q
آراء وافكار - دراسات

الاقتصاد ودورة في حياة الفرد والمجتمع

قراءة في كتاب فقه الاقتصاد لمحمد الشيرازي

هذا ما جعل كاتب (الفقه الاقتصاد) محمد الشيرازي، في كتابه هذا الذي وزع فيه الأًصول والنظريات والفلسفات العربية وغير العربية على مجموعة من القيم الإنسانية التي تشد الفرد إلى مزيد من التحضر، وإلى مزيد من إثبات ذاته تحقيقاً لمبدأ إعمار الأرض بالطرق القويمة التي أرادها الله...

المقدمة

الحديث عن الاقتصاد في رأي الكثير من الباحثين وصنّاع القرار حديث شامل، يتعدى الأفكار الاقتصادية البحتة، كأن يصبح مرآة للواقع الإنساني، ليس لأنه يشمل النشاط الإنساني كله، وليس لأنه السبب المباشر في رفاهية الإنسان أو تعاسته، وإنما لأنه مقياس لتحضر الفكر الإنساني، لأن الحضارة تحولت من طورها النظري، الذي يعتمد على مجرد الأفكار وتطبيقاتها على الفرد، إلى الطور العملي، والذي تقاس فيه حياة الإنسان بكم الآلات التي يتعامل معها، وبحدودية الأرقام التي تؤثر في حياته، أو لا تؤثر لأنه برغم من ذلك، إلا أن ثمة مجتمعات تعود إلى الوراء بشكل لافت، في كل ما يمس حياة الإنسان، هذه العودة ليست مجردة الملامح، لكنها تحمل في طياتها عودة عن المبادرة والقيم والأخلاق الإنسانية، والفطرية التي أوجدها، إلى عصور قادمة من الفساد والتخلف الاقتصاديين.

فلا يمكن أن نعود إلى مجتمع البداوة، والمداواة بالعشب، والجر بالمواشي السيارة، بعد أن ارتقى العالم منازل الفلك، وبدأ يبني في المستعمرات الفضائية، تمهيداً لغزو الفضاء بالبشر العاديين.

في ظل هذا الانفتاح يمكن للاقتصاد إلا أن يمسّ حياة الإنسان بشكل مباشر على نحو خاص، وهذا ما جعل كاتب (الفقه الاقتصاد) محمد الشيرازي، في كتابه هذا الذي وزع فيه الأًصول والنظريات والفلسفات العربية وغير العربية على مجموعة من القيم الإنسانية التي تشد الفرد إلى مزيد من التحضر، وإلى مزيد من إثبات ذاته تحقيقاً لمبدأ إعمار الأرض بالطرق القويمة التي أرادها الله.

استطاع محمد الشيرازي أن يرصد مبادئ التفكير الاقتصادي على النحو التالي:

- مبادئ الاقتصاد في الفقه الإسلامي.

- مبادئ المذاهب الرأسمالية العالمية في الغرب والشرق.

- مبادئ المذاهب الاشتراكية العالمية في الغرب والشرق.

- مبادئ اقتصاد السوق.

وجاءت بدلالات وشواهد:

- الملكية الفردية.

- ربط الملكية بحقوق المواطن.

- العدالة الاجتماعية.

- التكافل الإنساني والاقتصادي.

- التوزيع العادل للموارد.

لم يكتف المؤلف محمد الشيرازي بذلك، وإنما حول المفردات الشرعية الموجودة في الفقه الإسلامي إلى ضرورات إنسانية، دون التعصب للمذهب – كما سنرى – وهذا يدل على أنه قام بوضع رؤيته الاقتصادية منطلقاً من أفكار موضوعية تتصل بالقيم المادية المباشرة:

أولاً: استخدام المنهج الاستقصائي في البحث العلمي.

ثانياً: استخدام مفهوم المقارنات والتمثيل العملي.

ثالثاً: التعامل مع منهج تحليل المحتوى بالأسلوب التربوي.

رابعاً: شكل ثوابت للأفكار العلمية في مقابل الأفكار الزائفة، وهو بذلك إنما يؤدي دوراً مزدوج الرؤية:

جانبه الأول: فكرة وضع تصور اقتصادي شامل.

جانبه الثاني: تحويل هذا التصور إلى تطبيق عملي.

ومن هنا استخدمت أسلوب المؤلف في الشرح والتفسير والتأويل، والمراجعة والمقاربة وبلغة علمية أحياناً وأدبية أحيالناً، وهذا ما جعلني أربط بين سفر آخر في بعض ما جاء فيه، وهو سفر (الفقه الحقوق)، والذي لا يقل مكانة وقوة من سفر (الفقه الاقتصاد)، بل إن رأيي أنه يكمله، ويرسخ المبادئ التي جاءت فيه.

إن ربط المفهوم الاقتصادي بمفاهيم العدالة الاجتماعية والحقوق الإنسانية جعل قيمة المنظور الاقتصادي أعلى من وضع تصور اقتصادي بحت ليس له امتدادات أفقية ورأسية، وبالتالي يكون منبتاً عن جذوره، أو ليس له جذور على الإطلاق، وبالتالي هذا ما فطن إليه المؤلف محمد الشيرازي في تأدية الدور الفكري أولاً، ثم العملي ثانياً، وحول المفاهيم إلى أدوات والأدوات إلى وقائع، والوقائع إلى آليات عمل محددة، هذه التصورات يحتاج إليها المجتمع بشكل لافت في ما هو قادم عليه، أمام واقع إنساني أليم، استبدّ التجار بأفراده والمحتكرون بغلاله حتى أصبحنا نتقدم إلى البداوة بعد أن كنا نفرّ منها.

الاقتصاد والمجتمع

لسيدنا الإمام علي رضي الله عنه مقولة اقتصادية يمكن اعتبارها أساساً قوياً من أسس الحياة الاقتصادية للمجتمع بشكل عام: " ما اغتنى عني إلاّ بفقر فقير، وما افتقر فقير إلا بغنى غني "[1] والمقولة تختصر الحياة الاقتصادية للأمم، والتي لا يمكن أن تقوم إلا على أساس أخلاقي صرف، وهذا ما قصدته في عنوان هذا المبحث والذي يهتم بأسس الاقتصاد الإسلامي، الذي به ينهض الفرد والمجتمع في آن واحد، لأن النشاط الإنساني يمكن أن نقسمه إلى عدد من النشاطات المجتمعية:

- النشاط الاجتماعي.

- النشاط الفكري.

- النشاط الاقتصادي.

- النشاط العلمي.

- النشاط المختلط.

هذا التقسيم لا يمكن تحديد بداية الهرم فيه، ولا نهايته، ولأنه نشاط يرتبط ببعضه البعض ارتباطاً قوياً مما يجعل الفصل بين أوجهه صعباً للغاية، كذلك لا يمكن اعتبار النشاط الاقتصادي هو الأساس، كما لا يمكن اعتبار النشاط العلمي، أو الفكري، أو الاجتماعي، أو حتى النشاط المختلط، ولكن يمكن القول أن الأساس الحقيقي لهذه الأنشطة هو النشاط الاقتصادي، لأن بدونه تتعطل بقية الأنشطة الأخرى المكملة له، ولذلك سوف أسميه في هذا البحث "النشاط المؤسس" وهذا يرتبط بمقولة الإمام علي في البداية، هذا إذا اعتبرنا أن الغنى في هذه المقولة التراثية هو الغنى المادي، وأن الفقر هو الفقر المادي، ولكن يمكن اعتبار أن الفقر والغنى الماديين جزء لا يتجزأ من الغنى والفقر الفكريين، والاجتماعيين، والإنسانيين بشكل عام.

إن الحقيقة التي لا يمكن البعد عنها هي أن النشاط الاقتصادي، والذي يرتبط بطعام الإنسان وشرابه وسكنه ولبسه نشاط فطري بطبيعة الحال، وأقصد بفطريته، أن الإنسان مخلوق اقتصادي يسعى في أول لحظة من وجوده إلى البحث عن الطعام والشراب والثياب، تنظيم هذا النشاط دليل قوي على تحضر الإنسان المعاصر، أو بداوته بعيداً عن التفرقة بين المذاهب الاقتصادية المختلفة التي عرفتها البشرية.

