تحقيق فرص اوفر لحل النزاعات بأساليب علمية موضوعية صحيحة يزيد من فرص انتشار السلام على المستوى الداخلي والدولي وبالمقابل ستتسع مساحة المستفيدين (افراد ودول) وان ذلك يتطلب عوامل عدة: منها فهم مصادر النزاعات ومعرفة اطرافها ومطالبهم ومصالحهم، والاطر الوجدانية التي يتحركون من خلالها كل ذلك يفضي...
ان النزاع هو عبارة عن سلوك تبادلي بين افراد او جماعات او دول يعبر عن عدم الانسجام والتوافق حول موضوع ما (الموارد، السلطة، الهوية، القيم، الاوضاع السياسية والاجتماعية) لتحقيق هدف معين ويسبق النزاع توتر واوضاع سلبية(1)، كما يقع تحت تأثير اطار عام يتضمن (الجغرافية، التاريخ، الدين، الثقافة التنوع، الاصل العرقي، الاعلام)(2)، وهو عكس السلام.
ان فهم النزاع وتعريفه بشكل أعمق من حيث التدقيق في مصادره واسبابه واطرافه والسياق العام له ينقل النزاع من مرحلة ادارته الى مرحلة اصلاحه اي سنكون امام حالة تحول النزاع (3) بمعنى تغير الحالة من صراع او نزاع الى سلام، ومن اجل ان ننعم بالسلام ونعيش تحت مظلته، فالسؤال المحوري هنا يدور حول هل نبدأ بنشر ثقافة السلام ام ثقافة آليات حل النزاع؟ بعبارة اخرى هل نركز على السلام ام النزاع؟
ان الاجابة عن هذا السؤال ستكون من خلال هذا البحث. والتي سنبدأ فيها بعبارة ان تحديد الدواء يتطلب تشخيص دقيق للداء ويقابل ذلك ان فهم المشكلة تسبق حلها كما ان الوقاية في الفرضين من الداء والمشكلة يكون من باب اولى لان الوقاية خير من العلاج وان الاسبقية والاولوية في ذلك تكون حسب ظروف كل دولة فيما اذا كانت تعيش حالة من النزاعات ام لا.
ومن الثابت أن تحقيق فرص اوفر لحل النزاعات بأساليب علمية موضوعية صحيحة يزيد من فرص انتشار السلام على المستوى الداخلي والدولي وبالمقابل ستتسع مساحة المستفيدين (افراد ودول) وان ذلك يتطلب عوامل عدة: منها فهم مصادر النزاعات ومعرفة اطرافها ومطالبهم ومصالحهم، والاطر الوجدانية التي يتحركون من خلالها كل ذلك يفضي الى الوصول الى حل تلك النزعات بشكل أسرع والانتقال بالواقع من مرحلة تجنب النزاع الى مرحلة حله ومن مرحلة ادارة الصراع او النزاع الى مرحلة اصلاحه حتى تتحقق مفاهيم تحول الصراع بالشكل المطلوب.
وعليه من اجل العيش بسلام فلابد من الحد او التخفيف من النزاعات اولا وتحقيق النتيجة الأخيرة يعتمد على مقومات وعوامل بعضها تعود للمجتمع الداخلي والأخرى تعود للدولة والبعض الأخر للمجتمع الدولي ومنها ما هو من طبيعية سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية او ثقافية.
ولأجل الاحاطة بكل ذلك فلابد من بحث الموضوع من خلال ثلاثة محاور سنتناول في الاول بيان آليات حل النزاعات في حين سيخصص الثاني لبحث العيش بسلام واخيرا سنخص الاخير لبحث التكاملية بين العيش بسلام وحل النزاعات.
اولا:- آليات حل النزاعات
ان مصطلح النزاعات يتسع ليشمل كافة أنواعها والتي تبدا من نزاعات ذاتية لتتطور الى نزاعات عائلية لتنتهي الى نزاعات الفرد مع الدولة وبعدها تتطور الى اقوى واصعب صورة يكون عليها النزاع وهو النزاع الدولي.
حيث توجد النزاعات توجد إشكاليات يستدعي تسويتها وهنا يمكن اشاعة آليات لحلها على مستويين عام وخاص من بعدين افقي وعمودي، وان الحل يجب ان يأتي من خلال هذه المستويات والأبعاد. وحيث ان المجتمع مجموعة من الافراد وان العائلة نواة المجتمع وان الاخير يعبر عنه بشعب الدولة الذي هو الركن الحي من اركانها لذا فان النزاع يمكن ان يبدا بشكل خاص وبسيط من الفرد ليتطور بعدها على مستوى العائلة من ثم على مستوى الجماعات التي تشكل مفهوم القبيلة او العشائرية في الدول التي تسود فيها النزعة العشائرية ومنها العراق لينتهي بعدها على مستوى الدولة وبذلك يتخذ النزاع البعد العمودي، من ثم علاقة الدولة بالمجتمع الدولي على المستوى العام فيتخذ عندها النزاع البعد الافقي. فيقتضي هنا ان يكون الحل بنفس الآليات التي بدأت بها اشكالية النزاع وتطورت ومن النقطة التي انتهت عندها العائلة مثلا ام الدولة ام المجتمع الدولي.
ان نشر ثقافة حل النزاعات حاجة عالمية وان كانت هذه الحاجة مطلوبة بشكل متفاوت بين الدول حسب درجة واتساع النزاع فكلما اتسع نطاق النزاعات داخل الدولة كلما كانت الحاجة لهذه الثقافة ملحة في حين لم تكن مطلوبة بهذه الدرجة عند الدول التي تنعم بالسلام وتقل فيها فرص النزاعات.
كما ان تحقيق حل النزاعات بشكل عملي مخطط له يكفل حلول شاملة لأسبابها، ويقلل من فرص حصولها وعلى قدر مساحة حل النزاعات تكون مساحة السلام اي التناسب سيكون طرديا بين نشر ثقافة حل النزاعات والعيش بسلام. فهذه الثقافة تنال ترحاب كبير من كافة الدول وخاصة الدول التي تعاني من النزاعات على المستوى الداخلي والدولي ومنها العراق لان نشر هذه الثقافة معناه خلق فرص للسلام وتكوين مساحة من الامن يستظل بها المجتمع وتشكل بيئة جاذبة للاستثمارات الاجنبية وملاذ امن ومن ثم تحقيق التنمية.
