تعتري النظام اللامركزي الاداري في العراق الكثير من العيوب التي تتمثل في عدة اوجه، من بينها الوضع المتأرجح للمحافظات غير المنتظمة في اقليم بين الاستقلال المالي والاداري فقط بمقتضى نص المادة (122) من الدستور من جهة، وبين تمتعها بسن التشريعات خارج الاختصاص الحصري لسلطة الاتحاد...
الباحث محمد عودة محسن-ماجستير في القانون العام
بحث مقدم الى مؤتمر (الاصلاح التشريعي طريق نحو الحكومة الرشيدة ومكافحة الفساد) الذي اقامته مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام وجامعة الكوفة/كلية القانون 25-26 نيسان 2018
المقدمة:
تعتري النظام اللامركزي الاداري في العراق الكثير من العيوب التي تتمثل في عدة اوجه، من بينها الوضع المتأرجح للمحافظات غير المنتظمة في اقليم بين الاستقلال المالي والاداري فقط بمقتضى نص المادة (122) من الدستور من جهة، وبين تمتعها بسن التشريعات خارج الاختصاص الحصري لسلطة الاتحاد بمقتضى المادة (115) من الدستور من جهة اخرى.
وسواء ما فعله الدستور من هذا التناقض في مدى الإستقلال، أم ما احدثه قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008، فإنه احدث خللا في بنية النظام اللامركزي في العراق، فقد حدد الدستور عمل المحافظات غير المنتظمة في اقليم على وفق مبدأ اللامركزية الادارية، ولكنه عاد ومنحها حق سن التشريعات خارج الاختصاص الحصري للسلطات الاتحادية وهذا ما يخالف مبدأ اللامركزية الادارية.
ثم جاء قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل الذي اعتبر مجالس المحافظات سلطات تشريعية ضمن الحدود الادارية للمحافظة وذلك خلافا لمبدأ اللامركزية الادارية ما يعني ضرورة تحديد سلطة المحافظات بإصدار القرارات فقط دون منحها سلطة التشريع. كما ان توحيد الشخصية المعنوية في الحدود الادارية للمحافظات من شأنه الانسجام مع مبادئ النظام اللامركزي، ويعد التفويض بين الحكومة الاتحادية وحكومات المحافظات من بين اهم عوامل اصلاح النظام اللامركزي في العراق.
- إشكالية البحث:
ان اسس النظام اللامركزي الاداري في العراق بنيت على هيكلية متناقضة، فما بين تمتع المحافظات بسلطة التشريع في المادة (115) من الدستور وما بين تقييدها بمبدأ اللامركزية الادارية في المادة (122) منه يثار التساؤل بشأن مدى الاستقلال الاداري للمحافظات؟ وكيف ينسجم ذلك مع عدم خضوعها لرقابة حكومة المركز التي تعد من دعائم اللامركزية الادارية؟ وهل يمكن الخروج من هذا الشائك المحوري؟ وما هي وسائل ذلك الخروج منه؟
- أهمية البحث:
تأتي اهمية البحث من خلال ابراز اهم معوقات التطبيق السليم للنظام اللامركزي الاداري في العراق والوقوف على الاليات المناسبة لمعالجة هذه المعوقات بما ينسجم واصلاح ذلك النظام وتقويم الاعوجاج الذي يعتريه من خلال محاولة ايجاد الحلول المناسبة لتلك المعوقات.
- خطة البحث:
سنقسم بحثنا الى مبحثين اثنين، نتناول في المبحث الاول معوقات التعاون التشريعي وآليات معالجتها، والذي سيكون في مطلبين، المطلب الاول معوقات التعاون بين المركز والادارات اللامركزية والمطلب الثاني آليات معالجة معوقات التعاون التشريعي، أما المبحث الثاني فسيكون للبحث في معوقات التفويض الاداري وآليات معالجتها، وسيكون المطلب الاول منه لتحديد جهتي التفويض الاداري، اما المطلب الثاني فنبحث فيه آليات معالجة معوقات التفويض الاداري، ونختم البحث بأهم النتائج والتوصيات.