من هذا المنطلق يمكن النظر إلى السفر الكبير الذي عنونه السيد محمد الشيرازي بـ (الفقه الاقتصاد) وهذا بدوره له دلالة حقيقية على عدد من الأفكار التي تشكل مفهوم الإنسان المعاصر على النحو التالي:

- أن الكون المادي لحياة الانسان جزء لا يتجزأ من فهمه للدين والواقع وروح الإنسان.

- أن الاقتصاد قوة مادية لابد من تنظيمها حتى لا يتم التأسيس لفكرة الفساد.

- الاقتصاد هو المؤسس الحقيقي لحياة الإنسان المعاصر.

- الاقتصاد يرتبط ارتباطاً قوياً بمفهوم الرزق عند الإنسان، وعلاقة هذا المفهوم بالقضاء والقدر.

لذلك يبدأ السيد محمد الشيرازي بالتأكيد على فكرة أن الحياة الاقتصادية ضرورة ملحّة من ضرورات الوجود الإنساني وفيها يجب أن يكون سعي الفرد على الرزق يرتبط أولاً بعدد من المفاهيم:

- الأساس الأخلاقي لهذا السعي.

- المفهوم القدري للرزق سلباً وإيجاباً.

- تحرير مفهوم الرزق وتنظيمه جزء من تحضر الإنسان.

فالرجل يسعى في هذا السفر لفكرة أساسية هي تحرير الفكرة الاقتصادية من مفهوم القدرية التي يعتمد عليها الإنسان من قديم الأزل، وحتى لا يتخطى الإنسان ذلك إلى ما يُسمّى في الشريعة الإسلامية بالتواكل، فالقوة الاقتصادية في أساسها الأخلاقي إرادة حقيقية لوجود الإنسان وإرادة واعية لربط هذا الوجود بالأساس الأخلاقي، لأن نزع الأساس الأخلاقي يجرنا إلى فوضى العملية الاقتصادية برمتها، إذ قبل وجود الشكل التنظيمي للحياة الاقتصادية كان الناس كلهم سواسية في عملية السعي الحقيقي لِتعمير الأرض، وهذا هو المفهوم الأولي للعملية الاقتصادية، والتعمير هنا ناتج عن حركة الإنسان بشكل ضروري لتغيير الشكل الطبيعي لوجوده المادي، وقديماً استطاع الإنسان توفير الحد الأدنى بأسلوب عادل بما يسد رمقه، أما بعد تعقّد الحياة الإنسانية فكان يجب تنظيم الحياة الاقتصادية على أساس أخلاقي، والذي حوّل الفكرة من عدليتها إلى الشكل الاستبدادي هو الزيادة التي أشار إليها السيد الشيرازي في بداية هذا السّفر، إذ يقول: "واما الإسراف فهو يطلق على الزيادة عن القدر المحتاج إليه، وعلى الإتلاف فيما لا يحتاج أصله، ويطلق على هذا التبذير إذا قوبل بالإسراف، فهما كالفقير والمسكين في الإصطلاح الفقهي، وكالظرف والجار والمجرود في الاصطلاح الأدبي، إذا اجتمعا افترقا، ولذا أطلق أحدهما أريد به كلاهما، فالإسراف أن تأكل خبزاً وربما فيما تحتاج إلى الخبز الواحد، والتبذير أن تأكل خبزاً وتطرح في النفايات ربع الخبز، إلى غير ذلك من الأمثلة.

والمسلمون بصورة خاصة سابقاً كانوا يعدّون كل ذلك محرماً، ففي القرآن الحكيم (فخرج على قومه في زينته) وكان من المحرم في الحج المفاخرة، وفي آية أخرى (إن الله لا يحب المسرفين) و(إسرافاً وبدارا)، (ولا تبذر تبذيرا)، (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)، وفي حديث، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قطعة من الخبز ساقطة على الأرض في بيت عائشة: أكرمي جوار نعم الله، فإنها إذا نفرت لن ترجع".

فكرة الاقتصاد الإسلامي

بأسلوب ميسّر لا لبس فيه يمكن الدخول إلى فكرة الاقتصاد الإسلامي الذي يعتقد الكثير من الاقتصاديين، والمشتغلين بالعملية الاقتصادية أنه يرتبط بشكل مباشر بالفقه والشرع الإسلاميين، والنصوص التي تحدد تطبيق العلاقة بين ثلاثة أقطاب رئيسية:

- الأول: المنتج.

- الثاني: المستهلك.

- الثالث: الحركة المادية – أو المادة محل التداول.

وإنما فكرة الاقتصاد الإسلامي ترتبط أولاً وأخيراً بمفهوم الاقتصاد الذي يرتكن على الأساس الأخلاقي، وبالتالي يمكن نفي كل ما يرتبط بعملية الاستغلال، أو الاستبداد، أو الفساد المالي الذي يرتبط بفوضى عملية الاقتصاد الذي يقوم على آليات السوق، وربما تكون هذه التسمية" اقتصاد السوق " هي الكذبة الكبرى الذي يعتمد عليها المستبد في عملية الاستغلال، لأنه يقوم من وجهة النظر الاقتصادية على عدد من الأسس الاقتصادية.

- فكرة العرض والطلب.

- فكرة الاحتكار.

- فكرة التسويق.

وهي مفاهيم حديثة ابتكرها المستغلون لمزيد من تركيز الثروة في أيدي قليل من الأفراد في مقابل الجموع التي تسعى لكسب لقمة عيشها على الأساس الأخلاقي الذي أشرنا إليه.

عبقرية هذا الطرح الاقتصادي تكمن في محاولة توسيع المفهوم في مسألة فكرة تطبيق الاقتصاد الإسلامي أو كما يسميه ويدعو إلى النظر في تطبيق الفكرة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بالعصور المختلفة، وحتى العصر الحديث، وهنا يعرّج محمد الشيرازي على المذاهب المختلفة التي يطبقها النظام العالمي ويسعى بها لتكديس الثروات بعيداً عن التوزيع العادل الذي يسعى إليه الفرد.

يقول محمد الشيرازي:

" وهل يمكن تطبيق الاقتصاد الإسلامي في هذا الجو الذي لا يملك الإنسان نفسه؟.. فمثلاً الدولة الإسلامية لها مليون موظف رواتبهم كل عام ألف مليون، وكانت الدولة لا تملك ألف مليون، ثم تدخل البنك العالمي فجعل قيمة ألف مليون على النصف، فإن معنى ذلك أن الدولة عجزت عن إدارة نصف الموظفين، وبذلك يصيب الدولة الشلل التام".[2]

وحينئذ لا يتحطم الاقتصاد فحسب، بل تتحطم الدولة بكاملها، لتأخذ مكانها دولة موالية للغرب والشرق، تدور في فلكها، وتخضع لأوامرها في كل شيء.

الثانية: إن السياسة تابعة للاقتصاد لأن المال يأتي بالساسة، ويحفظ للساسة مقامهم ويذهب بالساسة، ويتضح ذلك بذكر مثالين من الشرق والغرب، أما في الغرب، فمن المعلوم أن الرأسمالية بأيديهم، الصحف، والإذاعات، والتلفزيونات، والسينماوات، والنوادي، والأحزاب، ولذلك ان شاءوا أن يصعدوا إنساناً منصة الحكم أصعدوه، وإن شاءوا أن ينزلوا إنساناً أنزلوه، فإن الدعاية، وبذلك المال كافيان في ترفيع إنسان وفي تخفيض إنسان، والمعارض وإن كان له بعض الحرية في المعارضة، إلاّ أن صوته لا يصل إلى مكان، ولو فرض أن المعارض يملك صحيفة فهل صحيفة واحدة تقدر أن تقاوم ألف صحيفة؟.. وقد قرأت في تقرير، أن في أمريكا عشرة آلاف مجلة، وزهاء ألف جريدة، وما يقارب من ستة آلاف وخمسمائة دار إذاعة، وفي اليابان خمسة آلاف محطة تلفزيون، إلى غير ذلك.

وأما في الشرق فالسياسة خاضعة لرأسمالية الدولة، ولذا فإن الحزب الشيوعي هناك كل شيء، وغيره ليس له أي شيء، حتى الصوت، فإذا تكلم المعارض كان مصيره السجن والتعذيب وهذا يعني أن الرأسماليين الذين بيدهم الدولة هم الذين يقررون مصير السياسة ومسيرها فمن شاءوا رفعوه بالمال والدعاية، ومن شاءوا وضعوه"[3]

وهنا لا يلجأ محمد الشيرازي إلى مجرد طرح الفكرة بل يدعمها بعدد من آليات البحث:

- الأمثلة العملية الدالة على الفكرة والصورة.