ولأجل ذلك فلابد من عرض المبحث من خلال ناحيتين: حل النزاعات على مستوى الافراد، وثقافة حل النزاعات على مستوى الدولة. وعلى النحو الآتي:-
1- آليات حل النزاعات على مستوى الافراد
ان آليات النزاعات هنا اما ان تبدا ذاتية ويمكن ان تكون نزاعات على مستوى علاقة الفرد مع العائلة او اي جماعة ينتمي اليها او يعمل لديها وعليه يمكن ايضاح ذلك على النحو الاتي:-
ا- النزاعات الذاتية (الصراع الداخلي)(individual conflict)
وهذه النزاعات تتمثل في عدم الاستقرار النفسي والفكري لدى الفرد والذي ينشا عن عدم التوازن الداخلي وهذا يعود الى اسباب نفسية او عقلية طبيعية او بيئية فيجد الانسان نفسه بين وضعين العرف الاجتماعي والمثل العليا يصعب التوفيق بينهما وهذا يقود الى النزاع الذاتي ويمكن ان ينشا عن ذلك ازدواج في الشخصية (4)، وان تكرار كبت الصراع مع النفس بمرور الوقت يتراكم ويتحول الى اضطراب في شخصية الانسان(5). ينعكس ذلك سلبا على ثقة الفرد بنفسه وبالوسط الذي يعيش في ظله مما يتولد عن ذلك غياب رضا الفرد عن نفسه وعن ذلك الوسط وهذا ما يدفعه الى اتخاذ موقف سلبي قائم على تفكير سلبي لينتهي كسلوك
ان السلوك السلبي يمكن ان يكون ساكن يتطور بعدها الى سلوك حركي متمثلا بأعمال عنفيه وتكرار هذا المشهد على المستوى الشخصي الذاتي للفرد وانتشاره افقيا لأفراد اخرين معناه كثرة النزاعات الذاتية التي سيكون حاصل جمعها نزاعات مجتمعية وما يترتب على ذلك من نشوء افراد غير اسوياء على المستوى الفكري والنفسي(6) وان التصدي لذلك يكون من خلال نشر ثقافة نفسية وفكرية متوازنة عن طريق الاعلام واستثمار ثقافة المجتمع لهذا الغرض كما لو كان غالبية المجتمع يدين بالديانة الاسلامية كما في العراق، فيمكن ان تنشر الثقافة النفسية الصحيحة عن طريق مبادئ الشريعة الاسلامية لتضمن التأثير في اوسع مساحة من الافراد(7).
فضلا عن التثقيف باتجاه حضر استعمال العنف ضد الاطفال وفرض جزاءات شديدة، وعلى الدول اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الإفلات من العقاب من قبل من اساءة في معاملة الأطفال(8)، وهي تدابير ما بعد النزاع لما يمثله العنف من تأثير بوصفه ظاهرة اجتماعية لها اثار نفسية فهو المحرك التاريخي كعامل اجتماعي يحدث اثر نفسي يتمثل بالمواقف السلبية للفرد في مراحل حياته اللاحقة ان لم يستطع الفرد التغلب عليها(9)، وهنا يقتضي ان نذكر بالمواثيق الدولية المعنية بحقوق الطفل(10). كما يمكن اعتماد الية حل النزاعات الذاتية من خلال تنمية المواقف الايجابية في نفوس الافراد أولا (البيت، المدرسة، الشارع) لنحصل على سلوكيات ايجابية ومنها ترسيخ الحس الوطني والمحبة لكافة البشر ومحاربة التمييز العنصري(11).
ب- النزاعات المجتمعية
ويمكن ان تتخذ هذه النزاعات عدة مظاهر فقد تكون على شكل نزاعات عائلية او نزاعات في بيئة العمل وسنبحث كل منها في محور على النحو الآتي:-
اولا:- النزاعات العائلية
وهي التي تنشأ في محيط دائرة ضيقة للمجتمع الا وهي العائلة ويمكن ان تتسع في دائرة اوسع الا وهي العشيرة او القبيلة وتزداد هذه النزاعات حدة في ظل تراجع سلطة الدولة والقانون والمستوى الثقافي وقوة النزعة العصبية وتأثير التقاليد القديمة التي لا تتناسب مع المتغيرات الاجتماعية كما تقف وراء تلك النزاعات عوامل عديدة يأتي في مقدمتها عدم كفاية الوسائل المتاحة لإشباع حاجات الفرد او عدم كفاءتها وغياب نظام الاسرة، وسوء ادارة الدولة للموارد البشرية والمادية يفضي الى تراجع مستوى معيشة الفرد وهي عوائق امام التنمية البشرية (12).
فضلا عن تنامي الحس العشائري مقابل تراجع الحس الانساني والوطني(13)، وان نمطية العلاقة في الدول الشرقية وخاصة العربية منها يدفع باتجاه ان تكون الحلول نمطية ايضا ولابأس باستغلال رب الاسرة لسلطته وامتلاكه لموارد العيش باتجاه ان يحل نزاعات العائلة (علاقته بالزوجة او الابناء او علاقتهم مع البعض) بآلية ذكية تتمثل في نشر المحبة والتسامح واشعارهم بالعدالة في توزيع الحقوق حتى يسيطر عليهم روحيا فيكون كل حل لأي نزاع مقبول ومرحب به كما ان اهمال توجيه الدولة عن طريق الاعلام في الدائرة الاوسع المتمثل بالمجتمع بهذه الآليات يشكل عامل رئيس في بقاء النزاعات وانتقالها افقيا وعموديا.
ومن آثار تلك النزاعات انشار الجريمة والتشرد والطلاق(14) والتسول فضلا عن ان تلك الظواهر تتطور الى ظواهر اكثر تأثير في المجتمع ومنها ظاهرة الفساد(15) والارهاب، التي يعاني منهما المجتمع العراقي. وان التصدي لكل ذلك يكون من خلال احياء القيم الروحية لدى العائلة باستثمار ثقافة المجتمع الدينية من قبل المؤسسة الدينية والسياسية في توجيه الافراد للعيش بسلام على اسس انسانية للتأثير بأوسع نطاق فضلا تنمية الحس الانساني والوطني مقابل الحس العشائري(16). كل ذلك من اجل تحجيم هذه النزاعات لكي لا تتطور باتجاه نزاع اكبر يصعب حله.
ثانيا:- النزاعات في بيئة العمل
وهي تلك النزاعات التي تثار بسبب العمل او داخل بيئة العمل وتتمحور حول علاقة الفرد مع رب العمل او مع العاملين وهذه العلاقة هي مصدر النزاعات وان اختلاف مطالب والمصالح بين هؤلاء الاطراف هو الحاكم لتقدير شدة او ضعف هذه النزاعات وان العامل الرئيسي الذي يقف وراء هذه لنزاعات هو عدم كفاءة معايير التقييم والتي يترتب عليها اجور ومكافئات العاملين والتنافس على فرص العمل، وهذه النزاعات يمكن ان تكون فردية لمخالفتها لقانون العمل او نظامه الداخلي او دوامه او جماعية لمخالفة لعقد العمل كما يمكن ان تكون حالية او مستقبلية(17)، ومثال ذلك كان يتنازع الفرد مع غيره للحصول على ترقية او اختيار طريقة معينة لأداء العمل وهي ظواهر طبيعية ان كانت ضمن حدود معقولة ولكن ان تجاوزت الحدود تأخذ وضع سلبي يتطلب التدخل للمعالجة والإصلاح(18)، ومن اثار ذلك غياب الولاء المؤسسي وتراجع مستوى اداء وكفاءة العاملين مما ينعكس ذلك سلبا على نوع وكمية الانتاج في كافة المستويات (19).