المبحث الأول
معوقات التعاون التشريعي وآليات معالجتها
انتهج دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ومن بعده قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم 21 لسنة 2008 المعدل نظام اللامركزية الإدارية كمبدأ عمل للمحافظات غير المنتظمة في اقليم، إذ حدد الدستور ابتداءا اختصاصات السلطات الاتحادية على سبيل الحصر وترك ما عداها للاقاليم والمحافظات على الرغم من كونه جاء بصلاحيات مشتركة بينها وبين المركز، وسنبحث في معوقات التعاون بين المركز والادارات اللامركزية في المطلب الاول، ونتناول اليات معالجة معوقات التعاون في المطلب الثاني، وكما يلي:
المطلب الأول
معوقات التعاون بين المركز والإدارات اللامركزية
هناك جملة من معوقات التعاون في ممارسة الاختصاصات بين الادارات اللامركزية والسلطة الاتحادية في العراق سيما ما يتعلق بالجانب التشريعي، وسوف نعرض لها في الفرعين التاليين، نخصص الفرع الاول لبحث تنازع الاختصاص بين المحافظات والسلطة التشريعية، ونبحث في الفرع الثاني القصور التشريعي في توزيع الاختصاصات، وكما يلي:
الفرع الأول
تنازع الاختصاص بين المحافظات والسلطة التشريعية
يُثار تنازع الاختصاص – غالباً - لأسباب تتعلق بعدم وضوح دلالات النصوص الدستورية والقانونية أو الخلاف بشأن تفسير هذه النصوص وتأويلها(1)، وربما يحصل ان تعمد سلطة من السلطات الى عدم التقيد او التجاوز على اختصاص منوط بسلطة اخرى(2).
وقد يكون التنازع التشريعي بين السلطة التشريعية في المركز وبين الادارات اللامركزية تنازعا ايجابيا متمثل بادعاء كل من سلطتي المركز و المحافظات غير المنتظمة في اقليم بأن اختصاصا ما مرهون بها وهي الجهة المختصة بإصدار تشريع بشأنه(3)، كالتنازع بشأن المادة (112) من دستور العراق لسنة 2005 التي نظمت استثمار الثروة الوطنية بشكل مشترك في الحقول الحالية دون المستقبلية، وكذاك التنازع بشأن صلاحية فرض الضرائب والرسوم ومدى إمكانية المحافظات غير المنتظمة في إقليم إصدار تشريعات بشأنها، كما قد يكون التنازع بين المركز والمحافظات سلبيا، إذ تدفع كل من السلطة التشريعية الاتحادية و المحافظات بعدم اختصاصها بشأن مسألة يتطلب الأمر فيها تدخل إحدى السلطتين لحسمها(4)، فعدم ممارسة الاختصاص بشـأن مسألة معينة يعطل كثيرا من المصالح التي يعد تعطيلها اضرارا بالصالح العام، او يهدر بعض الحقوق والحريات للأفراد.
الفرع الثاني
قصور تنظيم الاختصاصات في النظام اللامركزي الاداري
ان وجود مصالح محلية متميزة عن المصالح الوطنية العامة يعد من بين مقومات نظام اللامركزية الإدارية، والواقع ان الجهة التي تختص بتحديد المصالح المحلية التي يعهد بإدارتها الى الادارات المحلية هي السلطة التشريعية من خلال التشريع(5)، فهذا التشريع هو ما يحدد نطاق ممارسة الاختصاص للهيئات المحلية فضلا عن علاقتها بسلطة المركز بما يتوافق مع نظام اللامركزية الإدارية.
وقد نصت المادة (122/ثانيا)من دستور العراق لسنة 2005 على (تمنح المحافظات التي لم تنظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية وينظم ذلك بقانون)، ونصت المادة (2) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل على "مجلس المحافظة: هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الاتحادية ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية "(6)، ورغم ان المشرع العادي لم يحد عن النص الدستوري عندما اعتبر ان المحافظة تدير شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية الا انه جانب الصواب عندما منح مجالس المحافظات صفة السلطة التشريعية، فهذا الحكم يكشف عيبا في الصياغة التشريعية وعدم تناغم مع حكم الدستور الذي اوردته المادة (122) منه(7).