- الشرع المفسر والمؤول أحياناً للأفكار ذات التوجه العام.

- تحويل الفكرة بما يجعلها منسجمة مع بقية الأفكار.

- التناغم بين الأفكار أحد أهم الروافد المنهجية للكتاب.

المذهب الرأسمالي

نشأ المذهب الرأسمالي نتيجة فائض القيمة الناتج عن المشروعات العملاقة، التي آلت معظمها إلى أيدي قلة من أصحاب رؤوس الأموال، بدأ ذلك بعدد من الأفراد، ثم انتقلت إلى الشركات التي حلت اعتبارياً مكان الأفراد في تركيز السلطة، وقامت بدور كبير في احتكار السلع بعيداً عن القوانين الدولية التي تنظم التجارة العالمية، والمذهب الرأسمالي، وإن كان يتمتع بعدد من السمات التي تجعل منه مدخلاً للتحضر مثل:

- خلق فرص عمل جديدة.

- زيادة دخول الأفراد.

- عمل مشروعات عملاقة.

- تكوين رؤوس أموال لتحويلها إلى رفاهية الشعوب.

إلا أن ذلك لا يمكن أن يجعلنا متغافلين عن عدد من المفاهيم التي ترتبط بوجود الرأسمالية العالمية، وهي مفاهيم تعلي من مصالح الأفراد، وتجعل تركيز الثروات جزء من العملية السياسية التي يستغلها الأفراد في السيطرة على الدول، كما أشار محمد الشيرازي في أكثر من موضع وهو يتحدث عن الرأسمالية، كمدخل لعملية الاستبداد، استبداد الشركات، والأفراد، وغير ذلك من المفاهيم المرتبطة بالفكرة والتي يمكن تلخيصها كالتالي:

- إن الرأسمالية مرتبطة بالاحتكار.

- إنها تشتغل تستغل تكدس الثروات في أيدي الأفراد وتحولها إلى تجارة غير مشروعة.

- أنها تستغل حاجة الأفراد وتفرض سيطرتها الفكرية والسياسية عليهم.

- أنها جزء من نظام عالمي جديد يسيطر على الشعوب الفقيرة.

- كذلك ترتبط الرأسمالية بالاستغلال البشري في كل أشكاله:

- تجارة المخدرات.

- الاتجار بالبشر.

- جذب السياسيين.

- السيطرة على العقول والأفكار.

ويتفرع محمد الشيرازي في شرح المسألة الاقتصادية المرتبطة بالرأسمالية توسعاً كبيراً، ويعرج في كثير من المواضع على الأفكار المختلفة، والأمثلة الكثيرة المتنوعة التي يعتمد عليها في توضح المفهوم، كما يربط ذلك بالواقع الحالي وما يمكن أن يؤديه هذا الواقع للإنسان المعاصر، كما يورد فصولاً في شرح فكرة التجارة، فإنها عملية يعتمد عليها الكثير من البشر ويورد الآراء المختلفة على ذلك، ولكن ما يهمنا هنا ليس التتبع التاريخي، ولا التوسع في شرح المفاهيم المرتبطة بالأمثلة العملية، بقدر ما يهمنا المفهوم نفسه، ويتبع ذلك بفصول تمجد فكرة العمل الإنساني، والبعد عن التكاسل، وربط تحضر الإنسان بالرزق الحلال، ولا شك أن أزمة الرأسمالية بين الإصلاح الاجتماعي، والثورة عليها بالاشتراكية تمثل مزلقاً خطيراً في النظم الحديثة، وتحتاج إلى تكاتف دولي إزاء مخاطر التحولات الاقتصادية.[4]

المذهب الاشتراكي

وهو المذهب الذي يقف في مقابل المذهب الرأسمالي، ويعتمد على التوزيع العادل للثروة من الناحية الظاهرية على الأقل، ويقوم في أساسه على اشتراك الناس في توزيع فائض القيمة والتي كانت تمارس في المذهب الرأسمالي بشكل يجعل من تكدّس هذا الفائض في أيدي الأفراد والشركات العملاقة التي تتحكم بشكل أو بآخر في المكتسبات الهائلة الناتجة عن هذه المشروعات.. ويستخدم محمد الشيرازي فكرة السؤال والجواب لتحويل الأفكار والمفاهيم إلى شروح تعج بالكثير من الأمثلة المختلفة، وإن كانت الإشارة إلى المذهب الاشتراكي في الكتاب جاء على شكلين:

الأول: التضمين الفكري.

الثاني: الأسلوب المباشر.

معنى التضمين الفكري أن محمد الشيرازي فصّل في مسألة "سوء التوزيع" الذي يجلب الفساد في كل مناحي الحياة، وهو يقصد هنا " الثروة" بشكل عام، و"فائض القيمة" بشكل خاص، وهو المفهوم الرئيسي التي يعتمد عليه مؤسس المذهب "كارل ماركس"، إذ يقول:

" وعلى هذا فسوء التوزيع زاد في المشكلة "وهي عدم الاستخراج لبعض الثروة"، وقد تقدّم أن ثلاثة فقط من المائة من الأراضي القابلة للزراعة في كل البلاد الإسلامية العربية هي المزروعة، بينما كان بالإمكان زراعة كل الأراضي، كما رأت في تقرير آخر أنه لو وزعت أرض مصر، وبحرها بما يكثر من الأسماك لكفت مائة مليون إنسانه يعيشون في رفاه.

أما المشكلة الثالثة فهي التخريب، فإن قسماً كبيراً من الثروة تصرف في التخريب مثل صنع الأسلحة، والإسراف، والتبذير، والتجمّل الفارغ، والمباهاة، وما إلى ذلك، وقد أكّد الإسلام على العمل واستخدام ما سخره الله للإنسان من كنوز الكون، (ولله خزائن الأرض).[5]

- كما أكّد على عدم كون المال دولة بين الأغنياء.

- وهكذا أكّد على أنه " لا ضرر ولا ضرار " وقد بيّن أن أوّل ما يُسأل العبد يوم القيامة عن ماله مما اكتسبه، وفيم أنفقه؟. إلى غير ذلك من النصوص المتواترة التي تمنع من سوء التوزيع، والتخريب، ويحث على العمل والاستخراج.

فإذا كان مقتضى التوصية أن يكون البشر سواء أمام الإله الواحد، إذ لا شرك حتى يكون بشر تابع لإله أعظم من بشر تابع لإله أصغر، وكان تشريع ذلك الإله: أن لا ظلم ولا إسراف ولا تخريب ولا ركود، كان اللازم أن تستخرج كل كنوز الأرض، وتوزع توزيعاً عادلاً، وإمامة الأمة ليست إلا مجعولة لأجل أهداف روحية وجسمية منها حفظ العدل بين الناس في الأمور الاقتصادية، والتحريض لهم على استخراج ما جعله الله ".[6]

وهذا يدل على أن فهم محمد الشيرازي للمذهب الاشتراكي يتعدى مجرد الرصد والوصف، وإنما يدلف إلى جوهر المذهب مقارناً بينه وبين الاقتصاد الإسلامي على نحو مهم.

- المذهب الاشتراكي وإن كان ظاهره عدالة اجتماعية إلى أنه يفتقد لروح التطبيق العملي.

- يمكن أن يكون وسيلة لنوع جديد من الاستبداد.

- يربط الاقتصاد ربطاً جذرياً بالسياسة.

- يغفل المشاعر الإنسانية.

- يحول الإنسان إلى كونه مجرد ترس في آلة.

- يتبع قوانين لا يمكن تطبيقها في المجتمعات الإسلامية.

- وأشار أنه يمكن الاستفادة منه على نحو خاص، ونجد الكثير من الدلالات التي توصي بذلك، ومنها:

- إن التطبيق في كل المذهب هو مناط العمل.

- أن روح المذاهب يمكن أن تلتقي كلها في فكر إنساني واحد.

- يمكن الاستفادة من بعض ميزات المذهب الاشتراكي في الاقتصاد الإسلامي، مثل:

- الخط العام في العدالة الاجتماعية.