فضلا عن كل ما تقدم فان تشغيل اليد العاملة من قبل رب العمل قد يكون في مجالات هي ادنى من مؤهلات العامل كما لوكان العامل خريج كلية هندسة وبسبب قلة فرص العمل يقبل بدافع الحاجة للمال الى القبول بعمل لا يتطلب مهارة هندسية فهنا النزاع سيتحقق في ذات العامل ومع رب العمل ان لم يجد الاحترام المناسب في بيئة العمل او الاجر الكاف والمناسب. ان التصدي لحل تلك النزاعات يقتضي ان يكون من خلال تشكيل نقابات حرة ونزيهة تدافع عن حقوق العمال والموظفين وتحقق توازن امام قوة المؤسسات، ويقتضي ان توجد تشريعات تعزز هذا التوازن على مستوى حقوق والتزامات الطرفين وعدم التمييز وحماية الطرف الضعيف في العلاقة(20).
2- آليات حل النزاعات على مستوى الدولة
ان اطراف النزاع في هذا المشهد اما ان يكونوا الدولة مع الأفراد مسلحين او غير مسلحين او الدول مع بعضها، ويمكن ان ينشا النزاع في الوضعين اما لأسباب من داخل حدود الدولة ام من خارجها ويمكن ان نستعرض ذلك على النحو الاتي:-
ا- النزاعات الداخلية
وهذه النزاعات يمكن ان تأخذ احد مظهرين: مسلحة او غير مسلحة:-
اولا:- النزاعات المسلحة
وتطغي على هذه النزاعات اعمال العنف مستهدفة اما المجتمع بكافة مكوناته او مكون معين بقصد اثارة الرعب والخوف، وتأخذ طابع العمل الارهابي(21)، رغم ان الارهاب نتيجة للعنف وما العنف الا وسيلة او اداة في اغلب الاحوال(22)، كما يمكن ان تكون على شكل حرب عصابات او حرب اهلية، وكذلك يمكن ان تتفاقم هذه النزاعات الداخلية فتؤثر على المجموعة الدولية (23) ويمكن ان تبلغ مستوى الحرب الدولية، وقد تكون عبارة عن عصابات منظمة او غير منظمة تستهدف فئة معينة لأسباب اقتصادية بشكل رئيس وهذه النزاعات لا تأخذ طابع ارهابي(24)، ويقف وراء كل النزاعات اعلاه أسباب كثيرة يأتي في مقدمتها بشكل رئيس ضعف الأجهزة التنفيذية والقضائية وعدم كفاءة القائمين على الإدارة والحكم، ومن انعكاسات ذلك انتشار المخدرات على المستوى الداخلي ليتوسع بعدها الى المستوى الدولي وانتشار جرائم غسيل الأموال والفساد الاداري والمالي، فضلا عن توسع حالات النزوح داخليا والهجرة دوليا(25)، وتنامي الإعمال الإرهابية وتزايد ضحاياه على المستوى الداخلي(26).
وان التصدي لذلك يقتضي ان يكون من خلال إصلاح منظومة التشريعات المعنية بمكافحة الفساد ورفد الاجهزة التنفيذية بكوادر كفوءة لغرض انفاذ تلك التشريعات ويمكن استعانة الدولة هنا بالدول بعوامل دولية كآليات حل مساعدة منها تقوية علاقات الدولة مع الوسط الإقليمي وغير الإقليمي عن طريق عقد اتفاقيات التبادل التجاري وحسن الجوار ومكافحة الإرهاب وتمويله والتعاون الدولي في مجال الجريمة المنظمة العابرة للحدود والتعاون مع الدول في مجال حقوق الانسان، ومعنى ذلك توفير حد ادنى من التعايش السلمي والتوافق السياسي الى جانب التعاون في المجالات الاقتصادية والثقافية والفنية المشتركة (27).
ثانيا: النزاعات غير المسلحة
وتكون عبارة عن اعمال او نشاطات تقوم بها مجموعة من الافراد على نحو اما ان يكون منظم او غير منظم يستهدف مطالبة الدولة او المجتمع الدولي بحقوق معينة مثل تعزيز حقوق الانسان وحقوق المرأة او تحسين المستوى الاقتصادي او الخدمات او توفير فرص العمل وهذه النزاعات في ظل عدم معالجتها تتطور باتجاه ان تأخذ طابع مسلح ينطوي على اعمال عنف يمكن ان تتطور الى اعمال ارهابية اذا استهدفت الممتلكات الخاصة والعامة(28)، كما ان اهمال الدولة لمعالجة تلك النزاعات يفضي الى تفاقمها ولأجل تلافي ذلك فلابد من اجراء معالجات ميدانية من قبل اجهزة الدولة للإشكاليات التي تواجه الافراد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي اي تواجد الاجهزة التنفيذية في مكان الخلل او التقصير لغرض الاشراف المباشر على إصلاحه واشعار الافراد بمتابعة واهتمام الدولة المباشر، كما يجب تحسين واصلاح المنظومة التشريعية التي تمس حياة الفرد بخفض الضرائب والرسوم والاهتمام بالتامين الاجتماعي والصحي للفرد، وكذلك تخصيص اموال لمشاريع استثمارية وتسهيل دخول المستثمرين الاجانب وتحقيق العدالة في التعامل مع الافراد، وان الخلل في استثمار الواردات وتوجيه النفقات وضغطها في موازنات العراق في السنوات التالية لعام 2003 كان من الاسباب الرئيسة لحدوث كثير من النزاعات والتي اخذت الوان واشكال مختلفة منها ما يتعلق بسوء الخدمات او قلة فرص العمل وعدم احترام مبدأ تكافؤ الفرص وسوء ادارة الموارد الطبيعية والبشرية بسبب الفساد المالي والاداري المستشري كل ذلك اضعف حالة الشعور بالمواطنة والتي كان يجب ان تعزز لما لها من دور في الحد من النزاعات(29).