المطلب الثاني
آليات معالجة معوقات التعاون في النظام اللامركزي
هناك عدة اليات لحسم التداخل في الاختصاصات بين السلطة التشريعية الاتحادية وسلطات المحافظات غير المنتظمة في اقليم، نتناول في الفرع الاول الاليات القضائية، ونعقبه في الفرع الثاني للاليات القانونية وكما يلي:
الفرع الاول
الاليات القضائية لمعالجة معوقات التعاون
يُعد القضاء الضمانة الاساسية لتطبيق الدستور واحترام نصوصه، وتتمثل الاليات القضائية لمعالجة معوقات التعاون بين المركز والمحافظات بالآتي:
اولا- القضاء الدستوري:
اناطت المادة (93) من الدستور بالمحكمة الإتحادية العليا عدة اختصاصات هامة، إذ تختص وفقا لنص المادة (93) من الدستور بـ (... ثالثاً:ـ الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الإتحادية، والقرارات والانظمة والتعليمات، والاجراءات الصادرة عن السلطة الإتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء، وذوي الشأن، من الافراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة - رابعاً:ـ الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الإتحادية، وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والادارات المحلية). وتطبيقاً لذلك قضت المحكمة الإتحادية العليا في قرارها (25/ اتحادية/2008) في 23/6/2008 بتفسير نص المادة (115) من الدستور على إثر استفسار مجلس محافظة البصرة بكتابه (ن/2523/م8) في 14 /5/2008 عن صلاحيته في فرض الرسوم المحلية التي كان يبيحها له أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) في العراق رقم (71) لسنة 2004 وقد جاء في قرار المحكمة الإتحادية العليا (ان صلاحية مجلس المحافظة في سن القوانين المحلية تحكمه المواد (61/اولا) و(110) و(111) و(114) و (115) و(122/ثانيا) من الدستور وان استقراء مضامين هذه المواد يشير الى صلاحية مجلس المحافظة بسن التشريعات المحلية وتنظيم الشؤون الإدارية والمالية بما يمكنها من ادارة شؤونها على وفق مبدأ اللامركزية الإدارية والتي تمنحها المادة (115) من الدستور الأولوية في التطبيق ذلك ان المجلس النيابي يختص حصرا بتشريع القوانين الإتحادية وليس له اختصاص بإصدار التشريعات المحلية للمحافظة استنادا لأحكام المادة (61/اولا) من الدستور ولمجلس المحافظة وضمن صلاحياته الدستورية اصدار جميع القرارات عدا التي تختص بإصدارها السلطة الإتحادية الحصرية والمشتركة المنصوص عليها في المواد (110-11-112-113-114) من الدستور...)، والملاحظ ان القضاء الدستوري اكد على ان التشريعات التي يصدرها مجلس المحافظة انما هي (قرارات)، وبذلك فإن مفهوم التشريع المحلي الصادر عن المحافظات انما ينصرف الى التشريعات الفرعية لا غير.
واللافت ان السمة التي طغت على القضاء الدستوري العراقي هي عدم وحدة التوجه القضائي في التفسير، إذ سبق للمحكمة الإتحادية العليا ان اصدرت القرار (16/اتحادية/2008) في 21 /4/2008 والذي جاء فيه (لما كان فرض الضرائب وجبايتها وانفاقها وفرض الرسوم والغرامات والضميمة من الأمور المالية التي اشارت اليها المادة (122/ثانيا) من دستور جمهورية العراق لذا يكون لمجالس المحافظات غير المنتظمة في اقليم حق سن القوانين الخاصة بفرض وجباية وانفاق الضرائب المحلية وسن القوانين الخاصة بفرض وجباية وانفاق الرسوم والغرامات والضميمة بما يمكنها من ادارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية والتي تمنحها المادة (115) من الدستور حق الاولوية في التطبيق عدا ما ورد في المادة (61/ اولا) منه الذي يختص بممارسة الصلاحيات الواردة بها حصراً المجلس النيابي بتشريع القوانين الإتحادية وكذلك القرارات التي تختص بإصدارها السلطات الإتحادية الحصرية والمشتركة المنصوص عليها في المواد (110 - 111- 113 – 114) من الدستور).