- تمكين الفقراء من تحويلات جذرية في حيواتهم.

- تشكيل قوة شعبية متساوية.

- جذب قوة عمل إضافية.

وهكذا استطاع المؤلف أن يتعرف على أساسيات المذهب، وأن يحيط بدقائقه، مقارنة بما يمكن الاستفادة منه في قوة الاقتصاد الإسلامي، ودفع عجلة التقدم الإنساني، في أهم ما يمكن أن يُميز المذاهب الاشتراكية والرأسمالية واقتصاد السوق، في ربط العلم بالعمل بالقوة الخارقة التي يمكن أن تكون جزءاً من قوة الدولة والشعب في آن واحد.

وكذلك جاء التضمين في كثير من النصوص التي تشير إلى الفكرة الاشتراكية وهي فكرة الملكية في الفقه الإسلامي، بداية من الملكية المنسوبة لله جلّ وعلا، ص 118، وحتى الملكية الخاصة التي يحرم المذهب الإفراط فيها، وهذا هو الخلاف البيّن في الاقتصاد الإسلامي بينه وبين الاشتراكية حيث لا يمنع الإسلام من التملك وحدد الطرق الثلاثة المعروقة:

- الإرث.

- الشراء والبيع.

- الهبة.

وكلها محكومة بالأساس الأخلاقي الذي يعتمد عليه مفهوم الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى كثير من الحالات التي أنتجها الاقتصاد الإسلامي التي ساعدت في نمو حركة الحياة وتقدّم الإنسان، في المقابل الحالات التي أنتجها المذهب الاشتراكي في البلدان التي اعتمدت عليه، وبالأخص إذا كان يعتمد على تطبيق المنهج مجموعة من الأفراد الذين تتركز الثروة أو القرارات في أيديهم، وبالتالي يمكن أن يمارسوا نوعاً من الديكتاتورية الاقتصادية، والفساد، والاحتكار الخفي، وجعل الدولة سلطة مطلقة من تطبيق المنهج الذي أخفق في الكثير من التطبيقات الدولية التي اعتمدت عليها.

وعلى ذلك يمكن أن يتساءل البعض عن التشابه بين مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وبين هذه المذاهب كالرأسمالية والاشتراكية، لنأتي إلى آلية يطبقها المجتمع الإسلامي، ولكن بأساليب غير علمية تذهب فائدتها بعيداً عن المنفعة العامة، ولكنها تؤدي في كثير من المجتمعات إلى منافع شخصية ترتبط بالأفراد أكثر من ارتباطها بالمجتمع.

فالزكاة تقوم على مبدأ العدالة في توزيع الثروة بين أفراد المجتمع، ولكنها لا تخضع لأية قوانين صارمة يمكن التحكم فيها، وبالتالي لا يمكن قياس الأُثر المادي الناتج عنها، أما الاشتراكية فتتبع أساليب محددة لذلك، ولكنها لا تراعي الجانب النفسي عند الأفراد كما تفعل الزكاة، كذلك فإن الرأسماليين يعتبرون الزكاة تفضلاً من الغني على الفقير، في حين أنها تحفظ لهؤلاء الفقراء كرامتهم – كما تدعي – بتوفير فرص عمل عادلة ومجزية، ولكن الرأسمالية شأنها شأن الاشتراكية أنتجت أزمات كثيرة جعلت من تطبيقها بشكل صارم ضربا من المستحيل وهذا ما طور الفكرة بعد ذلك، في المذهبين إلى فكرة "اقتصاد السوق".

أما الشكل الثاني الذي عرج المؤلف محمد الشيرازي فيه على المذهب فكان الشكل الصريح الذي أشار فيه بأسلوب مقارن بجوهر هذه المذاهب مقابل المفهوم الذي تباناه منذ البداية عن الاقتصاد الإسلامي، كما جاء في ص 140.

يقول المؤلف محمد الشيرازي:

" لقد أحدث الإفراط في الرأسمالية في مقابله الذي هو الشيوعية، وقد ظهرت الشيوعية أول ما ظهرت في فسفة " أبي قور " قبل ميلاد المسيح عليه السلام بما يقارب ثلاثة قرون، (على ما ذكره البعض)، ثم اختفت إلى أن ظهرت في إيران أيام مزدك وقباذ الملك ثم اختفت إلى أن ظهرت أيام صاحب الزنج والقرامطة على المشهور، ثم ظهرت في هذا القرن على يد ماركس وأنجلز، ومن المهم أن وقعت بيد الشيوعيين هذه المرة الدولة، وتبعهم الكثير حتى من بعض من ظاهرهم الإسلام.

وقد استند المسلمون (ظاهراً) منهم بآيات من القرآن الحكيم، وبالسنة المطهرة، كما استدلوا تبعاً لغير المسلمين بأدلة عقيلة أيضاً، والمحور للشيوعية هي قصة الاقتصاد والملكية، وماركس وإن لم يمنع الملكية مطلقاً، بل أجاز في كتبه أن يملك الإنسان بقدر عمله بشروط خاصة، إلا أن المعروف لدى جملة منهم منع الملكية بصورة مطلقة، فقد اختلف الناس في أصل الملكية حتى للحيوان والنبات والجماد "[7]

وهنا نجد مجموعة من الأفكار المتناغمة التي اعتمد عليها المؤلف محمد الشيرازي، نوردها بترتيبها من كتابه (الفقه الاقتصاد)، ص 192، 195.

اقتصاد السوق

عبقرية هذا الكتاب تكمن في أنه أحاط بشكل لافت بأدوات الاقتصاد المعاصر وأساليبه، والآليات التي اعتمد عليها حتى في المفاهيم الحديثة التي لم تكن قد نضجت بعد وقت كتابة هذا الكتاب، فقد أظهر مفهوم الاقتصاد الإسلامي، وعلاقته بالمذهب الرأسمالي والشيوعي والاشتراكي، ولكنه لم يذكر صراحة مفهوم اقتصاد السوق، ولكنه عبّر عنه وأظهر أدواته في كثير من الفصول التي أراد بها أن يكمل دائرة البحث في المفاهيم الاقتصادية التي أحاط بها، وقارن بينها، وبين المفاهيم الإسلامية، وتتبعها في نظريتها وفي تطبيقاتها عبر التاريخ الإسلامي، بداية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومروراً بالدول الإسلامية في كثير من البلدان، وعرّج أيضاً على المذاهب الإسلامية وهو يتحدث عن أهمية الاقتصاد في قيام المجتمعات الحديثة.

إن فكرة اقتصاد السوق تقوم في جوهرها على عملية العرض والطلب مستخدمة أساليب احتكارية للسلعة من ناحية، وتكديس رؤوس الأموال من ناحية أخرى، وترك العنان للتجار والشركات في تحديد الأسعار وتعطيش السوق أو إغراقه للتحكم في السلعة، وباسلوب بسيط يمكن تلخيص المفهوم في كلمتين "فن التحكم في السلعة"، وقد قامت اقتصاديات دولية كبيرة في التأسيس لهذا المفهوم، ومنها الولايات المتحدة الأمريكية، واقتصاديات الغرب الأوروبي، ومن المفاهيم التي استخدمها المؤلف محمد الشيرازي في التعبير عن مفهوم "اقتصاد السوق" دون الإشارة المباشرة:

- الحديث عن الموارد الطبيعية للدولة.

- الحديث عن المواد الأولية المملوكة للدولة والأفراد.

- البنوك الرأسمالية التي تتحكم في الاقتصاد.

- العرض والطلب محور الارتفاع والانخفاض.

- النقد والدعم.

- التضخم وأسبابه.

- غلاء الأسعار.

ربط كل هذه المفاهيم بأدوات الفساد والاستبداد المالي الذي يقع على الدولة من الدول الاستعمارية الكبرى التي عجزت عن تقديم الحلول الممكنة للاقتصاديات الصغيرة، وللسيطرة على الأسواق العالمية من أجل التحكم في الموارد الطبيعية من جهة، واستغلال الناتج المحلي لصالحها، بالإضافة إلى ترويج سلعها بمعنى أنها تجعل من اقتصاديات الدول الفقيرة اقتصاديات مستهلكة، وتحتكر أدوات الإنتاج الذي يعمل على ربط المصالح الكبرى لهذه الدول الاستعمارية بالأفكار القديمة التي كانت تستغل الشعوب بسببها.