ب- النزاعات الدولية
وهي تلك التي تحدث بين اعضاء المجتمع الدولي من دول وغيرها من اشخاص القانون الدولي(30)، وتحصل لأسباب تتعلق بالحدود(31) او المياه او ايواء الارهابيين او تمويلهم كما يكون لتلك النزاعات امتداد لدول الجوار(32)، كما يمكن ان يكون مصدر هذه النزاعات كذلك اساءة معاملة الافراد التابعين لدولة (الوطنيين)، اما في مجال الحقوق او التعويض عن الاضرار البيئية العابرة للحدود، وإشكاليات التلوث. ان مثل تلك النزاعات يمكن ان تتطور من وضع التصريحات والحرب الكلامية والمواقف السلبية في المسائل التجارية الى مواقف عدوانية تفضي الى نشوب حروب ونزاعات دولية مسلحة وقد كانت الحرب احد وسائل حل النزاعات وقد تسببت خلال الخمسة الاف سنة الاخيرة من التاريخ بموت خمسة مليارات انسان. وخلال الثلاث الاف واربعمائة سنة الاخيرة لم يعرف العالم سوى مئتين وخمسين عاما من السلام، فالحرب العالمية الاولى مثلا قضت على عشرة ملايين انسان بنسبة عشرين مقاتل مقابل مدني واحد وفي الحرب العالمية الثانية قتل اربعين مليون انسان بنسبة التعادل بين العسكرين والمدنيين وبين عامي 1945 الى 1984 اصبحت نسبة الضحايا تقدر بعشرة مدنيين مقابل عسكري واحد(33).
وان ثقافة حل النزاعات في هذا الاطار يمكن ان تتحقق من خلال اللجوء الى الوسائل السلمية في حل النزاعات التي شجع عليها ميثاق الامم المتحدة باللجوء الى التحكيم او التوفيق او الوساطة او المساعي لحميدة اي اللجوء الى الطرق الدبلوماسية للتخفيف او الحد من تفاقم النزاع وحله والامتناع عن كل ما من شانه ان يعرض السلم والامن الدوليين الى الخطر(34)، ان اشاعة هذه الثقافة تحفظ للمجتمع الدولي العيش تحت مظلة السلام العالمي الذي هو الهدف المشترك الذي يسعى اليه الجميع لما لذلك من تأثير ايجابي على مستوى انسيابية في تدفق الأموال والأشخاص عبر الحدود.والتعاون الدولي في مجال مكافحة الإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة وغسيل الاموال.
ثانيا:- آليات العيش بسلام
مقابل ما طرح من نزاعات السؤال الذي يثار هنا هل يمكن العيش بسلام فيما اذا توفرت آليات حل النزاعات حسب نوع كل نزاع؟ الإجابة عن ذلك ستكون من خلال هذا المبحث الذي يعكس تأثير آليات حل النزاعات التي تم عرضها في المبحث الأول فهو نتيجة لذلك، وان تحقيق هذه النتيجة يعتمد على عدة عوامل وان تراجع عامل منها معناه استقرار جزئي للعيش بسلام وهو ما يصطلح عليه بالسلام السلبي في حين استكمال هذه العوامل معناه تحقيق ما يصطلح عليه بالسلام الايجابي اي تحقيق استقرار العيش بسلام بصورة كلية وعلى وفق الالتزام بعوامل السلام تكون النتيجة.
وعليه فلابد من عرض الموضوع من خلال ثلاثة نواح سنخصص الأولي لبيان عوامل استقرار العيش بسلام في حين سنعقد الثانية لبحث الاستقرار الجزئي للعيش بسلام واخيرا سنبحث الاستقرار الكلي للعيش بسلام وعلى النحو الآتي:-
1- عوامل العيش بسلام
لا يمكن العيش بسلام الا بعد ان تكون هناك بيئة صحية لاستقرار العيش بسلام وان ذلك يتطلب تضافر عدة جهود ومواقف بعضها داخلية والاخرى دولية وعليه، سنبحثها من خلال ثلاثة فروع على النحو الآتي:-
ا- عوامل مجتمعية
وتتمثل في الطابع الغالب على ثقافة المجتمع هل يكون لحساب الولاءات الفرعية ومنها الدين او القومية او المناطقة او الفئوية ام لحساب الولاء الكلي وهو الولاء الوطني، والتعامل مع الجميع على اسس انسانية فان تفوقت الثقافة الاولى فسوف لا تحقق تلك العوامل استقرار السلام بالمستوى المطلوب لان كل فرد سوف يعيش في عالم ضيق يتطرف لأجله وكلما تمسك به ازداد التطرف وهذا يعني تطرف كل مجموعة من الافراد على هذا الاساس معناه استعدادها للتنافس(35) مع غيرها يصل بها الى مرحلة ان تهدف الى الغاء كل منها الاخر(36)، وهو ما يفضي الى نتيجة الاحتراب الذي هو المستوى المتقدم من النزاع.
فاذا كانت كل دولة تعيش على هذه العوامل من الداخل سيكون بالنتيجة عدم إمكانية افرادها للعيش بسلام مع افراد الدول الاخرى مما يعني تكوين مواقف سلبية ومن ثم سلوكيات عدوانية بالقول ومن ثم بالفعل ويمكن ان يتخلل الفعل الطابع العنفي، الذي يدفع بالدول الى النزاعات والصراعات على المستوى الدولي، فالدولة غير المستقرة داخليا لايمكن ان تكون علاقاتها مع الدول الاخرى مستقرة فالاضطراب وعدم الاستقرار سيسود ادارتها على المستوى الداخلي والدولي.
وهنا يحتاج الوضع لتدخل الارادة الدولية من خلال قطع المساعدات عن الدولة والمنح وفرض رسوم على بضائعها مالم تحسن مستوى أدائها في الداخل وهو تثقيف المجتمع بثقافة العيش مع الاخرين على اسس انسانية والتخلي عن الولاءات الضيقة الفرعية فان تحققت غلبت هذه العوامل على العوامل المستندة الى الثقافة الضيقة تكون النتيجة لحساب استقرار العيش بسلام(37).
وبناء على ما تقدم ان العوامل يمكن ان تكون سلبية او ايجابية فتفوق الاولى تفويت لفرص السلام في حين تحقق الثانية معناه بناء السلام وصولا للاستقرار العيش بسلام.
ب- العوامل المؤسساتية
وهذه العوامل تتمثل بدور المؤسسات الحكومية وغير الحكومية في تعزيز العوامل المجتمعية حسب ما تقدم من خلال الخطابات السياسية والدينية فتوجيه هذه الخطابات باتجاه الاطر الضيقة للولاء واهمال الاطار العام الذي تجتمع عندها كل الافراد الا وهو الاطار الإنساني يفضي الى تقليل فرص العيش بسلام بل هو عدم تحقق الاستقرار المطلوب ويمكن ان تحصل نتيجة عكسية ان كان الخطاب موجه الى الافراد كافة على مختلف انتمائهم وولاءتهم وتقوية فرص اندماج الافراد مع بعضهم ومع الدولة واندماج المجتمع مع باقي المجتمعات في المحيط الانساني على ان يصور لهم الخطاب ان كل فرد قريب للأخر في الانسانية لتوافر نفس الخصائص المادية والمعنوية التي يتطلبها كل منهم وان كل منهم محتاج للأخر فيها، كما ان سياسية الدولة يقتضي ان تخلق التوازن بين التغذية للولاء الانساني العالمي والوطني الداخلي مع باقي الولاءات الفرعية في الداخل وان تخلق التكامل بينها وبين القائمين على هذه التغذية من مؤسسات حكومية معنية كلجنة حقوق الانسان والمؤسسة الدينية ومنها علماء الدين من مختلف الطوائف وكذلك دور المؤسسة الاعلامية في تعزيز هذا التوازن والتكامل فضلا عن تشجيع مؤسسات المجتمع المدني للمشاركة الفاعلة في تحقيق التوازن والتكامل بين كل تلك العوامل على المستوى الداخلي (38). يمكن استثمار قوة الهوية الوطنية لتحقيق الاندماج السريع بالأسرة الانسانية الاوسع.