إلا ان هذا القرار القضائي جاء مفتقرا للدقة، فالمجالس الإدارية ليست بحاجة إلى ممارسة سن (القوانين) لممارسة مهامها الإدارية والمالية، وانما هي بحاجة الى اصدار (القرارات) لأن القول بغير ذلك يؤدي الى وجود سلطات هجينة انشأها قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل متمثلة بسلطة تشريعية تخرج عن مألوف النظام الدستوري برمته، بإعتبار ان نظام اللامركزية الإدارية ينصرف الى ممارسة سلطات تنفيذية فقط (ادارية)(8) كما ان الدستور في المادة (122/ثانياً) منه حدد الوصف الدقيق لمبدأ عمل المحافظات غير المنتظمة في إقليم، وهو الوصف المتمثل بمبدأ(اللامركزية الإدارية).
ثانيا – القضاء الاداري:
إتجه مجلس الدولة(9) الى الإقدام والحزم في إبداء الرأي والمشورة، وإنتهى المجلس الى اقتصار صلاحية مجالس المحافظات على إصدار التشريعات الفرعية (القرارات) لأن الدستور قيدها بمبدأ اللامركزية الإدارية(10)، فعلى إثر قانون المولدات ذات النفع العام رقم (2) لسنة 2009 الذي اصدره مجلس محافظة بابل، أبدى مجلس الدولة رأيه ذا العدد (1972/2009) في 25/10/2009 الذي جاء فيه (...1- حدد الدستور الاحكام ذات العلاقة بتشريع القوانين وتصديقها واصدارها، وان القوانين لا تصدر الا استنادا الى نص دستوري. 2- ان المادة (121) من الدستور خولت سلطات الأقاليم الحق في ممارسة السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واصدار القوانين وفقاً لأحكامه ولم يخول المحافظات غير المنتظمة في اقليم هذه الصلاحية ولم يرد فيه اشارة بأن تصدر المحافظات قوانين. 3- ان القانون لا يكون سنده في الإصدار قانون آخر، ولم يسبق ان صدر قانون استناداً لنص في قانون آخر منذ تشكيل الدولة العراقية، وبالتالي فإن اقرار هذا الإتجاه هو مخالفة لأحكام الدستور ويتعارض مع ما استقر عليه فقهاء القانون ودول العالم في تشريعها للقوانين)(11).واللافت للنظر ان مجلس الدولة كان دقيقاً جداً في التوصيف القانوني لمعنى التشريعات التي تتمتع بإصدارها مجالس المحافظات، فالتشريع هنا ينصرف الى المعنى الواسع، لأن كل تشريع هو قانون وليس العكس، وبالتالي فمجالس المحافظات تملك سلطة اصدار التعليمات والقرارات لا غير(12).
الفرع الثاني
الآليات القانونية لمعالجة معوقات التعاون
ليس من شك ان ممارسة الاختصاصات الدستورية في اطار التعاون مسألة تشوبها المحاذير، ولذا تمت احاطتها ببعض المحددات، فرغبة الإستحواذ على الصلاحيات الأكبر سمة ملازمة للنزاع بين المركز والادارات اللامركزية(13)، ولذلك على المحافظات التقيد بالآتي:
اولا- عدم المساس بالإختصاصات الحصرية لسلطات الإتحاد
اتجه دستور جمهورية العراق لسنة 2005 الى النص على الإختصاصات التي تنفرد بها سلطة المركز حصرا في المادة (110) منه، وجاء في المادة (2) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل النص على (أولاً:- مجلس المحافظة: هو السلطة التشريعية والرقابية في المحافظة وله حق إصدار التشريعات المحلية بما يمكنه من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية بما لا يتعارض مع الدستور والقوانين الإتحادية التي تندرج ضمن الإختصاصات الحصرية للسلطات الإتحادية...خامساً: تمارس الحكومات المحلية الصلاحيات المقررة لها في الدستور والقوانين الإتحادية في الشؤون المحلية عدا الإختصاصات الحصرية للسلطات الإتحادية المنصوص عليها في المادة 110 من الدستور...).