يقول المؤلف محمد الشيرازي في الجزء الثاني من الكتاب ص 241، معبراً عن أساليب الإفقار التي تتخذها هذه المذاهب لتوسيع الفجوة بين المنتج والمستهلك من ناحية، والتحكم الخفي في عملية العرض والطلب، مما يجعل ربط هذه الدول بالمؤسسات الكبرى مثل "صندوق النقد الدولي"، وهو يخدم بالطبع المصالح المختلفة للدول المنتجة وأصحاب رؤوس الأموال في الدول الفقيرة:

من أول ص 241 - إلى نهاية ص 245 – الجزء الثاني.

وهذه مجموعة من الأسس التي اعتمد عليها في وضع أساس التصور الفكري والعلمي للمنظومة الاقتصادية:

أولاً: أسباب ارتفاع الأسعار حسب قيم العرض والطلب.

ثانياً: تركز الأموال في أيدي الأثرياء يزيد من قيمة الاحتكار.

ثالثاً: فهم قيم المراوحة بين العرض والطلب.

رابعاً: منع الاحتكار بغية رفع الأسعار.

خامساً: تطوير منظومة علمية لاكتشاف الأسواق.

سادساً: التعبئة العامة التي تضمن حرية الأسواق.

سابعاً: مراقبة الأسواق تستلزم تدخل الدولة.

ثامناً: عمل خطة موضوعية لتطوير منظومة الأداء في مسألة العرض والطلب.

تاسعاً: تحقيق التكامل بين أفراد العملية الاقتصادية.

عاشراً: وضع المؤلف محمد الشيرازي أمثلة من دول الرأسمالية مثل الولايات المتحدة ودول نامية مثل مصر، فيتنام، الدول العربية.

أحد عشر: أن تكون هذه المنظومة بعيداً عن الأحزاب.

اثنى عشر: أن يقدم المشروع توضيحاً كاملاً للأفكار التي يطرحها متضامناً مع بقية المستفيدين.

يقول المؤلف محمد الشيرازي:

"إن الأثرياء الكبار قد يخفضون القيمة لأجل كسر أسواق باعة المفرد أو التجار الصغار، وذلك بتحملهم أضراراً في المواد الأولية، أو في البضائع أو في الخدمات، فإذا أخرجوا الرقباء من السوق رفعوا القيمة لتدارك ما يضربها وبهذه الوسيلة يأخذون بأزمة الأسواق، مثلاً: في البد مائة كاسب مفرد يعيشون على بيع المروحة كل مروحة بعشرة دنانير وهي أقل من قيمة تكاليف المروحة التي هي سبعة دنانير، مثلاً فيكسر سوق هؤلاء الباعة الصغار ويرون أنفسهم مجبورين على ترك بيع المراوح وتبديل دكاكينهم إلى بيع الكماليات مثلاً، فإذا أخرج التاجر الكبير هؤلاء عن الرقابة استبد بالسوق وجعل قيمة المراوح أثنى عشر ديناراً، بذلك يسترجع أضراره بعد مدة، وهذا العمل من هذا التاجر الكبير محرم شرعاً، لأنه إضرار، بدليل (لا ضرر ولا ضرار)، ودليل (لا ضرر) مقدم على دليل (الناس مسلطون) فعلى الدول الإسلامية أن تقف دون مثل هذا اللعب بالسوق.

وحيث قد تقدم أن كثرة العرض توجب تنزل القيمة، كما أن كثرة الطلب توجب ارتفاع القيمة فلابد وأن يقنع التجار سواء كانوا تجاراً في دولة واحدة، أو في دول متعددة، كأمريكا وروسيا، إذا الحزب في روسيا يقوم بدور التجار تنافس في أمرين:

الأول: في شراء المواد الأولية كالنفط والحديد وما أشبه، حيث أن كل تاجر يريد اشتراء المواد بثمن رخيص، فإذا كان هناك تاجر آخر كثر الطلب، وبكثرة الطلب ترتفع قيمة المواد الخام، وذلك مالا يرضاه لا التجار في دولة واحدة، ولا التجار في دول متعددة، ولذا يقع التنافس وأحياناً ينتهي إلى الحروب، وهذا هو أحد سببي الإستعمار، مثلاً: إن إنكلترا تصنع الانقلاب في العراق ضد أمريكا حتى يستبد بأسواق المواد الخام للعراق، فيشتري التمر والنفط وما أشبه بقيمة رخيصة، وأمريكا تحاول أن تصنع نفس الشيء، ولذا نرى كل يوم انقلاباً في أمثال هذه البلاد.

الثاني: في فتح السوق للبضائع المصنوعة والمواد المصدرة فإن مصر مثلاً لو كانت مستعمرة لروسيا صارت سوقاً لروسيا، ولو تسمح لأمريكا ببيع اللحم واللبن والطائرة والسيارة لها، بينما إذا جاء انقلاب وصارت مستعمرة أمريكية انعكس الأمر، بينما إذا كانت الدولة المتخلفة حياداً بين الدولتين باعت مواردها الأولية بالقيمة العادلة لمن يشتريها، كما أنها اشترت المصنوعات وما أشبه بالقيمة العادلة لمن يبيعها، وهذا ما لا يرضاه الدول الاستعمارية، سواء الشرقية منها كروسيا، أو الغربية كأمريكا.

ومن أجل ذلك تحارب أمريكا في فيتنام، وروسيا في أفغانستان، وترى كل واحد منهما ترى الأحزاب السرية، والعلنية في البلاد المتخلفة، وذلك لأجل أن تفتح تلك الأحزاب لهم أسواقاً للبيع والاشتراء بيع بضائع الدول الاستعمارية أو شراء الدول الاستعمارية المواد الخام من تلك البلاد ذات الأحزاب المربوطة، وأمامي الآن (حيث أكتب هذا البحث) كتاب في الاقتصاد ألفه أحد أفراد حزب مرتبط بروسيا يسب فيه أمريكا والدول الأوروبية واليابان، بدون أن يأتي ولو بنقد عابر لروسيا بدون أن يأتي ولو بنقد عابر لأمريكا، وهل هذا الدليل على الارتباط مهما أظهر ذلك الحزب نفسه بمظاهر المحايد؟.

ومن أقوى أدلة ارتباط الحزب نقده لجهة واحدة (لا نقداً لفظياً وإذاعياً فقط، بل نقداً للأسس والخلفيات)، إن كل بلد استعماري يسعى، لأن ينظم العرض والطلب في العالم الذي يستوي عليه بأي نحو من الاستيلاء، بحيث يكون ذلك في ربحه، بأن يتمكن من اشتراء أكبر قدر من إعداد المواد الخام بأقل ما يمكن من القيمة، ومن يبيع أكبر قدر من المواد بأكبر قدر ممكن من القيمة، ولذا فإذا رأينا أن البلد الفلاني الاستعماري أعطى الطائرات أو المواد الاستهلاكية إلى بلد كذا في آسيا أو في أفريقيا، يلزم أن تعرف السبب الكامن وراءه، حتى وإن كان العطاء في صورة التبرع، فإن وراء التبرع المزيدة من النهب والسلب.

هذا نموذج واحد أردت ذكره مفصلاً عن المؤلف محمد الشيرازي حتى نقف على طريقة فهمه للاقتصاد العالمي، وأهمية وأساليب النهوض بالمجتمعات، حتى يمكن الوقوف على منهج المؤلف محمد الشيرازي من هذا الفهم، والذي اعتمد فيه على عدد من أدوات البحث والاستقصاء ومنها:

الأول- لجأ المؤلف إلى "فكرة تحليل المحتوى"، وهي من أسس المنهج العلمي في التفكير، وربط ذلك بالواقع والأمثلة المادية.

الثاني- الرؤية الاستقصائية عند المؤلف، والتي ظهرت في تناوله التاريخي للمفهوم.

الثالث- استبطان المفاهيم والواقع.

الرابع- تحديد الأدوات تحديداً منهجياً.

الخامس- الاعتماد على فكرة التمثيل بالواقع فكرة علمية.

السادس- ربط النماذج التاريخية للمفهوم بالعصر الحديث من جهة التطبيق.

السابع- خلط المفاهيم النظرية بالمفاهيم التطبيقية.

