلبية
وصل تأثير أسعار الفائدة المرتفعة إلى أبواب شركة تيسلا (Tesla)؛ إذ تسبَّب بإبطاء خطط إنشاء مصنع جديد في المكسيك.
وأعرب الرئيس التنفيذي لتيسلا، إيلون ماسك، عن قلقه إزاء ارتفاع أسعار الفائدة، مشيرًا إلى أن ما يهمّ الغالبية العظمى من مشتري السيارات هو حجم الأقساط الشهرية التي إذا ارتفعت فإنه "سيكون من الصعب شراء سيارة".
في السياق ذاته، خفضت شركة فولكسفاغن (Volkswagen) الألمانية توقعاتها لهوامش الأرباح خلال هذا العام 2023، وأرجعت ذلك إلى الآثار السلبية لإجراءات التحوط من تقلبات أسعار المواد الخام اللازمة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في نهاية الربع الثالث 2023.
وتراجعت أسعار الليثيوم بنسبة 67% حتى هذا الوقت من العام (2023)، كما انخفضت أسعار الكوبالت في بورصة شيكاغو بنسبة 20% خلال هذا العام، ومنذ مايو/أيار 2022 خسر المعدن نصف سعره.
في سياق متصل، أعلنت شركة السيارات الأميركية فورد (Ford) أنها ستقلل -مؤقتًا- عدد نوبات العمل في مصنعها الذي ينتج شاحنة إف-150 لايتينغ الكهربائية البيك أب (F-150 Lightning pickup truck)، وفي يوليو/تموز 2023، أبطأت وتيرة إنتاج السيارات الكهربائية، وحولت الاستثمارات إلى المركبات التجارية والهجينة.
كما سجلت أسهم شركة صناعة السيارات الكهربائية اليابانية نيدك (Nidec) أكبر تراجع لها منذ عقد ونصف، يوم الثلاثاء 24 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بنسبة 10%، بسبب مخاوف المستثمرين من مستقبل الشركة وسط بيئة المنافسة الصعبة داخل الصين.
وتتوقع الشركة خسائر بقيمة 15 مليار ين (100 مليون دولار) في أعمالها لإنتاج المحور الإلكتروني الذي يضم المحركات والتروس وإلكترونيات التحكم بالكهرباء.
وسجلت كاتل (CATL) الصينية، أكبر شركات تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية في العالم، أقلّ أرباح منذ بداية العام الماضي في الربع الثالث 2023، بسبب تراجع حجم الطلب واحتدام المنافسة، كما تراجعت الحصة السوقية للشركة في سبتمبر/أيلول 2023 لأدنى مستوياتها منذ أكثر من عام.
إلغاء شراكة جنرال موتورز وهوندا
كانت شركتا جنرال موتورز (General Motors) وهوندا (Honda) آخر ضحايا ارتفاع أسعار الفائدة؛ إذ ألغتا خطة مشتركة بقيمة 5 مليارات دولار لتصنيع سيارات منخفضة التكلفة.
وفي معرض تبريرها للخطوة، قالت جنرال موتورز، إنها ستركّز على تلبية الطلب على السيارات الكهربائية في المدى القريب، بدلًا من تحقيق مستهدفات إنتاج بعينها.
وفي تصريح للمحللين، قالت الرئيسة التنفيذية للشركة الأميركية، ماري بارا: "نتخذ خوات فورية لتعزيز ربحية حافظة مشروعاتنا للسيارات الكهربائية، والتكيف مع تباطؤ النمو في المدى القريب".
يتزامن ذلك مع إعلان الشركة تأجيل إنشاء مصنع لإنتاج الشاحنات الكهربائية في ولاية ميشيغان بتكلفة 4 مليارات دولار.
وتعليقًا على انهيار الصفقة، قال الرئيس التنفيذي لشركة هوندا، توشيهيرو ميبي، إنه من الصعب قياس بيئة السيارات الكهربائية المتغيرة.
وأضاف: "قررنا بعد دراسة امتدت لعام، أنه سيكون مشروعًا صعبًا؛ ولذلك ننهي حاليًا عمليات تطوير سيارة كهربائية بأسعار معقولة".
يتفق هذا الموقف مع تحذيرات أطلقها رئيس شركة تويوتا موتور (Toyota Motor) اليابانية، أكيو تويودا، الذي قال: إن "الناس بدؤوا يرون الواقع أخيرًا".
بيئة وحشية
أعرب المديرون التنفيذيون لثلاثة من كبار شركات إنتاج السيارات الكهربائية، وهي فورد وجنرال موتورز ومرسيدس بنز (Mercedes-Benz)، عن مخاوفهم إزاء تراجع الطلب، بعد تكبّدهم خسائر جراء حروب الأسعار، بحسب تقرير نشره موقع "فوكس بيزنس" (foxbusiness)، واطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
وقال الرئيس التنفيذي لفورد جيم فارلي خلال إعلان نتائج أعمال الشركة في الربع الثالث 2023، التي سجلت السيارات الكهربائية فيها خسائر أكبر من المتوقع، إن الوضع كان صعبًا بالتأكيد.