ووفقاً لهذا النص تمتلك المحافظات سلطة التشريع في المسائل غير المنصوص عليها في المادة (110) من الدستور، فتستطيع التشريع فيها بما يمكنها ادارة شؤونها المحلية(14). ولكن ينبغي لها ان لا تمس المصلحة العليا للدولة او الحكمة الدستورية من منحها هذا الإستقلال(15).
ثانيا- التقيد بمبدأ اللامركزية الإدارية:
إذا كانت اللامركزية الإدارية تعني توزيع الوظائف الإدارية بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية او مصلحية (16)، فقد اشترط الدستور ان تمارس المحافظات صلاحياتها وفقاً لمبدأ اللامركزية الإدارية في المادة (122/ ثانياً) منه، ولا يتجاوز النظام اللامركزي سوى منح جانب من الإختصاصات التنفيذية(17).
ثالثا- الخضوع لرقابة السلطة المركزية:
لا يعد استقلال الوحدات الإدارية منحة من حكومة المركز او تسامحاً منها بقدر ما يكون استقلالاً مصدره الدستور(18)، فيكون مقيداً بقيد الرقابة المركزية على نشاطها (19)، وبخلاف ما يجب ان يكون في منطق اللامركزية الإدارية من خضوع المحافظات لرقابة حكومة المركز (20) جاء نص المادة (122/خامساً) من الدستور لينص على (لا يخضع مجلس المحافظة لسيطرة او اشراف اية وزارة او جهة غير مرتبطة بوزارة وله مالية مستقلة). ونصت المادة (2) من قانون التعديل الثاني رقم (19) لسنة 2013 على قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 على (ثالثاً:- تخضع المجالس لرقابة مجلس النواب).
ولم يأخذ المشرع العراقي بالحسبان ان رقابة المركز على الوحدات الإدارية من ثوابت نظام اللامركزية الإدارية(21)، وسار قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم على منح مجلس النواب بدلاً من الحكومة سلطة الرقابة المباشرة على مجالس المحافظات، فلمجلس النواب في هذا الشأن:
1- إلغاء قرارات مجالس المحافظات لمخالفة الدستور والقوانين النافذة:
يمتلك مجلس النواب سلطة الغاء القرارات التي يسنها مجلس المحافظة، وجاء في المادة (20/ثانيا/أ) من قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل النص على (أ- لمجلس النواب أن يعترض على القرارات الصـادرة مـن المجلس إذا كانت مُخالفة للدستور أو القوانين النافذة، وفي حالة عدم إزالة المخالفة فلمجلس النواب إلغاء القرار بالأغلبية البسيطة)، والواضح ان نص المادة (20) اعلاه ذهب الى منح مجلس النواب سلطة الإعتراض على قرارات مجالس المحافظات إذا كانت مخالفة للدستور أو القوانين الإتحادية، في حين ان القرار هو تشريع فرعي لا يستند في صدوره الى الدستور(22)،ثم ان الحكم بعدم الدستورية سلطة مقررة للقضاء الدستوري(23).
2- سلطة حل الوحدات الإدارية:
يملك مجلس النواب حل مجالس المحافظات وفقاً للمادة (20) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم (21) لسنة 2008 المعدل التي نصت على (أولاً: يحل المجلس والمجالس المحلية بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس بناءً على طلب ثلث الأعضاء في الحالات الآتية:1.الإخلال الجسيم بالأعمال والمهام الموكلة إليه.2- مخالفة الدستور والقوانين.3- فقدان ثلث الأعضاء شروط العضوية. ثانياً..ب- لمجلس النواب حل المجلس بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناءاً على طلب المحافظ، أو طلب من ثلث عدد أعضائه).
المبحث الثاني
معوقات التفويض الاداري وآليات معالجتها
جاء دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بنص ينظم التفويض في الإختصاصات بين حكومة الإتحاد والوحدات الإدارية، وهو نص المادة (123) الذي جاء فيه (يجوز تفويض سلطات الحكومة الإتحادية للمحافظات أو بالعكس بموافقة الطرفين وينظم ذلك بقانون).