الثامن- الاعتماد على الثقافة العلمية والأدبية الموسعة.

التاسع- الفكرة عند المؤلف تمثل بناء واحداً شكّل فيه أدوات الوعي بأدوات الربط بأدوات الاستنتاج في آن واحد.

العاشر- الاختيارات التطبيقية جاءت ممثلة للدلالات النظرية تمثلاً صادقاً.

من هذا المنطلق استطاع المؤلف أن يرصد بأمانة الباحث وقدرة المثقف المتغيرات الفكرية والدينية للمفاهيم الاقتصادية، والأثر المتبادل بينهما، وتتبع بأسلوب علمي المفاهيم القديمة والحديثة، واستبق في الكثير من المواقف المصطلحات الحديثة التي تعبّر عن المنطق الاقتصادي بشكل مباشر أحياناً، وبشكل تضميني في أحايين أخرى، وهذا يدل على أن المؤلف محمد الشيرازي كان ينطلق من ثقافة موسوعية ربطها بمتطلبات العصر، والفكرة الممثلة له في آن واحد.

القوة الاقتصادية

في نهاية القرن العشرين طالب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "بيل كلينتون" ضرورة زيادة الانفاق العسكري بعد أن تراجع قبل ذلك بخمسة عشر عاماً، بل والأقسى من ذلك طالب بتحويل الشركات إلى شركات عسكرية، وتحويل الجيش إلى شركة منتجة، وبالتالي: ازدادت قوة الشركات الأمريكية بعد أن قدم لها البنتاجون عقوداً ضخمة،[8]

بهذا الإدراك عملت الولايات المتحدة على تعزيز قوة الاقتصاد لديها بقوة الجيش، وهذا ما أخذته معظم الدول الغربية الساعية إلى تفتت القوى الاقتصادية المعادية في مواجهة قوتها المتنامية، وبالتالي فإن قوة الاقتصاد داعم أساسي لبقية المجالات المختلفة التي يمكن أن تكون عماداً للدولة الحديثة، وقد اتخذت هذه الدول مجموعة من الإجراءات التي تسعى من خلالها لمساعدة المواطن، ورفع التضخم الناتج عن سيطرة بعض الشركات العملاقة على مقدرات الإنتاج، وهو يتساوى مع نظرية الاقتصاد الإسلامي، وهي نظرية اسمها نطرية القوة في العلاقات الاقتصادية وهي تنتج عدداً من الإجراءات التي تكون الدولة فيها داعمة لنوع من الاقتصاد المهيمن في مقابل رفع كفاءة المشروعات الصغيرة.

- المعادلة بين الناتج والمنصرف.

- زيادة الإنتاج، وقلة العملة النقدية.

- الضرائب ذات المدلول الاجتماعي.

- معادلة زيادة الخدمات الحكومية لمواكبة اقتصاد السوق.

- دعم المشروعات الصغيرة دون استغلال.

وهكذا تتحول الدولة بقوتها الاقتصادية إلى أكبر داعم للفرد، حتى تتم موازاة المعادلة من كافة جوانها، وبالتالي تتحول الموازنة المجتمعية ذات المدلول الاقتصادي، وقد ذكر المؤلف محمد الشيرازي أصولاً لموضع رأس المال، وأصولاً للدولة، نذكر بعضها، والجدير بالذكر أن رأس المال والدولة لا يتعارضان في مفهوم الاقتصاد الإسلامي إلاّ مع حصول الاستغلال " ولا يخفى أن ما ذكرناه.... من ص 301، إلى نهاية ص 303 "

كذلك لا بد من النظر إلى وجه آخر للقوة الاقتصادية الناشئة في أي مجتمع متحضر، وهي القوة الثقافية، هذا ان اعتبرناها مفهوما عاما تدخل فيه القوي السياسية والاجتماعية التي يمكن ان ترتبط بشكل مباشر بالقوة الاقتصادية، وفي كتاب * جوست سمايرز * الفنون والآداب تحت ضغط العولمة، والذي ترجمه الأستاذ طلعت الشايب، وصدر عن المجلس الأعلى للثقافة بمصر عام 2005، أن الإنتاج والتوزيع، علي نطاق واسع لا يعني بالضرورة أن السلعة رديئة أو ضارة، رغم أن ذلك لا يجعلنا نستبعد أيضا أن يؤدي الحافز الذي يدفع لغزو الأسواق الكبري إلي عدم الاهتمام بمستوي السلع.

وبرغم أن المؤلف يقصد السلع الثقافية بمعناها الشامل، وهذا يعني أن الذي يملك القوه الاقتصادية هو بالضرورة الذي يملك تكاليف نشر الفكرة، والمذهب، ودفع الرأي العام، والغزو الثقافي والفني، الي غير ذلك مما يمكن أن يؤثر بدوره علي قطاع اقتصادي كبير، وبرغم أن المؤلف لم يشر إلي ذلك صراحة، إلا أنه بطريقه التضمين المعهودة لديه استطاع أن يعطى نماذج من فكرة القوه الاقتصادية، ودفعها لكافة أشكال التطور الاجتماعي حتي أنه يسيطر في النهاية علي كل شيء ومن ذلك.

- أن العالم في خدمة الاقتصاد.

- التأمين عقد اقتصادي مشروع.

- حرية التملك.

- مقومات الاقتصاد السليمة.

وهى أمور تدخل في الاقتصاد، وفي غيره، وبالتالي يتم رفع درجة من درجات حرية الإنسان وهي القيمة الأكبر في تحفيزه علي العمل، وحرية التملك يعدها المؤلف جزء من الاقتصاد السليم وجعل العلم في خدمة الاقتصاد وجزء لا يتجزأ من الفهم الصحيح لهذه القوة التي تعمل علي رفع كفاءة الفرد والمجتمع في [ن واحد.

من هذا المنطلق يمكن أن نرصد عددا من الأقطار المركزية التي ذكرها المؤلف بالطريقتين المنهجيتين في الكتاب، بالتضمين والمباشرة، وهذه الأفكار بدورها بجانب أنها دعائم اقتصادية، فهي دعائم فكرية وثقافية وسياسية يمكن أن تسهم بقدر كبير في دفع عجلة القوة الاقتصادية.

الأولى: قوانين الجزاء والسعي المحفزة لقدرة الإنسان.

الثانية: التوجيه الدائم للقوى المكافئة للقوة الاقتصادية مثل:

- قوة العلم.

- قوة العدل.

- قوة المساواة.

الثالثة: التركيز على الاستثمار في مجالات الحداثة ولتكنولوجيا.

الرابعة: الاعتماد على الأفكار الجديدة في تطبيق النظام الإسلامي.

الخامسة: الرقابة الدائمة التي تنتج الأمان للمستثمر والمستهلك.

السادسة: ربط الأزمات الاقتصادية في العالم الثالث بالأزمات السياسية.

السابعة: التركيز على القضايا الاجتماعية التي تدعم أو تخالف القوة الاقتصادية للدولة.

- النزوح من القرى

- ضياع فرص العمل.

- قلة انتشار المناطق الصناعية.

- الأمية التكنلوجية.

- عدم الوعي بقوة الفرد الاقتصادية.

الثامنة: الدعم الدائم من قبل الدولة للمشروعات الصغيرة.

التاسعة: ربط المفاهيم الإسلامية، بالمفاهيم الحديثة، ويذكرها المؤلف ممثلاً بالحلال والحرام، وأُسمّيها في البحث "الأساس الأخلاقي للاقتصاد"، ومن الجدير بالذكر أن اقتصاد السوق الذي أشار إليه المؤلف محمد الشيرازي ضمناً في الكثير من النصوص ليس له أعراف أخلاقية، وإنما تحكمه المنافع الشخصية، وأحوال الدول والشركات، وهذا ما يفرق بين المذهب الاقتصادي في الإسلام، وبقية المذاهب، وهذا ما ركز عليه المؤلف محمد الشيرازي في سِفره (الفقه الاقتصاد) وهولا يقل أهمية عن كتابه الآخر وهو كتاب (الفقه الحقوق) وهذا ما سوف أعرضه في الصفحات التالية.