ج- العوامل الدولية
بقدر سياسة الدولة في التعامل مع ثقافة استقرار العيش بسلام بين الجميع تتحرك العوامل الدولية على نحو فاعل ومعزز لدور الدولة كما ان ذلك يؤشر ايجابيا لدى مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة وتحريك للمنظمات الاخرى ومنها منظمة اليونيسف وبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة اليونسكو وهذا ما يوفر فرص اقوى لنشر وبناء السلام من خلال دعم ورش لتوعية بحقوق الانسان وحرياته ومكافحة التمييز العنصري وحماية حقوق المرأة واحترام الموروث الثقافي للمجتمع، ودعم الحكم المحلي في ادارة الموارد وتطويرها ودعم الحكم المدني والرشيد وغيرها.
2- الاستقرار الجزئي للعيش بسلام
(السلام السلبي)(الحفاظ على السلام)
ان الاستقرار الجزئي هو حل مؤقت للنزاع فهو عبارة عن معالجة سطحية لعوامل النزاع ولاجل التعرف على ذلك فلابد من عرض الموضوع وعلى النحو الاتي:-
ا- اسباب السلام السلبي
ان عدم امكانية الدولة في تحقيق كامل للتوازن والتكامل بين العوامل المتقدمة معناه عدم توافرها مجتمعة فالنتيجة المتحققة ستكون استقرار جزئي للسلام، يعني عملية الاصلاح للإشكاليات المفضية للنزاعات من قبل الدولة لم تكون بشكل شامل وكامل او كاف انما بشكل جزئي محدود كما لو كانت العوامل المجتمعية تطغي عليها الجوانب السلبية في حين العوامل المؤسساتية والدولية متوافرة من خلال قيام الدولة ومنظمات المجتمع المدني بدور ايجابي، مثال ذلك سيطرت التيارات المتطرفة على المجتمع مقابل قيام منظمات المجتمع المدني المدعومة دوليا من قبل برنامج الامم المتحدة الانمائي (UNDP) بورش تثقيف حول نشر ثقافة العيش المشترك وثقافة التسامح والمحبة بين الجميع او نشر ثقافة الاعتدال ونبذ التطرف والكراهية والعنصرية لما لتلك البرامج من دور في التنمية البشرية وتطوير مهارات للعيش مع الاخرين بسلام.
كما يمكن ان يكون هناك تقصير حكومي في هذا المجال يقابله دعم دولي محدود واستعداد محلي واسع من قبل المجتمع للتطوير الوعي وثقافة العيش بسلام. وهذا يعني عدم توازن بين العامل الاجتماعي الواسع الذي يقابله دعم دولي محدود ضيق، ونشاط مؤسسي حكومي ضيق وقاصر ومثال اخر يمكن ان يكون فيه العامل الاجتماعي قوي كما لو كان المجتمع متجانس من الناحية الدينية او القومية ولكن يقابله العامل المؤسساتي سياسية الدولة التي تغلب المصالح الاقليمية لدول الجوار على حساب مصلحة المجتمع من حيث ادارة الموارد وتوزيعها وتطويرها فهنا سنكون اما غلبة العوامل السلبية في تحقيق الاستقرار المطلوب وفرص اقل لتحقيق العيش بسلام فعدم التوازن والتكامل بين الاستعداد الاجتماعي الذي يقابله تقصير حكومي اثر في تقليل فرص الدعم الدولي.
ب- نتائج السلام السلبي
على وفق ما تبين من اساب تترتب جملة نتائج اهمها ان الهيئة الاجتماعية ستتعرض الى احتمالية ظواهر سلبية اكثر من فرص لنشاط الظاهر الايجابية، فيمر المجتمع بمرحلة العنف البنيوي الذي يمكن ان يتطور فيما بعد للعنف الجسدي واخيرا نشاط ظاهرة الارهاب وحواضنه. فتجنب الدولة لحل النزاعات وتقصيرها المتكرر يفضي الى تراكم النزاعات على المستوى الفردي والجماعي ونشوء نزاعات مركبة يصعب حلها فيما بعد ومنها ضعف النظم المدني في المجتمع وكذلك رجوع العصبية القبلية المبنية على اسس قومية او دينية (39)، كما هو الحال في المشهد العراقي في موقف الحكومات التي توالت على العراق منذ عام 2003 ولحد الان فالبلد يعيش مرحلة سلام سلبي وعنف بنيوي ينتقل بعدها الى مرحلة العنف الجسدي واخيرا اعمال ارهابية تتوزع افقيا وعموديا بين فترة واخرى.
وهو حال المجتمعات العربية بعد عام 2011 في الدول التي عصفت فيها التغيرات السياسية ومنها تونس ومصر وليبيا فالعنف كان قبل هذا التاريخ بنيوي اي فكري يعبر عنه بمواقف سلبية لدى الفرد اتجاه الدولة فكان المجتمع يعيش مرحلة السلام السلبي لان الدولة لم تعالج مشكلات الفرد وعوامل النزاع بين الافراد بعضهم مع البعض وبينهم وبين الدولة وهذا ما افضى الى ان تحول العنف الى عنف جسدي بعد عام 2011 ودخل المجتمع في مرحلة احتراب في ظل فرص ضئيلة للسلام(40). واخيرا يمكن ان يستثمر العراق الوضع المستقر الذي يعيشه الان باتجاه تحقيق فرص افضل للعيش بسلام بين كافة اطياف المجتمع العراقي وان الحكومة الحالية تتوافر لديها الامكانيات لتحقيق ذلك.
3- الاستقرار الكلي للعيش بسلام
(السلام الايجابي)(بناء السلام) السلام المستدام
يمكن عرض الموضوع وعلى النحو الاتي:-
ا- مقومات السلام الايجابي
ان هذا الاستقرار هو النتيجة المطلوبة وهو اعلى مستوى تصل اليه المجتمعات ويتكون ذلك بفضل اجتماع العوامل المتقدمة بشكل متوازن ومتكامل تستهدف ايجاد ارضية مستقرة لبناء السلام والعيش في ظله من قبل الكافة افراد ودول، وان تضافر عوامل السلام الايجابي يقتضي متابعتها باستمرار حتى تحافظ على ديمومتها، كما يتطلب من قبل الدولة المحافظة على توازنها وتكاملها ونقصد بالمحافظة على توازنها يعني ترجيح العامل الاجتماعي على المؤسسي والدولي، وترجيح العامل المؤسسي على العامل الدولي لمنح المجتمع ثقة ادارة نفسه بنفسه ومعالجة مشكاله بحلول تنبثق من ثقافته بدون ضغط او جبر داخلي او خارجي، كما ان ترجيح العامل المؤسسي على العامل الدولي يمنح الدولة استقلالية ويحفظ لها هيبتها امام المجتمع مما يمنحها ذلك الثقة العالمية ايضا، وهذا له تأثير ايجابي في بناء السلام والحصول على دعم المجتمع الدولي له.