ويلاحظ على هذا النص انه تحدث عن تفويض بين حكومتين (اتحادية – محلية)، ومن المعلوم ان (الحكومة)(24) سواء كانت اتحادية أم محلية فإنها تمارس الإختصاص التشريعي الفرعي، وسنبحث في المطلب الاول معوقات التفويض الاداري، بينما نخصص المطلب الثاني للبحث في آليات معالجة معوقات التفويض الاداري وكما يلي:
المطلب الاول
معوقات التفويض الاداري
جاء الدستور بنص جعل فيه التفويض متبادل، اي يمكن اجراؤه بين حكومة المركز وحكومات المحافظات أو بالعكس اي بين حكومات المحافظات والمركز، ولذلك سنبحث في الفرع الاول عدم حصر التفويض الاداري بالحكومة المركزية الى المحافظات، جواز التفويض من المحافظات الى الحكومة المركزية وكما يلي:
الفرع الاول
عدم حصر التفويض الاداري بالحكومة المركزية الى المحافظات
حددت المادة (110) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 وعلى وجه الحصر اختصاصات السلطات الإتحادية، وطبيعي ان ما عداها يدخل ضمن الإختصاصات المشتركة مع الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في اقليم، وبالتالي لا يمكن التفويض في تلك الإختصاصات كونها تتعلق بهيبة النظام الإتحادي ككل وتهم الدولة بأسرها، ومن ثم لا يمكن إلا ان تقوم بها السلطة العليا لخطورتها واهميتها القصوى(25)، فكيف يمكن ان تقوم السلطات الإتحادية بتفويض اختصاصاتها الحصرية الى المحافظة غير المنتظمة في اقليم والخاضعة لنظام اللامركزية الإدارية؟
واللافت للنظر ان هناك اختصاصات معينة لا يمكن التفويض فيها كالمسائل الخارجية على سبيل المثال(26)، في حين ان المادة (123) وإنما جاءت مطلقة لتجعل التفويض في جميع الإختصاصات أمر ممكن، في حين ان هناك اختصاصات لا يمكن منحها للمحافظات، فشمول وزارة المالية مثلاً بنقل الدوائر الفرعية والإختصاصات إلى المحافظات يخالف أحكام الدستور جهاراً نهاراً، فالمادة (110) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 أكدت ان من بين اهم الإختصاصات الحصرية للسلطات الإتحادية هو (.. رسم السياسة المالية والكمركية وإصدار العملة وتنظيم السياسة التجارية عبر حدود الأقاليم والمحافظات في العراق ووضع الميزانية العامة للدولة،.....) فضلاً عن (وضع مشروع الموازنة العامة والإستثمارية)، وهذه المهام لا تنهض بها إلا وزارة المالية فهي تقوم بوضع الموازنات، وهل يعقل نقل دوائرها الفرعية من مصارف وعقارات دولة وخزينة عامة للمحافظات؟.
واللافت للنظر ان المادة (12) من القانون رقم (19) لسنة 2013 تحدثت عن نقل للصلاحيات من المركز الى المحافظات تدريجياً وليس مجرد تفويض؟، ولنا أن نتساءل عن امكانية رجوع للحكومة الإتحادية عن تفويضها في بعض الإختصاصات الدستورية التي فوضتها للمحافظات؟، ففي اعتقادنا لا يمكن للحكومة الإتحادية الرجوع في ذلك التفويض (نقل الصلاحيات بالكامل) لأن دورها اصبح مقتصراً على مجرد (رسم السياسة العامة) وليس الخوض في التفاصيل، بدليل ان نص المادة (12) من القانون رقم (19) لسنة 2013 لم يجعل ذلك التفويض مؤقتاً.