الحقوق الفردية بين قوة الاقتصاد والعدالة الاجتماعية

في كتاب "الحقوق" للمؤلف يعرض أفكار اقتصادية من الدرجة الأولى، وجب أن أميز بينها أولاً ثم أحاول ربطها ببقية عناصر القوة الاقتصادية كما حددها المؤلف محمد الشيرازي في كتابه، وهذا من شأنه أن يجعل من كتابات المؤلف "بناءً فكرياً واحداً" يسعى من خلاله إلى ربط الواقع الفكري، والسياسي، والاجتماعي، بالواقع الاقتصادي، ومن أهمية كل جانب من جوانب الحياة الإنسانية المعاصرة، وذلك في محاولة لا صلاح كافة أشكال الحياة، لأن الهدف الأساسي من ذلك هو إظهار القوة الحقيقية لجوهر الدين الإسلامي، في مقابل القوة الحقيقية لجوهر الإنسان، وفطرته، ومن هذه الدلالات المركزية التي ترتبط بالفكرة الاقتصادية:

- العدالة الاجتماعية.

- الحقوق والاقتصاد.

- التكافل الاجتماعي.

- ضمان المصالح الاجتماعية.

هذه العناصر الأربعة برغم أنها تبدو في الظاهر أنها أفكار اجتماعية تتعلق بحق الإنسان في الحياة، ولكنها في الحقيقة قواعد اقتصادية من الدرجة الأولى، لأنها تعمل على مساحة واسعة ومهمة في حياة الفرد، وهي المساحة النفسية والتي تعد أساساً مهماً من أسس قوة الشخصية، في مقابل انعدامها عن الأشخاص الذين يحسون أنهم لا يقدمون شيئاً لأنفسهم أو مجتمعاتهم، وبالتالي فقد حرص المؤلف محمد الشيرازي من بداية السّفر إلى التركيز على مبدأ المُلكية في الإسلام، وهي مبدأ يقوم عليه الاقتصاد التحتي أو غير المرئي، والذي يرتبط بحركة الإنسان، وقدرته على التفاعل الخلاق الذي يؤدي إلى تحويل المجتمع من سكوني ينتظر من يقدم له المساعدة، أو الاحسان ولكنه يقوم بتفعيل حركة نفسه، وتفعيل حركة الآخرين، وسوف نتناول هذه العناصر الأربعة في ظل علاقة الفرد بالحركة الاقتصادية التي تدعم بدرورها حركة المجتمع.

العدالة الاجتماعية قوة دفع اقتصادية

يقول المؤلف:

"السياسة والاقتصاد وجهان لعملة واحدة، فإن الساسة هي الإدارة، والإدارة بدون المال لا يمكن أن تتحقق كما أن المال بدون الإدارة لا يبقى، ونظرة واحدة إلى الدولة كافية في استيعاب هذه الحقيقة".

هذه الإشارات دالة في بداية كتاب (الفقه الاقتصاد)، على أن السياسة وهو لا يقصد بها هنا مجرد طرق الحكم، أو التحكم في مقدرات الدول، وإنما يقصد بها إدارة الدولة، ولذا ذكر بعدها كلمة إدارة، مما يدل على أنه يريد أشياء أعمق من مجرد الإدارة، وهذه الفكرة هي التي تتحكم في كل العناصر الذي ذكرها المؤلف في كل ما يدور حوله الاقتصاد، وهي فكرة "العدالة الاجتماعية" فهي حاضرة غائبة في ثنايا وخلف الأفكار والعناصر التي دارت حولها مدلولات المعاني التي أوردها، فالعدالة الاجتماعية قوة كافية خلف أي تقدم حضاري يمكن أن يحظى به الإنسان في أي زمان ومكان، على الإطلاق، بداية من علاقة الفرد بالدولة، وعلاقته ببقية أفراد المجتمع، وعلاقته ببقية حركة المجتمع، كما أنها تقدم أيضاً أفكاراً ذات صلة بالاقتصاد والعلم والإبداع، فهي:

- تحوّل الواقع السلبي غير المنتج لدى الفرد إلى دافع إيجابي.

- تقضي على فكرة الاستغلال، التي تبدأ باستغلال الفرد.

- تقوم بدور المحفز النفسي للعمل.

- هي المحور الرئيسي في تمكين الفرد اقتصادياً.

- هي المحرك لدى الأفراد للحفاظ على مكتسبات أي دولة.

- تقدم نموذجاً للتحضر الإنساني.

- تغلق الباب أمام الاستبداد السياسي بأنواعه.

- ترفع من شأن الطبقات المتوسطة في أي مجتمع.

- تزيل الفوارق بين الطبقات.

وهكذا تبدو العدالة الاجتماعية، فكرة نظرية ترتبط بالسياسة العامة، ولكنها فكرة عملية ترتبط بقوة الدولة ومؤسساتها من كافة النواحي، وهذا ما أشار إليه المؤلف وهو يتحدث عن أحد أهم الأسس في العملية الاقتصادية في كتاب (الفقه الاقتصاد)، وأشار إليها كأحد أهم الأسس في كتابه (الفقه الحقوق).

يقول المؤلف:

من أول ص 74 – إلى منتصف ص 75:

أما ربط الحقوق بالاقتصاد.. فإن عالم الحقوق حيث يريد وضع القوانين الاقتصادية يجب أن يعرف حوازين الاقتصاد، سواء في الاقتصاد الإسلامي الذي هو مورد البحث أو غير الإسلامي كالاشتراكية والشيوعية والرأسمالية والتوزيعية بالنسبة إلى علماء حقوقهم حتى يتمكن من وضع القوانين الملائمة للإقتصاد المعترف به عند الأمم فإن عالم الحقوق إذا لم يعرف أن الاقتصاد الإسلامي مبني على الكل وجهده بمقتضى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) إلا في القدر الاجتماعي عن الذي يستثنى من الجهد للصالح العام كما تقدم الإلماح إليه "، كيف يتمكن من وضع القوانين الكفيلة بتطبيق الكبرى الكلية الإسلامية على الصغريات الخارجية مثلاً لا يتمكن أن يضع قانوناً يصحح استملاك الحكومة لبقاء الدار وسائر الأملاك التي وقعت بعضها في الشاعر، ولا من وضع القانون الذي يبيح بقاء المستأجر في الدار والدكان والحمام وما أشبه خلاف رضا المؤجر الذي هو خلاف (الناس مسلطون على أموالهم)، إلى غير ذلك، وهكذا بالنسبة إلى سائر انحاء الاقتصاد بل الأمر أدق من هذا أحياناً فإنه إذا كان اضطرار من المستأجر إلى السكنى في الدار المستأجرة حيث أن المستأجر لا يتمكن من السكنى في الكوخ، والخيمة، والشاعر، ولا يتمكن من استئجار دار أخرى فاللازم أن يضع المقنن قانوناً بإجازة ذلك شرط إعطائه الأجرة الحالة فيما إذا لم يكن اضطرار المستأجر في قبال اضطرار المؤجر السكنى وإلا تساقط الاضطرار.... وهكذا.

إن ربط الحقوق هنا بالتنظيم الاقتصادي يحول الإنسان إلى درجة من درجات الإيجابية كما نرصد هنا في الترسيمة التالية:

من هذا المنطلق يمكن أن نبني على كلام المؤلف مايدل على أن الفكرة (العدالة الاجتماعية) حاضرة في كل أشكال التعبير عن عالمين متقاربين متفاعلين، عالم الحقوق عالم الاقتصاد، وفي الوقت نفسه تعد دالاً على أن الأفكار لدى الرجل بناء متكامل من عالم مثالي يبنى عليه رؤيته الإنسانية بعامة

فهو يربط بين عدد من آليات الحركة الإنسانية بآليات التقدم المجتمعي على النحو التالي:

- يربط بين الواقع الأصلي للحقوق، بالواقع الأصلي للعدالة الاجتماعية والاقتصاد.

- يقدم نماذج من التاريخ الإسلامي دالة

- يؤصل فقهياً لفكرة ربط القوة الاقتصادية بالحقوق العامة والعدالة.

- يُشمل في كلامه تفاصيل ذات مدلولات علمية وعملية.

- يربط بشكل عام بين دافع التقدم ودافع حركة الإنسان.

- يحول المجتمع من فكرة السكونية– كما أسلفت – إلى فكرة الحركة الفاعلة.