اما عن تكاملها وهو ان العامل الاجتماعي يجب ان يتناغم مع ما تتطلبه التشريعات التي تسنها مؤسسات الدولة حتى يكتسب العمل الاجتماعي الطابع الشرعي القانوني، كما ان التعامل الانساني بين المجتمع والدولة يكسب الاخيرة شرعيتها على المستوى الدولي الامر الذي يجعل تصرفات الدولة منسجمة مع المعايير الدولية في هذا الاطار.
ب- نتائج السلام الايجابي
ان السلام الايجابي يوفر للدولة فرص الحصول على الدعم الدولي وان التوازن و التكامل على هذا النحو المتقدم يمكنها من بناء السلام بأسرع وقت وباقل التكاليف، ومثال ذلك ان اغلب المجتمعات الاوربية تعيش مرحلة السلام الايجابي لان الجميع يعيش تحت مفاهيم بناء السلام لا فقط الحفاظ عليه وصناعته، اي يكون هنا المجتمع قد تجاوز مرحلة تجنب الصراع الى مرحلة اصلاحه من خلال تغيير مسار النزاع اي اصلاح النزاع بين افراد العائلة او المجتمع او الدول من خلال اصلاح المكونات المحيطة بتلك العلاقات وهنا ستنتقل الاطراف من مرحلة ادارة الصراع الى حله(41)، فالهجرة الدولية من الدول العربية وبعض الدول الشرقية الى الدول الغربية خير مثال على ضعف مقومات وفرص السلام في الاولى وقوتها في الثانية، ونلاحظ كيف ان السلام السلبي الذي يقوم على تجنب النزاع بدلا من اصلاحه ينهار بشكل سريع، وعندها يضطر الافراد الى البحث عن المكان الاوفر و والاقوى في فرص السلام ذلك المكان الذي يستظل تحت مظلته الجميع بأمن وسلام من دون تمييز على اساس المكونات الضيقة حيث الاساس الذي يبدا وينتهي عنده الجميع الا وهو الاساس الانساني.
فنلاحظ هنا انتقال من مكان يسوده سلام سلبي الى مكان يحتضنه سلام ايجابي ومن افراد يتوزعون على اسس متعددة الى افراد يعيشون على اساس واحد ومن عالم تتضافر فيه بعض عوامل السلام الى عالم يعيش على كل تلك العوامل(42). ولو نظرنا الى الخارطة الجغرافية لتوزيع الظواهر السلبية في العالم نجد ان اغلبها يتركز في محيط المجتمعات الشرقية وخاصة العربية منها فلا نعثر اليوم على مهاجر من الغرب الى الشرق كما تشير الى ذلك اغلب الاحصائيات(43).
ثالثا:- تحقيق العيش بسلام وحل النزاعات بشكل متوازي
يمكن بحث الموضوع من خلال محورين سنخصص الاول لبحث الاولوية والأسبقية بين حل النزاع والعيش بسلام في حين سنخصص الثاني للتكامل بين حل النزاع والعيش بسلام وعلى النحو الآتي:-
1- الاولوية والاسبقية بين حل النزاعات والعيش بسلام
السؤال هنا يثار حول ماهو الاولى بالعناية؟ هل حل النزاع ام الاهتمام بالسلام تختلف الاجابة عن ذلك حسب وضع الدولة فيما اذا كانت تسود فيها النزاعات ام لا وعليه سنبحث الموضوع وعلى النحو الآتي:-
ا- الاولوية في حل النزاعات والعيش بسلام
اذا كانت الدولة تعيش حالة من النزاعات وعدم الاستقرار يقتضي ذلك الاهتمام بآليات حل النزاعات مقدم على العيش بسلام، وهي اشبه بحالة من يعاني من مرض معين فهنا لا يفكر كيف يعيش بقدر ما يفكر كيف يشفى، وحسب درجة المرض يستغرق العلاج وهنا نقول حسب حجم ونوع النزاع تكون الالية التي من خلاله نحصل على نتيجة العيش بسلام اي حسب وضع هذه الدولة سيكون حل النزاع سبب للوصول الى نتيجة العيش بسلام. فالأولوية ستكون لفهم النزاع وحله اي نكون في مرحلة الحفاظ على السلام وادارة الصراع. اما الاسبقية هنا ستكون لمعالجة العوامل التي بدأت منها النزاعات اي يمكن ان نحل النزاعات على مستوى الافراد قبل النزاعات بينهم وبين الدولة او بين دولة واخرى. وفي ظل الدولة التي يسود فيها استقرار العيش بسلام تكون الاولوية لصيانة وادامة السلام اي الحفاظ على بناء السلام اكثر من التفكير في حل النزاعات، ويمكن ان يتوجه التفكير الى النزاعات المحتملة لاتخاذ اساليب وقائية لمعالجتها فور تحققها.
ب- الاسبقية في حل النزاعات والعيش بسلام
تتمثل الأسبقية في الموضوع المطلوب معالجته واصلاحه وتأهيله قبل غيره، فان كانت الدولة فيها نزاعات ستعمد على حل نزاعات الفئة الأضعف ثم الاكثر ومثال الفئة الأولى ذوي الاحتياجات الخاصة والمرأة والطفل بوصفها الاضعف في اغلب العلاقات ويمكن ان يشمل ذلك الحيوان والنبات، ومثال الفئة الثانية هي فئة الشباب نظرا لقوة التي تمتلكها هذه الفئة من الناحيتين المادية والمعنوية وتأثيرها السريع في الحياة. كما يقتضي ان تقدم النزاعات ذات المصادر الديني او الاثني على النزاعات المتعلقة بالخدمات وفرص العمل فالأولى اشد تأثيرا في النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من الثانية.
اما في الدول المستقرة فتكون الاسبقية ممتدة بشكل متوازن للجميع فالعناية تمتد لكافة الكائنات الحية ولا تقتصر على الأنسان فهنا يكون اصلاح في علاقة الانسان مع الوسط الذي يعيش فيه من منظومة الاحياء والموجودات. اي ان وضع هذه الدولة قد تجاوز مرحلة احترام حقوق الانسان بشكل عام الى مرحلة الاسبقية في الاحترام والعناية(44).