الفرع الثاني
جواز التفويض من المحافظات الى الحكومة المركزية
رغم ان المادة (123) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تنص على ان التفويض يكون إما من الحكومة الإتحادية الى المحافظات او بالعكس وبموافقة الطرفين، فإن تطبيق المادة (12) من قانون التعديل الثاني رقم (19) لسنة 2013 انطوى على شق واحد تاركاً الثاني من النص الدستوري، فلم يرد التأكيد في تطبيق هذه المادة على انتقال بعض سلطات المحافظات الى المركز، وإنما انصب الأمر على تفويض الإختصاصات من المركز الى المحافظات، ولنا ان نتساءل عن حكمة المشرع من تغافل تطبيق الشق الثاني من النص الدستوري والتركيز فقط على الأول منه؟ فالواضح ان الحكومة الإتحادية قامت بـ (التنازل)عن بعض إختصاصاتها الى حكومات المحافظات تنازلاً مغلفاً بإطار التفويض(27)، ومن الناحية العملية نجد ان الحكومة الإتحادية هي الطرف المُطالَب بمنح المحافظات سلطات اكبر(28).
المطلب الثاني
آليات معالجة معوقات التفويض الاداري
نصت المادة (12) من قانون التعديل الثاني رقم (19) لسنة 2013 على تأسيس هيئة عليا(29) خاصة بتنفيذ نص المادة (123) من الدستور، ولكن اجراءات هذه الهيئة المستندة الى المادة اعلاه لا تتفق مع مبادي التفويض الاداري وهو ما سنبحثه في الفرع الاول، وكذلك ينبغي للتفويض ان يكون من جانب واحد وهو ما سنبحثه في الفرع الثاني وكما يلي:
الفرع الاول
التقيد بمبادئ التفويض الاداري
أغفل مشرعنا الدستوري ان التفويض فيه من الشروط ما لا يستقيم معه النص الذي اورده في المادة (123) من الدستور، إذ يشترط لصحة التفويض (النص على التفويض صراحة - ان يكون جزئياً – ان يكون محدد المحددة- ان يكون بأداة تشريعية لا تقل عن التي منحت الإختصاص - الإختصاصات المفوضة يجب ان لا تفوض)، واللافت للنظر ان المادة (12) اعلاه تحدثت عن نقل للصلاحيات من المركز الى المحافظات تدريجياً وليس مجرد تفويض؟ وهنا سوف ينتقل الإختصاص بالكامل من سلطة المركز الى الوحدات الإدارية، فتفويض السلطة يتحلل الى قرار اداري يفوض بمقتضاه الرئيس الإداري احد مرؤوسيه ممارسة بعض سلطاته مؤقتاً، ويستطيع الرئيس ان يرجع عن التفويض في أي وقت بما سبق ان فوضه بقرار لاحق(30).
الفرع الثاني
القيام بالتفويض من جانب واحد
رغم ان المادة (123) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 تنص على ان التفويض في الإختصاصات الدستورية يكون إما من المركز الى المحافظات او بالعكس وبموافقة الطرفين، فإن تطبيق المادة (12) من قانون التعديل الثاني رقم (19) لسنة 2013 انطوى على شق واحد تاركاً الشق الثاني من النص الدستوري، فلم يرد التأكيد في تطبيق هذه المادة على انتقال السلطات من المحافظات الى المركز، وإنما انصب الأمر فقط على تفويض الإختصاصات من المركز الى المحافظات، ولنا ان نتساءل عن الحكمة التي ابتغاها المشرع العادي من تغافل تطبيق الشق الثاني من النص الدستوري والتركيز فقط على الشق الأول منه؟ فالواضح ان الحكومة الإتحادية قامت بـ (التنازل)عن بعض إختصاصاتها الى حكومات المحافظات تنازلاً مغلفاً بإطار التفويض(31).
ومن الناحية العملية نجد ان الحكومة الإتحادية هي الطرف المُطالَب بمنح المحافظات سلطات اكبر دون الحديث عن قيام الحكومة الإتحادية بالمطالبة بتفويضها اختصاصات تعود بالأصل للمحافظات غير المنتظمة في اقليم(32).
إلا ان المشرع الدستوري اغفل بأن الدولة الموحدة التي تتحول الى اتحادية ينبغي ان تتجه الإرادة فيها الى الإبقاء على قوة المركز والإحتفاظ بأكبر قدر ممكن من السلطات بيد حكومة الإتحاد، لأنها بالأصل كانت تجمع كل الصلاحيات.