التكافل الاجتماعي وضمان الحقوق الاقتصادية

لا يقف حد العدالة الاجتماعية عند المؤلف محمد الشيرازي على ما يمكن تسميته في الفقه (التوزيع العادل) للثروة من جهة، وإدارة هذا التوزيع بما يلائم حركة الإنسان الإيجابية، وتناغم هذه الحركة مع بقية الدلائل التي تشير إلى موقف الإنسان السوي من فكرة القوة الاقتصادية من ناحية، وفكرة العدالة الاجتماعية من ناحية أخرى، كما أن ارتباط ذلك في مفهومه يعود به إلى أن فكرة التنوير هي التي تسيطر عليه في هذا البناء العملي المتكامل، وفكرة التنوير لا ترتبط فقط بالتشكيل النظري للمفهوم، ولكنها ترتبط بالتشكيل العملي الدال على حركة الإنسان، وقدرته على الملائمة الصحيحة بين دوره كفاعل، ودوره كمتلقٍ في آن واحد، فتراه يركز على فكرتين أساسيتين في عملية بناء هذا التصور العلمي الضخم:

- التسوية في التقسيم؛ ويقصد العدالة الاجتماعية.

- قانون الجزاء والسعي.

وهذان العاملان يؤسسان في تاريخ الفكر الاقتصادي العالمي الجزء الأكثر أهمية في ربط الأفكار الاقتصادية بحياة الانسان، وقدرته على التفاعل الخلاّق، وقد ربط "جون كينيث جالبرت" بين المفهوم الأخلاقي للاقتصاد، والمفهوم العلمي له،[9] وهي أفكار نشأت متعارضة كما يقول جالبرت " كانت موجودة منذ نشأة قوة الاقتصاد في اليونان القديمة، ثم أصبحت مقترنة ومتصالحة معها في العصور المتأخرة، وهذا يدل على أن بناء الأفكار العالمية الإنسانية، لا تتعارض مع الفكر الإسلامي الصحيح، دون التعصب – للمذهب، لأن الدلالة العامة التي يُنشؤها مؤلف كتاب (الفقه الاقتصاد) يتعدى حدود المذهب ليلتقي بالأفكار الإنسانية العامة الدالة على الروح الخلاقة لدى الإنسان المعاصر، كما أنها تتعالى على دلالات المكان لأي دولة لتصبح فكرة تتحرك في فضاءات الذات والعقول بعيداً عن التعصب الأعمى الذي لا يحب إلا الخراب.

يربط ذلك المؤلف بميثاق الأمم المتحدة وحقوق الثلاثين التي ترتبط بالحق الاقتصادي والعدالة الإنسانية، وهذا يدل على أن المؤلف محمد الشيرازي يتحرك من تصور غني يربط في دور الاقتصاد بدور العدالة الاجتماعية، وهي ترتبط هي الأخرى تؤسس كما ذكره في كتابه (الفقه الاقتصاد) بشروط التملك، والتصرف في الملكية، وهي فكرة لا تسحق الفرد بل تجعله جزءاً من نظام دولي يعتمد على آليات ترتبط بالإنتاج.

إن العدالة الاجتماعية لا ترقى إلى تكوين تكافل اجتماعي فقط، وإنما تتعدى ذلك إلى تحويل هذا التكافل إلى نمط حياة من خلال عدد من الأفكار التي يعتمد عليها المؤلف:

- التكافل الاجتماعي ووجوب الكد.

- التكافل الاجتماعي وطلب الرزق.

- التكافل الاجتماعي والعمل المشروع.

- التكافل الاجتماعي وحرية الفرد في التصرف.

- التكافل الاجتماعي والإيمان بقوة الحياة الاقتصادية في دفع العدالة الاجتماعية.

يقول المؤلف:

" إن الإنسان الظلوم الجهول الذي خان في الأمانة، فظلم نفسه وغيره بجهله، مما تمتع به من مواهب العلم وسيطة للاستعمار، فقد تقدمت بلاد علماً وتأخرت بلاد فالإنسان الذي تقدم علمه يدل على أنه يجعل علمه وسيلة لإسعاد العباد وإنقاذ البلاد، جعل علمه وسيلة لكيفية استعباد البشر وتأخيرهم وجعل بلاد الآخرين خراباً وصحاريهم يباباً مما أضاف إلى الهوة الطبيعية الناجمة عن اختلاف مواضع ثروات الطبيعة هوة علمية أيضاً، لذا ترى بلاد الغرب والشرق تصعد إلى القمر، وتسبح في اللبن لنعومة بدنها، وبلاد من آسيا وأفريقيا وهم أكثرية البشر لا تصنع حتى الإبر ولا تجد حتى اللبن الذي يسد به رمق أطفاله فيموتون جوعاً زرافات زرافات، والهوة تزداد يوماً بعد يوم بعداً، لأن البلاد القوية تجعل نفسها أقوى علماً وثروة، والبلاد الضعيفة تزداد ضعفاً بسبب البلاد القوية، وهذه الهوة التي صنعها البشر بيده، وخلافاً لأحكام الله سبحانه خالق البشر، وواهب الثروة والعلم،......

وأما المستضعفون، فهم أيضاً جنوا عاقبة عملهم، إذ اللازم على الإنسان أن يرفع الظلم عن نفسه، وإلا كانه شريكاً للظالم، وقد قال علي عليه السلام: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً"، وقبل ذلك قال القرآن الكريم (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم، قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض، قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، أولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا).

المؤلف محمد الشيرازي هنا يرصد آلية من آليات التكافل الاجتماعي كحق إنساني وقوة الاقتصاد كضرورة معيشية على النحو التالي:

1- في الاقتصاد الإسلامي يراعي المشرع التحولات النفسية لدى الأفراد، وهذا المبدأ بدأ يظهر في الدراسات الاقتصادية والاجتماعية حديثاً على نحو غير مسبوق، ولذلك يمكن أن نستخرج عدداً من المبادئ التي وفق المؤلف محمد الشيرازي فيها بين الحق الاقتصادي كضرورية حياتية وبين الحق المعيشي للفرد كضرورة إنسانية.

2- المذاهب الأخرى كالرأسمالية والاشتراكية لا يراعي الموقف النفسي للفرد.

3- تساوي هذه المذاهب بين الفرد وبين الآلة.

4- في الاقتصاد الإسلامي تعلو قيمة الفرد على قيمة الآلة.

5- يصنع الاقتصاد الإسلامي علاقة بين الفرد وبين أدوات الملكية.

6- المذاهب الأخرى تنحاز إلى الأرباح أكثر من انحيازها إلى القيمة.

ويمكن أن نفرق ذلك في الترسيمة الآتية:

* د. محمد زيدان، الغربية، أغسطس 2018م- وهو وكيل وزارة الثقافة السابق بالإسكندرية ومدرس منتدب بجامعة المنوفية و6 أكتوبر وعضو إتحاد الكتاب بمصر

.........................................
[1]- الشيرازي، محمد، " فقه الاقتصاد"، ص: 15.
[2]- الشيرازي، محمد، " فقه الاقتصاد"، ص: 30.
[3]- الشيرازي، محمد، الفقه الاقتصاد، ج 1، ص: 31، 32.
[4]- توماس باترسون: التغيير والتنمية في القرن العشرين، ت: عزة الخميس، المجلس الأعلى للثقافة، مصر، 2005م، ص: 142.
[5]- الشيرازي، محمد، الفقه الاقتصاد، ص: 115، 116.
[6]- الشيرازي، محمد، الفقه الاقتصاد، من أول ص 192، حتى أول ص 196.
[7]- نيكولاس جوبان، قرن من الهيمنة الأمريكية، ترجمة: عزة خميس، المجلس الأعلى للثقافة، مص، 2003م، ص 303
[8]- تاريخ الفكر الاقتصادي، جون جالبرت، ترجمة: أحمد فؤاد بلبع، عالم المعرفة، 2000م، ص: 25.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
الإقتصاد هو أكبر العناصر الحاكمة في حياة الأفراد والمجتمعات
هو الذي يحدد مستوى المعيشة والقدرة الفعليةعلى تلبية الحاجات
واتاحة الفرص التعليمية المتقدمة ووسائل الترفيه عند توفر الإمكانات
وكلما ضعف الإقتصاد انهارت حياة الأفراد وتفشت الأمراض وانتشرت المجاعات
أحبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه....واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات...مركز ثقافة الألفية الثالثة2018-12-18