2- التكامل بين العيش بسلام وحل النزاع
يمكن ان ننظر للموضوعين بان كل منهما يكمل الاخر ككل واحد لا يقبل التجزئة او التبعيض وهذا يضع الفرد والمجتمع امام مسؤولية مزدوجة ولتوضيح ذلك فلابد من عرضه على النحو الآتي:-
ا- التكامل في الدول التي تعاني من نزاعات
يقتضي في اطار هذه الدول ان يكون التكامل بين موضوعين في وقت واحد ففي الوقت الذي يفكر فيه في حل النزاع ان يفكر في نشر مفهوم العيش بسلام، وان يعمل بما يفكر في الوضعين فمثلا في الوقت الذي يسيطر فيه الانسان على صراعه الداخلي ان يبحث عن ما يحقق الاستقرار النفسي له، وان اشاعة هذه الالية في التعامل مع العائلة فان كانت مثلا تواجه أزمة مالية فهنا يمكن الاقتراض وتوجيه جزء من المال نحو شراء وسائل انتاجية لتسديد القرض فهنا ستتحقق نتيجة مزدوجة وهي حل النزاع الناشئ عن الضائقة المالية وفي نفس الوقت تأمين مورد يؤمن تسديد مبلغ القرض وايجاد فرص العمل، وهذا باعث للشعور بالارتياح الذي هو من مقومات العيش بسلام، وكذلك توفير فرص العمل مثلا في منح اعفاءات ضريبة لكل من يقوم بتشغيل اكبر قدر من الشباب، فهنا سنضع حد للنزاعات الناشئة في المجتمع في موضوع البطالة وفي نفس الوقت منحنا من يقوم بهذا العمل اعفاء سيشعره بالارتياح ويشجع غيره على ان يقوم بالمثل وكذلك النزاعات التي مصدرها التلوث يمكن عمل مسابقة بين الطلبة على تكريم الطالب الذي يقوم بنشاط تطوعي في حملة استزراع داخل مدرسته كما يقتضي التكامل ان نعمر الابنية التي خلفتها النزاعات وفي نفس الوقت ندخل الافراد الذين تعرضوا لضغط النزاعات في برامج لتأهيلهم النفسي والمادي وهذا ما تم اتابعه في قبيلتي التوتسي والهوتوا في روندا والتي دخلت في نزاع منذ عام 1994(45).
ب- التكامل في الدول المستقرة
يقتضي التكامل هنا ان تستمر الجهود باتجاهين محاربة المظاهر السلبية وفي نفس الوقت اشاعة المظاهر الايجابية بحيث تكون هناك علاقة بين الظاهرة السلبية المطلوب مكافحتها والظاهرة الايجابية المطلوب نشرها فمثلا فرض جزاءات قوية على ظاهرة التهرب الضريبي، وفي نفس الوقت التشجيع على دفع الضرائب او الاعمال التطوعية للتعويض عنها. وكذلك محاربة التمييز العنصري وفي نفس الوقت مكافاة الاعمال الخيرية التي تقدم من قبل من يحقق المساواة والعدالة كما يقتضي استكمال التشريعات من احكام الاعراف السائدة في المجتمع.
النتائج والتوصيات
نستنتج من خلال كل ما تقدم جملة نتائج نطرح على وفقها جملة توصيات وهي على النحو الاتي:-
اولا:- النتائج
1- ان العيش بسلام هو الوجه الايجابي للحياة وان النزاع هو الوجه السلبي الذي ممكن ان يتغير بفعل آليات حلول علمية صحيحة مخطط لها تحقق اصلاح مسار النزاع باتجاه السلام.
2- تختلف آليات حل النزاع حسم طبيعة النزاع وحجمه ويجب ان يتدارك النزاع بالحل قبل ان يتطور الى نوع اخر ويستع حجمه.
3- تتفاوت نسبة النزاعات بين دول العالم حسب اجتماع او تخلف جملة عوامل منها درجة التمدن وثقافة المجتمع وحجم الدعم الدولي لها فكلما كانت تلك العوامل متوافره مجتمعة وقوية كلما كانت مساحة النزاعات اضيق واسهل في التسوية والحل وفرص السلام اوسع كما نجد ذلك في الدول المتقدمة لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية واغلب دول أوربا.
4- تعد النزاعات العائلية البداية لكل أنواع النزاعات والتي يمكن ان تنشئ من النزاعات الذاتية لان كل هذه النزاعات تشكل البيئة التي تصنع افراد غير مستقرين نفسيا وفكريا كما ان هذه النزاعات تتطور لتكون نزاعات عمل ونزاعات اجتماعية لتنتهي الى نزاعات مع الدولة، وهذا ما ينعكس سلبا على سمعة الاخيرة في المحيط الداخلي والخارجي وان حل النزاعات العائلية سينسحب ايجابا على كافة انواع النزاعات اللاحقة لها لأنها الشكل الاول لهذه النزاعات وان اتخذ اشكال مختلفة فيما بعد بحسب موضوعه.
5- كل نزاع يطرح نتيجة معينة فالنزاع الذاتي يطرح الامراض النفسية والنزاع العائلي يسبب ظاهرة الطلاق والتفكك الاسري والفقر والتسول والنزاع في بيئة العمل ينتج الفساد الاداري والمالي والنزاع مع الدول سبب انتشار البطالة والجريمة والنزاعات بين الدول تطرح الحروب التي ينهار امامها السلام العالمي. وان الاصلاح لكل نزاع معناه الحصول على نتائج ايجابية ويكون لكل منها آليات خاصة بها.
6- هناك تناسب عكسي في العلاقة بين نشر ثقافة السلام وعوامل النزاعات والصراعات في العالم فكلما نجحت عملية نشر الثقافة الاول تقلصت مساحة الثانية وهذا يعني حسب مفاهيم دراسات السلام كلما نجحنا في ادارة الصراعات لخلق عوامل صناعة السلام making Peace والحفاظ على السلام keeping Peace انتقلنا الى مرحلة بناء السلام building Peace بشكل اسرع وبأقصر الطرق وباقل الكلف وهذا يعني اننا سننتقل.من مرحلة السلام السلبي الى مرحلة السلام الايجابي.
7- ان تحقيق التوازن بين العيش بسلام وحل النزاعات من قبل كل دول العالم سيضمن انتشار السلام افقيا بينها ولكن لايتحقق ذلك الا بعد ان تقوم كل منها بنشر هذه الثقافة بطرق عليمة بشكل عمودي داخل مجتمعاتها على مستوى علاقات الافراد او علاقتها بالأفراد عن طريق مؤسساتها.
8- يمكن ان تكون معالجة وحل كل نزاع حسب طبيعته وحجمه ويقتضي ان نعرف من اين نبدأ بحل النزاعات والمفترض ان تكون البداية مع النزاعات الذاتية ثم النزاعات العائلية قبل نزاعات العمل فالمجتمع مجموعة افراد فحل نزاعات الفرد معناه حل مشكلات مجموعة الافراد الذين يتكون منهم المجتمع وان النجاح هنا معناه النجاح في المرحلة اللاحقة عليها فتقليص نزاعات الفرد يقلل من نزاعات المجتمع والنزاعات داخل حدود الدولة بشكل عام.