وأضاف: "في حقيقة الأمر لا تخلو أعمالنا من التحديات مطلقًا، وبخاصة في الوقت الحالي، مع تطور سوق السيارات الكهربائية وظهور المنافسين العالميين الجدد في الصين والاضطرابات التكنولوجية".
وأضاف فارلي: "لم يعد من الكافي تقديم منتج رائع، وعلينا أن نكون قادرين تمامًا على المنافسة من حيث التكلفة.. بالنسبة لمستهلكي السيارات الكهربائية، فالمهم هو القدرة على تحمّل التكاليف".
كما قالت الرئيسة التنفيذية لجنرال موتورز ماري بارا، إن الشركة ستبطئ وتيرة إطلاق عدّة نماذج كهربائية لخفض التكاليف، كما ستتخلى عن خطط لإنتاج 100 ألف سيارة كهربائية في النصف الثاني من 2023، و400 ألف سيارة كهربائية أخرى في النصف الأول من 2024، مع عدم تحديد موعد لتحقيق تلك الأهداف.
وفي رسالة إلى حملة الأسهم، قالت: "نعمل -أيضًا- على ضبط سرعة إنتاج السيارات الكهربائية في أميركا الشمالية لحماية أسعارنا، ونتكيف مع تباطؤ النمو على المدى القصير، وتطبيق الكفاءة الهندسية وتحسينات أخرى ستجعل مركباتنا أقل تكلفة وأكثر ربحية"، وأضافت: "مع تقدّمنا أكثر في التحول إلى السيارات الكهربائية، يصبح الطريق وعرًا أكثر".
وسجلت شركة مرسيدس بنز الألمانية تراجعًا في أرباحها خلال الربع الثالث 2023، وظلت هوامش السيارات الكهربائية أقلّ من توقعات سابقة.
وتعليقًا على ذلك، قال المدير المالي للشركة هارالد فيلهلم، إن بعض اللاعبين التقليديين في السوق يبيعون السيارات الكهربائية بسعر أقلّ من مركبات محركات الاحتراق الداخلي، رغم ارتفاع تكاليف الإنتاج، وأضاف: "لا يمكنني تخيّل استمرار الوضع الراهن بالنسبة للجميع، أودّ أن أقول، إنه مجال وحشي للغاية".
كما أعلنت شركة هيرتز (Hertz) لتأجير السيارات وقف خطط لكهربة أسطولها، بسبب ارتفاع تكاليف إصلاح السيارات الكهربائية، وانخفاض أسعار عمليات إعادة البيع، بعدما خفضت تيسلا أسعار بيع نماذجا الجديدة.وقال الرئيس التنفيذي للشركة ستيفن شير، إن إدماج السيارات الكهربائية في أسطول الشركة سيكون أبطًا من التوقعات السابقة، وفق تقرير نشرته شبكة "سي إن بي سي" (cnbc) الأميركية.
وأضاف أن الشركة مازالت مهتمة بشراء 100 ألف سيارة كهربائية من تيسلا، و175 ألف سيارة كهربائية من جنرال موتورز، إلّا أنها لا تستهدف أن تمثّل السيارات الكهربائية ربع أسطولها بحلول نهاية 2024.
صعوبات في البيع رغم الخصومات
مع ظهور إشارات على تزايد حجم المخزون وتباطؤ المبيعات، أقرّ القائمون على الصناعة بأن خطط السيارات الكهربائية في خطر محدق -على الأقل في المدى القريب-، بحسب تقرير نشرته منصة "بيزنس إنسايدر" (businessinsider)، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.
وتشهد هذه الأيام عرض جميع السيارات الكهربائية بسعر أقلّ، كما تُقدّم بعض الشركات المصنّعة حوافز بنحو 10% لتشجيع المواطنين على الشراء.
وأثار تراكم المخزون غضب التجّار، كما يرى مديرو الشركات أن الخصومات ليست كافية، وتستغرق السيارات الكهربائية وقتًا أطول لبيعها مقارنة بالسيارات العاملة بالبنزين؛ إذ يتجه المشترون الجدد للتركيز على عوامل التكلفة وتحديات البنية الأساسية للشحن.
وبعد أشهر من تحذيرات التجّار من تباطؤ الطلب، كانت شركة فورد أول من يستجيب لتلك النداءات؛ إذ رفضت تخصيص استثمارات لإنتاج سيارة ماخ الكهربائية (Mach-E).
وفي يوليو/تموز 2023، مددت موعد إنتاج 600 ألف سيارة كهربائية لمدة عام إضافي، وتخلّت عن هدف إنتاج مليوني سيارة كهربائية بحلول عام 2026.
اضف تعليق