الخاتمة:
لا نريد جعل خاتمة بحثنا يجازا لما اوردناه ولا تأكيدا لما عبرنا عنه ولكن توصلنا الى الثمرة المتمثلة بالاتي:
اولا- النتائج
1. يمكن معالجة خلل النظام اللامركزي الاداري عن طريق تفعيل الرقابة المركزية عليها، فرقابة مجلس الوزراء شرط لازم للقول بناح التجربة اللامركزية، فضلا عن تفعيل الرقابة القضائية على اعمال المحافظات غير المنتظمة في اقليم تفعيلا ينسجم مع روح الدستور بمنح تلك المحافظات سلطات ذات جانب تنفيذي لا غير.
2. جعلت المادة (123) من الدستور التفويض وكأنه عقدا اداريا يتم بموافقة الطرفين، في حين ان التفويض هو قرار اداري وليس عقد، كما إن السلطة التشريعية الاتحادية قد جانبت الصواب حينما منحت للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات سلطة (نقل) الصلاحيات من المركز الى الادارات اللامركزية.
3. للوهلة الاولى قد يتصور ان المحافظات في مرتبة مساوية للاقاليم من حيث درجة اللامركزية، الا ان هذا الاعتقاد يتبدد بمجرد الوقوف على نص المادة (122) من الدستور التي اعتبرت المحافظات تعمل وفق (مبدأ) اللامركزية الادارية، وبالتالي فإن المبدأ لا يعلى عليه مهما وردت احكام مناقضة له.
4. ان ايجاد (ادارات محلية) خارج مفهوم الاقاليم والمحافظات يعد تشضيا في تكوين النظام اللامركزي في العراق سيما اذا كانت تلك الادارات تعمل وفق نظام لامركزي على اساس لغوي وديني وعرقي وقومي وهو ما اوجدته المادة (125) من الدستور وبالتالي فمثل هذا النص يعد عقبة امام نجاح النظام اللامركزي كونه يقوي النعرات العرقية ويجعلها اساسا وسببا في استقلال الادارات المحلية.
ثانيا/ التوصيات:
1. تعديل نص المادة (115) من الدستور بشكل يحفظ مظاهر الاستقلال في النظام اللامركزي الاداري ووحدة الدولة، ليكون النص على النحو التالي (اولا. كل ما لم ينص عليه في الاختصاصات المشتركة يكون من صلاحيات السلطات الاتحادية. ثانيا. للقوانين الاتحادية الاعلوية على تشريعات الاقاليم والمحافظات كافة).
2. تعديل المادة (123) من الدستور بشكل يجعل من التفويض الاداري ذو الية دقيقة ليكون نصها على وفق الاتي (يجوز تفويض بعض اختصاصات الحكومة الاتحادية خارج الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية الى المحافظات لمدة محددة وينظم ذلك بقانون).
3. الغاء نص المادة (125) من الدستور نهائيا كونها جاءت بمكون رابع للنظام الاتحادي لا ينتمي للاقاليم ولا الى المحافظات وهو (الادارات المحلية) المكونة على اساس عرقي وقومي ولغوي مما يجعل تناقض الصيغة اللامركزية الادارية حتما مقضيا، في حين ان هذا المصطلح ينطبق على المحافظات كونها تعمل بنظام اللامركزية الادارية، وبذلك ينبغي رفع هذا التناقض.
4. تعديل المادة (2) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم رقم (21) لسنة 2008 المعدل بشكل يرفع مصطلح السلطة التشريعية عن مجالس المحافظات ليكون النص كما يلي (مجلس المحافظة:هو السلطة التنظيمية والرقابية في المحافظة، له اصدار الانظمة والقرارات والاوامر بما لا يتعارض مع القوانين الاتحادية).
5. تعديل المادة (7) من قانون المحافظات غير المنتظمة في اقليم تعديلا شاملا بشكل يرفع عن مجالس المحافظات ممارسة الجانب التشريعي وفرض الضرائب والرسوم.
اضف تعليق