9- ان شيوع وانتشار هذه الثقافة سيحسن من مستوى اداء الفرد والدولة فيزيد من إنتاجية الفرد ومن ثم المجتمع فضلا عن تطور الثقة العالمية بالدولة وهذا يعني ان بناء السلام سيكون بين افراد المجتمع داخل كل دولة عموديا وبين الدول على المستوى الخارجي افقيا، وان كل ذلك يساهم في انسيابية عالية في حركة رؤوس الاموال داخل الدولة وخارجها. وهذا يقود الى نشاط الحركة الاستثمارية وبأثرها توفير فرص العمل وهو ما سيوفر حل لتفاقم ظاهرة البطالة والحد من الجريمة الناشئة عنها وكل ذلك سيصب بالنهائية في تحقيقه التنمية الشاملة والمستدامة على المستوى الداخلي والدولي.
10- ان العيش بسلام وحل النزاعات تسير وفق مسار متوازي واحد اي في نفس الوقت يجب ان يعمل الفرد والمجتمع على محاربة الظواهر السلبية ونشر الظواهر الايجابية ويقتضي ان تكون الظاهرتين في موضوع واحد مثال ذلك فمحاربة الفساد الاداري والمالي يقتضي ان تمضي معه وفي نفس الوقت نشر ثقافة النزاهة والاستقامة فكلا الظاهرتين تتمحور حول موضوع واحد وهو تحسين نوعية وكمية الاعمال، وكذلك اذا حاربنا ظاهرة الفقر والبطالة والتسول ففي نفس الوقت يقتضي ان نوفر فرص العمل ودعم الانتاج الوطني، فهذه الظواهر تدور حول موضوع محوري واحد وهو تحسين المستوى المعاشي للفرد وهكذا بالنسبة لباقي الظواهر ومنها مكافحة التلوث كظاهرة لابد من ان يقابلها تحسين نظافة البيئة وفرض جزاءات شديدة على المخالفين.
11- تكاليف حل النزاعات اكثر من تكاليف العيش بسلام فبناء المدارس ومراكز الاهتمام بالشباب وتطوير كفاءتهم ومهاراتهم وبرامج دعم النساء والتنمية البشرية بشكل عام اقل بكثير من تكاليف تعويض المتضررين من جراء النزاعات كما ان العيش بسلام يعود بربح على الكافة في حين حل النزاعات من خلال اعادة الاعمار والتعويضات فيه تكاليف مضاعفة فهناك ابنية تهدمت فهذه خسارة وتضاف لها كلفة اعادة بناء الابنية وهذه خسارة اخرى والربح سيكون قاصر على المتضرر بالدرجة الرئيسة فضلا عن الصعوبة في التأهيل النفسي للأفراد بعد انتهاء النزاعات.
12- ان النزاعات تهاجم المؤسسات الاجتماعية وكذلك الحكومية وغير الحكومية وتمتد لتهاجم المؤسسات الدولية لذلك فان اثارها متحركة بين كل تلك المجالات لأنها تملك مرونة في ذلك وازاء هذه الاشكالية فلابد من مواجهتها في المهد قبل ان تكبر وتتنمر مما يصعب حلها وما علينا الا نشر ثقافة العيش بسلام في كافة المؤسسات بحسب طبيعتها وعلى نحو متوازن مع نشرها بين الافراد وخاصة الشباب.
13- ان النزاعات التي مصدرها الهوية والاثنية والدينية تكون اكثر تعقيدا من النزاعات الاخرى ومنها تلك التي تكون مصدرها التنافس على السلطة والحكم او فرص العمل او الخدمات وغيرها. فيكون حل الاولى اصعب ويتطلب وقت اطول من الثانية.
ثانيا:- التوصيات
1- على مستوى الفرد نشر ثقافة الصحة النفسية ومراجعة الاطباء المتخصصين في هذا المجال عند شعور الفرد بحاجة لذلك.
2- على مستوى العائلة يقتضي تفعيل دور المتخصصين في علم الاجتماع لنشر ثقافة التماسك الاجتماعي على مستوى الاسرة والتنبيه لخطورة التفكك الاسري.
3- على مستوى بيئة العمل يقتضي ان يدفع رب العمل التأمينات الاجتماعية لدائرة الضمان الاجتماعي لتغطية ما يلحق العامل من اضرار بسبب الاصابات في بيئة العمل او بسببه.
4- على مستوى الدولة يتوجب على مجلس الوزراء اصدار اعمام لكافة مؤسسات الدولة(الوزارات) لغرض كتابة الإشكاليات التي تواجه عملهم والتي تسبب حدوث نزاعات على مستوى علاقة الدولة بالأفراد البطالة والتسول والمخدرات والفساد المالي والاداري والارهاب والتلوث وتراجع الموارد المالية للدولة وازمة المياه الطلاق وغيرها من الإشكاليات التي لها مساس بحياة الفرد وتؤثر في نفسيته ومستوى ادائه وتثير نزاعات، واحالة تلك الإشكاليات الى المؤسسات البحثية والجامعات لغرض البحث لها عن حلول لان الحد من هذه الإشكاليات معناه الحد من توسع النزاعات والصراعات فهو خير طريق لبناء السلام بل هو طريق وقائي لمواجهة النزاعات.
5- على مستوى الجامعة نوصي ما يلي:
ا- تفعيل دور الارشاد التربوي والنفسي في رئاسة الجامعة والكليات.
ب- عقد ندوات وحلقات نقاشية بشكل دوري حول مواضيع ثقافة العيش بسلام وحل النزاعات.
ج- على كلية الآداب والتربية والقانون التنسيق مع الدوائر المعنية بشان الظواهر التي تؤثر سلبا في المجتمع ومنها ظاهرة الجريمة، التطرف، الفقر.ومن هذه الدوائر الشرطة والمحاكم ودوائر الحماية الاجتماعية.
د. على كل تدريسي ان يخصص خمس دقائق من وقت المحاضرة لتوضيح مفاهيم التفكير الايجابي واخلاقيات العمل بعد التخرج.
ه- على رئاسة الجامعة والكليات ان تشكل اللجان الاتية:-
1- لجنة العمل التطوعي
2- لجنة التعايش السلمي
3- لجنة ادارة الازمات
4- لجنة حل الاشكآليات بين الحكومة المحلية والحكومة الاتحادية
5- لجنة مكافحة التطرف
6- لجنة تفعيل مخرجات البحوث العلمية ذات الصلة بأمن وسلامة المجتمع.
7- لجنة متابعة تأثير مشاريع السلام في المجتمع.
أخيرا يقتضي مفاتحة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لغرض إصدار أعمام الى كافة الجامعات والمعاهد والجهات ذات الصلة لغرض العمل على كل ما تقدم.
اضف تعليق